رأي

تونس.. استيراد الطائفية

7 September 2015
GettyImages-486175326.jpg
البوليس للشباب.. زنقة زنق (أمين الأندلسي/ الأناضول/ Getty)
خولة الفرشيشي
خولة الفرشيشيكاتبة وناشطة من تونس

لم يكن التونسيون الذين خرجوا في ثورة "14 جانفي" محركين مياه السياسة الآسنة في البلد، يتوقعون أن تؤول الأحوال في وطنهم إلى هذه الحالة، فتونس التي عانت لعقود من حالة الحزب الواحد، كان المتوقع منها أن تكون المثال الرائد في الثورات العربية، رغم أنّها لم تخض في نزاعات مسلحة وحروب أهلية، ولم تنجح الثورات المضادة فيها على الهيمنة الكلية على مفاصل البلاد، وذلك نظرًا لوحدتها الدينية والقومية والطائفية، تمّ وبقدرة قادر لبننة حالتها السياسية وأنجزت في داخلها حالة طائفية مصطنعة.

عمل أعداء الثورة على إنجاز حالة من الطائفية المصطنعة في تونس 

ولعلّ القارئ يتساءل هنا كيف تمت صناعة هذه الحالة؟ الإجابة بسيطة فقد سعت قوى الفساد المتحكمة في دواليب البلاد لعقود من أجل مواجهة تسونامي الإسلاميين القادم، وإلهاء جماهير الشعب الغاضبة والثائرة عليهم باصطناع طائفة المسلمين المعتدلين، ونظرية الإسلام السلفية التي تفترض أنّ الرسول محمد جاء برسالتين، واحدة لتونس وأخرى لبقية العالم، وذلك بتدويل خطاب الإسلام التونسي الوسطي المعتدل الذي يعتمد الزيتونة منارته ومرجعيته.

هكذا يريد البعض من المفكرين والحداثيين التونسيين التسويق لهذه النظرية المتهافتة، مستغلين في ذلك بعض مجموعات التطرّف والتكفير التي تحوم حولها شبهات الاختراق المخابراتي، مستعملين في ذلك أدوات وأبواق الزمن السابق، المرسلة من تلفزيونات وجرائد ومواقع وإذاعات تغذي حالة الخوف، وتسوّق لأفعال إرهابية وشيكة، وكأنّها تساوم التونسيين على خبزهم مقابل أمنهم، إضافة إلى خطاب عدائي قسم التونسيين حسب ألوان الدماء، الحمراء والسوداء، حسب تعبير القيادي في الحزب الحاكم محسن مرزوق.

وللتاريخ فقد نجح هؤلاء في صناعة هذا الاستقطاب الثنائي، خاصة في فترة الترويكا، واحتدّ في اعتصام الرحيل بباردو الذي تمّ على إثره  فرز التونسيين إلى مسلمين ومسلمين نهضاويين، وتناست جموع الجماهير الغاضبة المطالب الرئيسية من بطالة وفق وفساد، لتدافع عن حداثة وحريات مزعومة وذلك بافتعال قضايا هامشية لا تخدم المسار الثوري.

لقاح الحرية والكرامة والعدالة يسقط  جراثيم التقسيم والثورات المضادة

لنصل بعد الانتخابات الأخيرة، وعلى طريقة تقاسم الحكم في لبنان، إلى تقاسم الحكم بين الطائفتين، ليبدأ الصراع الجديد مع وصول وزير شؤون الدينية الحالي، وهو مفتي النظام السابق، ليبدأ بما سمّاه "تطهير المساجد من أئمة التطرف الذين عيّنوا زمن الترويكا"، تطرّف لم يملك عليه أيّ دليل، إنّما في الحقيقة لم تكن العملية إلا محاولة جديدة لتسويق هذا الصراع الطائفي المزعوم، والهدف منه هذه المرّة إلهاء الناس عن الحالة الاقتصادية الكارثية التي تتدهور يومًا بعد يوم. وتمرير قوانين في مصلحة الفاسدين الذين صنعوا هذا الاستقطاب كقانون رسملة البنوك وقانون المصالحة مع رجال الأعمال الفاسدين، ولكنّ أدوات التسويق والقصف الإعلامي بدأ يخفت بريقها، ولم تعد حيلها تنطلي على عموم التونسيين الذين قاطع جزء كبير منهم الانتخابات الأخيرة، خاصة شريحة الشباب التي تمتلك من أدوات التحليل وآليات المقاومة ما يجعلها ترفض هذه الدعاية السوداء وتلك الطائفية المصطنعة. كما تستطيع صناعة إعلامها البديل ودعايتها الخاصة في مواجهة هذه الزمرة الفاسدة.

هذا ما تجلى في مجموعة من التحركات التي حاولت تصحيح المسار الثوري، وإعادة تحريك عقارب الساعة في الاتجاه الصحيح فكانت حملة "وينو البترول"، التي بدأت افتراضيًا في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تنته إلا في الشوارع وهي تواجه أدوات القمع البوليسية، حيث نجحت في إنهاء الحياة السياسية لرئيس الوزراء السابق مهدي جمعة، الذي تورط في عقود فساد في القطاع البترولي، وتواصل هذه المجموعة حراكها لتحرير القطاع المنجمي من شركات الاستعمار الجديد متعددة الجنسيات.

لم يتوقف شباب تونس عند هذا التحرّك، بل واصلوا عبر حراك "مانيش مسامح"، الذي يتصاعد ويتسع، ساعة بعد ساعة، بهدف إسقاط هدف الطغمة الحاكمة في تمرير قانون مصالحة مع ممولّيهم من بارونات الفساد، ويسقطوا عنهم كل التتبعات في عمليات النهب والفساد، طيلة عشريات سوداء عاشها هذا الشعب تحت طائلة الفقر والبطالة.

إنّ شباب تونس الذي كان رائدًا في إطلاق الشرارة الأولى للثورات العربية، ها هو ذا سبّاق كالعادة، ويقف إلى جانب نظرائه اللبنانيين والعراقيين، في طليعة الموجة الثانية من الثورات العربية التي أخذت اللقاحات اللازمة من فيروسات التقسيم الطائفي والعرقي والإيديولوجي، التي لعبت عليها واستغلتها الدكتاتوريات المتهاوية، من أجل الحفاظ على كراسيها ومصالحها، ولكنّ لقاح الحرية والكرامة والعدالة ها هو يسقط اليوم جراثيم التقسيم والثورات المضادة. 

الكلمات المفتاحية

.

دائرة النخب السياسية المغلقة

عن "مناعة الفساد في العراق"


.

ترمب يؤسس "ترُويكا" ألشرق الأوسط

سيناريوهات حول القمة الأميركية الخليجية


.

بزشگيان.. "يلتسن إيران"

سيناريو إيراني شبيه بـ"تفكك الاتحاد السوفيتي"


الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة

نفط
اقتصاد

نيران الحرب تصيب العراق.. ماذا حدث لناقلة النفط قرب مضيق هرمز؟

تفاصيل جديدة عن حادثة احتراق ناقلة تحمل شحنة ضخمة من النفط العراقي كانت متجهة إلى الصين ومدى تعلقها بالحرب بين الكيان الصهيوني وإيران

الخطوط الجوية في البصرة
منوعات

موقف الأجواء العراقية.. الخطوط الجوية المحلية تستأنف رحلاتها في مطار البصرة فقط

الخطوط الجوية العراقية تستأنف رحلاتها من مطار البصرة الدولي خلال النهار مع استمرار إيقاف حركة الطيران في المطارات الأخرى


الاستمارة الخاصة بهوية حيازة وحمل السلاح
مجتمع

استمارة خاصة بهوية حيازة وحمل السلاح في العراق.. رابط إلكتروني وباركود

الداخلية تنشر رابطًا إلكترونيًا بهدف "تبسيط إجراءات معاملة إجازة السلاح"

ابو عائشة العراقي
أخبار

الثاني خلال 3 أشهر.. اغتيال "أبو عائشة العراقي" في إدلب السورية

يرجح أن "أبو عائشة العراقي" عمل في هيئة تحرير الشام سابقًا

الأكثر قراءة

1
سياسة

الحرب على إيران.. العراق يرفع شكوى إلى مجلس الأمن ويتلقى تطمينات أميركية


2
مجتمع

تقارير برلمانية تؤشر ازدياد حالات التسمم الغذائي لمرتادي المطاعم وطالبي "الدلفري"


3
منوعات

الاتحاد الدولي يدرس طلب العراق العاجل قبل مواجهة الأردن في تصفيات المونديال


4
سياسة

خاص| العراق أصبح بـ19 محافظة.. تفاصيل استحداث "حلبجة" والخلافات السياسية والقانونية حولها


5
مجتمع

التربية: المفصولون بالغياب غير مشمولين بالدخول الشامل