01-أكتوبر-2019

حذرت اللجنة المالية النيابية من عجز اقتصادي ينتظر موازنة 2020 (فيسبوك)

كل الدول التي تنشد التقدم وتريد تأمين مستقبلها اقتصاديًا لا يشكل النفط أكثر من 40% من ناتجها المحلي الإجمالي، لأنها تعي وتعرف مدى خطورة ارتفاع الناتج النفطي على الحد المذكور أعلاه في حال تخبط الميزان الاقتصادي العالمي. إلا حكومة العراق، التي لا يوجد فيها تخطيط حتى لأشهر قليلة، وكأنها تسير على القدرة الإلهية، إذ يشكل النفط فيها ما يقارب 95% من ناتجها المحلي الإجمالي، وبذلك يعتبر العراق دولة ريعية بامتياز.

 لا تمثل منتوجات العراق المحلية غير النفطية سوى 10 مليار دولار في أفضل الحالات، وباقي الموازنة هي نفطية بامتياز

يصف خبراء اقتصاديون محليون وعالميون عام 2020 بعام "الركود الاقتصادي"، ومن المعروف جليًا بأن أي ركود اقتصادي يسبب انخفاض في أسعار النفط العالمية، ومن الممكن أن يصل سعر البرميل إلى 50 دولارًا فقط. هذا الأمر يتعلق بالعراق أكثر من أي دولة أخرى، حيث لا تمثل منتوجات العراق المحلية غير النفطية سوى 10 مليار دولار في أفضل الحالات، وباقي الموازنة هي نفطية بامتياز.

اقرأ/ي أيضًا: أسباب "كارثة" موازنة 2020.. هل ستؤثر على رواتب موظفي الدولة؟

مع كل هذه النبوءات "السيئة"، تستمر حكومة العراق بقيادة عادل عبد المهدي بسحب القروض من صندوق النقد الدولي الذي تكلمنا سابقًا عن كيفية تهديمه لبنية الدول وزعزعة استقرارها واقتصادها ورميها بين الحديد والنار، بين قبول التدخل كليًا بالسياسات الداخلية وبين إفلاسها نهائيًا. يُرجح صندوق النقد الدولي أن تصل ديون العراق في عام 2020 إلى 138 مليار دولار بعد ما كانت 132 مليار دولار في عام 2019. صرّح نائب رئيس صندوق النقد الدولي ديفيد ليبتون بمنتصف شباط/ فبراير 2018 في (مؤتمر إعادة أعمار العراق) بأن "العراق في 2022 سيضطر لدفع 60 بالمئة من عائداته لصندوق النقد الدولي لكي يسد الديون المترتبة عليه".

ومع التنبؤ بأزمة اقتصادية وانخفاض أسعار النفط مما يسبب عجز في الموازنة بنسبة لا تقل عن 25% أي ما يعادل 72 ترليون دينار عراقي، كذلك كارثة صندوق النقد الدولي التي يتغافل عنها القاصي والداني، وأيضًا التعدي الصارخ للقوانين الدستورية المتمثل بعدم دفع المستحقات النفطية للحكومة المركزية من قبل إقليم كردستان، هذه الأزمة التي لا يقل حجم ضررها عن انخفاض سعر النفط وغيره، يسكت عنه "القادة" في العراق برمتهم بما فيهم مقتدى الصدر، المتحكم بأكبر كتلة سياسية في البرلمان. كل هذه المؤشرات ستؤدي إلى الانهيار الاقتصادي الذي حذرت منه اللجنة المالية في البرلمان العراقي. وفي حالة الانهيار الاقتصادي تفعل سياسة التقشف الاقتصادية لأقصى درجة من قبل الحكومة المركزية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

قبل هذا الوقت كان قد أعلن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي عن سياسة التقشف في 20 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2014، لكن هذه المرة ستكون أشد قسوة وضراوة من سابقتها لارتفاع منسوب الدين العام والركود الاقتصادي المرتقب.

تتمظهر سياسة التقشف عبر وضع ميزانية توصف بالتقشفية، تتسم بخفض الإنفاق بهدف السيطرة على العجز في الموازنة، وهذا عادة يظهر بشكل واضح على عدة مستويات: التخفيف من الخدمات الاجتماعية والصحية العامة التي تقدمها السلطات الرسمية وتكبدها مبالغ كبيرة. هذه الخدمات التي هي في الأساس شبه معدومة في العراق. فمثلًا: لا يتداوى المريض في المستشفيات العامة لعدم وجود اللوازم الطبية الضرورية وعدم توفر العلاجات الكافية، وقد شهدنا مئات من حالات الوفاة بسبب التقصير الحكومي في هذه الخدمات وغيرها. فكيف ستصبح الأمور أذا تم تقليلها؟!. أيضًا التخفيف من نفقات الوزارات، لا سيما تلك التي توصف بالكماليات التي يمكن الاستغناء عنها. ربما هذه النقطة الوحيدة التي لن تنفذ في حال أتباع سياسة التقشف على أعلى مستوى، لأن نفقات الوزارات تعتبر الباب الأكبر للفساد في الحكومة العراقية، الفساد الذي يحصل على مرأى ومسمع الجميع والذي يشارك بهِ الجميع والذي يدّعي الجميع محاربته!. كذلك إقفال باب التوظيف في القطاع العام أو تقليصه إلى حدوده الدنيا، تخفيفًا من الأعباء المالية التي تتكبدها الخزينة العامة. وفي مثل هذه الحالات تتجنب الحكومة المعنية تصحيح الأجور في القطاع العام كي لا تزيد من نفقاتها على هذا البند. هذا البند ثابت في حال وجود سياسة تقشف من عدمه، لأن مسؤولي الدولة العراقية يستحوذون على معظم الدرجات الوظيفية التي تطرح من قبل الحكومة، فأبنائهم وأقاربهم أولى بها من المواطنين الذي لا يمتلكون سندًا في هذه المنظومة الحكومية الخاوية على عروشها.

وتتضمن سياسة التقشف أيضًا التخفيف من مشاريع البنى التحتية غير الضرورية وغير الملحة في البلاد، ولعل هذه النقطة من المضحكات المبكيات إن طُبقت في سياسة التقشف العراقية، حيث يوجد أكثر من ألف مشروع خدمي بين متوقف ومتلكئ منذ سنين عدة، تقبع هذه المشاريع بين مطرقة الفساد وسندان التقصير والمواطن هو الخاسر الأكبر. وفي معظم الأحيان، تترافق هذه الإجراءات مع العمل على زيادة الإيرادات، من خلال فرض ضرائب جديدة تهدف إلى تعزيز الخزينة العامة، إضافة إلى ما تصفه الحكومات بـ"توسيع دائرة الاستثمارات التي تساعد على زيادة الإنتاجية وتحسين المداخيل".

في خضم الأزمة الاقتصادية المحتملة يقف قادة الكتل بين متنازعٍ ومتخاصم بسبب الدرجات الخاصة التي تمثل شكل الدولة الأساسي

في خضم هذه الأزمة التي تجعل حياة المواطن العراقي اليومية على المحك، يقف الرئيس عادل عبد المهدي المتوافق عليه من قبل السيد الصدر والسيد هادي العامري متفرجًا دون أدنى تخطيط لحل المشاكل التي تنخر بأساسات الدولة العراقية المتآكلة أساسًا. بل يزيد هذا الرئيس يتيم الشرعية الحكومية الطين بلّه عبر تساهله مع حكومة إقليم كردستان، وعبر زج العراق بصفقات مشبوهة مع دول مجاورة وقرارات غير مسؤولة تُرجع عجلة بناء الدولة مئة سنة إلى الخلف. كذلك يقف قادة الكتل بين متنازعٍ  ومتخاصم بسبب الدرجات الخاصة التي تمثل شكل الدولة الأساسي، والمواطن العراقي لا يأبه له قريبٌ ولا بعيد!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحذير من "كارثة مرعبة".. كيف سيدفع العراق رواتب الموظفين في 2020؟

ما هي الأسباب وراء عجز الموازنة حسب النائب جمال كوجر؟