29-مارس-2017

جمال بنجويني/ العراق- كردستان

19 آذار/مارس

مساء، الطقس لطيف في الخارج، الساعة تقترب من الثامنة، كما أذكر، لم أكمل سنتي العاشرة بعد، ولا أبقى خارج البيت لوقت متأخر. سمعت بأن هناك ضربة ستوجه إلى العراق، أيضًا سمعت بأن السبب وجود أسلحة للدمار الشامل، ما أثارني في ذلك الوقت ليس قيام حرب بين الولايات المتحدة والعراق، فقد صَور لنا الكبار بأن أمريكا ليست سوى مجموعة من السجناء صنعوا دولة في مكان بعيد عنا، وبأنهم يتفوقون علينا من خلال سيطرتهم على السماء، كان هناك حظر جوي على العراق، ما أثارني هو المصطلحات الجديدة التي قيلت في تلك الأيام، ماذا تعني أسلحة الدمار الشامل؟ هل تكفي مثلًا لكي ندمر العالم، مثلما حدث في الرسوم المتحركة "مغامرات عدنان ولينا"؟

تردد اسم البرادعي كثيرًا، سمعت أبي وهو يشتم هذا الرجل، قال بأنه السبب فيما سيحدث لنا، وكان هناك رجل ببشرة قهوائية يظهر كثيرًا في تلك الفترة. يحمل أبي أختي الصغيرة على كتفه، هي لم تبلغ السنتين بعد، يخرج ليلًا لكي يأخذ جولة صغيرة مع أختي، جولة في مثل هذه الظروف! 

أسمع صوت صافرة إنذار يأتي من خلف البناية التي نسكن فيها، الصوت قبيح ومخيف، يخترق الصوت رأسي الصغير، يحدث شيء أشبه بالـ"دي جا فو"، أسأل أمي هل سمعت أنا هذا الصوت من قبل، ربما، فقد حدثت عملية عسكرية عندما كان عمري خمس سنين. عويل وأصوات سيارات مسرعة، عواء ذئب يخترق الغيمات البيض، أشاهد شهب تمرق في الظلمة التي تهبط فجأة، شهب تملأ السماء، كانت السماء محمرة، أشاهد بتعجب ما يحدث. 

في الصيف الماضي استلقيت على سطح بيت أحد أقاربنا، قال لي قريبي بأن شهبًا ستمرق في الليل، كانت هناك طيور مهاجرة فقط، لم أتوقع بأن تشتعل السماء شهبًا، بأن يغطى الأفق بألوان الحرب، الأفق الذي كان يتمثل لي، بتلك القطعة من السماء التي أستطيع أن أشاهدها بين البناية التي أسكن فيها والبناية المقابلة. يعود أبي إلى البيت، أختي هادئة وساكنة، ثمة هدوء وبعض وميض في الشارع، أحشر رأسي في الوسادة وأنام.

 

9 نيسان/أبريل

صنع أبي لي ولقريبين بنادق من الخشب، كانت البنادق تشبه البندقية الروسية "كلاشينكوف"، كان حجمها بحجم البندقية الحقيقية، وضعنا شريطًا من القماش على طرفي البندقية الخشبية، لكي نستطيع أن نحمل عبء بندقية على ظهورنا الصغيرة. قبل ثلاثة أيام سقط صاروخان من طائرة حربية على فوج للجيش كان قريبًا من المنزل، كان صوتًا مرعبًا، تساءلت لماذا أصبح الليل صاخبًا إلى هذا الحد؟ 

اضطر أبي في ذلك اليوم أن يقلنا إلى بيت أحد أقاربنا، قال بأنه سيبقى وحيدًا في المنزل، وأننا سنكون بأمان ما دمنا مع مجموعة كبيرة من أقاربنا، القسم الآخر من الأقارب اتجه إلى محافظات مختلفة، كان فرارهم من بغداد أشبه بالبحث عن جنة بديلة. بدا لي بأن الحرب هنا أشد، رغم دفء الأقارب بقيت مرتعبًا، كان البيت في منطقة الأعظمية، كانت هناك نقاط لم تُستهدف بعد، بقيت لكي تكون أشبه بالألعاب النارية مع دخول الدبابات. أضع رأسي بصمت على فخذ أمي التي كانت تداعب شعري لكي أهدأ، أحاول أن أبدو هادئًا لأنني سمعت من هم بعمري يصرخون، أردت أن أطمئنهم، أعدت رأسي إلى فخذ أمي، لكنني أرتعش مثل سعفة، بدوت هشًا. أصابتني إغماءة كما أظن، مع آخر قذيفة سقطت في الشارع المجاور، هدأت أنفاسي، نمت، أذكر بأني حلمت بطيور بيضاء.

 

10 نيسان/أبريل

أنا في ساحة تسمى عدن، عدن، جنة تشعرك بالفزع من اسمها، يبدو وحشيًا. أنا برفقة أبي وأخي، لا أعلم لماذا نحن هنا، ربما لنشاهد ما حدث عن قرب، ثمة سكة حديدة تمتد تحت أقدامنا مثل أفعى متصلبة، الجو خانق، أناس كثر يركضون، أصوات رصاصات متقطعة. يبدو المشهد خياليًا، لم أستطع أن أميز ما يحدث إن كان حقيقة أم خيال. أشاهد دبابة متوقفة في وسط الساحة، كعلامة للخراب، كل شيء فقد الروح، حتى كومة الحديد هذه، أفلت يد أبي وأركض نحو الدبابة، ألقي نظرة بداخلها، بدت كأنها كومة عظام، رائحة غريبة تملأ صدري، يحملني أبي ويجلسني فوق بدن الدبابة، كما لو أنه يعوض عن عدم اصطحابي إلى مدينة الملاهي، أنظر بغرابة للساحة الممتدة في اتجاهات أربعة، السماء صافية، طائرة تحلق، يخترق صوتها جلدي، يقاطعني أبي وهو يصيح، كان أخي يحمل كومة من المعدن لم أعلم ما هي. نسيم يهب يداعب شعري القصير، نعود إلى البيت ولم أعلم هل كان خيالًا ما حدث.
 

  • قصت لي حبيبتي الحادثة، لم تعلم بصدق هل ما حدث كان حقيقة أم خيالًا لطفلة في السابعة من عمرها. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

قلبي يسيل هناك في شوارع حلب

ظل مارلا

دلالات: