بحسب جدول نشرته محطة "بلاسيرفيلي" في كاليفورنيا الأمريكية في 7 تموز/ يوليو الجاري، فإن أحد المناطق في محافظة البصرة، جنوب العراق، تصدرت أعلى درجات الحرارة في العالم.
لا مياه ولا كهرباء في "العاصمة الاقتصادية" للعراق، البصرة "أم الخير" كما كان يسميها العراقيون
وتعاني محافظة البصرة من شح في المياه، بسبب الألسن الملحية التي ترميها إيران في شط العرب، ولهذا كشفت وزارة الموارد المائية في 8 تموز/ يوليو الجاري، أن ملوحة شط العرب وصلت لـ"نسب عالية لا يمكن معها" استمرار الاستخدامات المعتادة للمياه في محافظة البصرة، فيما دعت الجانب الإيراني إلى "التوقف عن قذف" مياه المبازل المالحة في الشط.
لا مياه ولا كهرباء في "العاصمة الاقتصادية" للعراق، البصرة "أم الخير" كما كان يسميها العراقيون، والتي تغذي العراق اقتصاديًا من ثرواتها التي لا تنضب.
معاناة الصيف التي "لا حل لها"
وفي كل صيف عراقي لاهب تتصدر البصرة المعاناة التي تفرزها درجات الحرارة العالية جدًا، مع ضعف الخدمات، وعدم توفير الكهرباء منذ 15 عامًا، بعد الاحتلال الأمريكي. ففي تموز/يوليو 2015 خرجت تظاهرات قضاء المدينة شمال البصرة، كانت تطالب بالكهرباء وأبسط الحقوق التي يحتاجها المواطنون في الصيف، وقتل في التظاهرات وقتها الشاب "منتظر الحلفي" الذي لم يبلغ الـ 18 عامًا. كانت تظاهرات سلمية، لكنها قوبلت بإطلاق نار بدأ من داخل محطة كهرباء المدينة الثانوية.
اقرأ/ي أيضًا: بعد الفقر والحروب.. الاحتباس الحراري سبب آخر للهجرة من الشرق الأوسط
لكن دماء منتظر الحلفي، لم تقتصر على البصرة، فقد خرجت تظاهرات في معظم محافظات العراق، خاصّة بغداد، وصلت فيها إلى احتجاجات مليونية، لم تتوقف عند الكهرباء، إنما ذهبت لأبعد من ذلك، مطالبة بالغاء المحاصصة واستبدال الوزراء بوزراء تكنوقراط، ومطالب أخرى كبيرة أدت فيما بعد إلى أن يقتحم المتظاهرون مجلسي النواب والوزراء في المنطقة الخضراء، الحصن الآمن لمسؤولي الحكومة العراقية.
لم تنجح هذه الاحتجاجات وآثارها الكبيرة التي قتل على بعدها أكثر من 16 متظاهرًا فيما بعد بين البصرة وبغداد في ساحة التحرير. وبقيت مشكلة الكهرباء في البصرة وباقي المحافظات، وبقيت شمس تموز اللاهبة تلهب أياما العراقيين، دون أي استجابة من قبل الحكومة، التي يقول مراقبون إن مشكلة الكهرباء فيها سياسية، وليست فنية، وإلا ما معنى أن تستمر أزمة كهرباء في دولة نفطية لمدة 15 عامًا دون حل؟!.
قتل المتظاهرين يتكرّر في البصرة
وفي هذا الشهر، انطلقت تظاهرات في عدة محافظات عراقية، بسبب درجات الحرارة العالية وانعدام الخدمات وغياب الحقوق، ومنها البصرة، آخرها اليوم الثامن تموز/ يوليو، إذ تظاهر المئات من المواطنين في منطقة باهلة التابعة لقضاء المدينة شمال البصرة. وبحسب المصادر، فإن المتظاهرين طالبوا ببناء مستشفى لمعالجة الأمراض السرطانية وتوفير خدمات الماء والكهرباء لأبناء البصرة التي تعاني التلوث إثر الانبعاثات النفطية، كما طالبوا بتعيين العاطلين عن العمل والاهتمام بالواقع الخدمي في الشركات النفطية والوزارات الأمنية في القضاء، وقد هدد المتظاهرون بتحويل تظاهراتهم إلى اعتصام مفتوح في حال عدم استجابة الجهات المعنية لمطالبهم، لكن قوة ضاربة تابعة للحكومة اقتحمت موقع التظاهرة وقامت بإطلاق الرصاص الحي العشوائي على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل متظاهر شاب اسمه "أسعد يعقوب المنصوري"، وكذلك إصابة 3 آخرين بحسب الناطق باسم المتظاهرين محسن الباهلي، فيما أشار إلى أن "المتظاهرين يتراوح عددهم من 800 إلى 1000 متظاهر من منطقة باهلة والمناطق المجاورة لها، وقاموا بقطع الطريق المؤدي إلى حقل غرب القرنة 1 والرميلة منذ ساعات الفجر الأولى"، وكلهم واجهوا الرصاص الحي والقمع المتعمد.
اقرأ/ي أيضًا: عطش الرافدين عبر فيسبوك.. العراق بلا مياه أو وزارة!
من يطالب بحقوقه يقتل!
تعيش البصرة على بحر من الثروات، فهي أغنى محافظة عراقية، لكن مناطقها تتحول إلى مكب نفايات، إضافة إلى غياب الخدمات عن المحافظة، وحصر المشاريع بيد عشائر قوية متعدّدة تمتلك السلاح والرجال، فضلًا عن سيطرة الميليشات القوية على بعض المنابع الاقتصادية فيها، ليبقى الفقراء الذين لا يمتلكون سندًا عشائريًا أو ميليشاويًا يفتقدون إلى كل شيء. ويظهر في كل صيف، تراكم المعاناة في هذه المحافظة نظرًا لأجوائها الرطبة والحارة، لكن احتجاجات الأهالي تقابل بالرصاص الحي دائمًا، وهو ما يشير إلى كذبة "الديمقراطية التوافقية" في العراق بحسب مراقبين، إذ يفتقد الإنسان إلى أبسط حقوقه مثل الماء والكهرباء، إضافة إلى عدم امتلاكه إلى حرية التعبير والاحتجاج.
انطلقت تظاهرات في عدة محافظات عراقية، بسبب درجات الحرارة العالية وانعدام الخدمات وغياب الحقوق، ومنها البصرة
وأشار مراقبون بعد هذه الحادثة، إلى أن سيناريو تظاهرات البصرة في 2015، والتي انتشرت بمعظم محافظات العراق وقتها، ربما سيعود الآن بعد مقتل متظاهر وإصابة آخرين، سيما وأن مناطق العراق، تشهد ذات المعاناة الآن، أي انقطاع في الكهرباء، مع درجات حرارة تصل إلى 50 درجة، خصوصًا وأن الأزمة مزدوجة الآن، إذ تقترن مع مشكلة الكهرباء أزمة المياه، مع غياب الحلول منذ عقد ونصف.
لكن هل ستكون التظاهرات المتوقعة مثل سابقاتها؟ وهل ستواجهها القوات الحكومية بمزيد من القتل والدماء؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة في احتمالاتها المفتوحة في ظل صراع محموم على تشكيل الحكومة في العراق واختيار رئيس وزراء.
اقرأ/ي أيضًا:
سباق تركيا وإيران على مياه العراق.. عطش الرافدين على الأبواب!
احتجاجات الكهرباء في كربلاء.. أيادٍ حزبية وراء الفوضى وتشويش الحراك