15-ديسمبر-2019

محمد شياع السوداني وعبد الكريم خلف وعزت الشابندر (ألترا عراق)

"الولايات مضامير الرجال" - علي بن أبي طالب

في هذه المقالة القصيرة أحاول، وبشكل مختصر، استعراض ثلاثة نماذج، تصلح لتكون معيارًا تحليليًا لواقعنا السياسي الغريب. فمن العسير استعراض كل النماذج السياسية، لأنه، وببساطة شديدة، سنحتاج إلى أكثر من كتاب لإحصاء مخازي هذه السلطة ومظالمها وفسادها المروّع، واستهانتها في حياة الشعب وإهانتها لعقولهم بشكل سافر. إذ لم تعد هذه السلطة قادرة على إقناع الناس، فضلًا عن نفسها، بخطابها البائس والمثير للشفقة. فمن وجهة نظري، لو اطلع قارئ هذا المقال على النماذج الثلاثة، سيفهم من خلالها ماذا يدور في أروقة السلطة، وكيفية تعاطي ساسة الخضراء مع الحدث من جهة، والوقوف على أمراض السلطة المزمنة وكيفية نشوئها والطريقة التي تنتشر العدوى من خلالها، وما هو معيار الوطنية لدى السياسي العراقي من جهة أخرى.

نرجسية فارغة

لم تبقَ محطة فضائية إلّا وقد حلّ ضيفًا عليها عزّت الشاهبندر. ليس هذا فحسب، فإذا أردت أن تعرف سرًا مستترًا داخل الغرف المظلمة، فما عليك سوى استفزاز هذا الرجل ليظهر لك ما كان مخفيًا. في أحد ظهوراته التلفزيونية، والمحببة إلى نفسه، يتقمّص  الشاهبندر دور الرجل الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، ليعلن أن المالكي، كلما تعرّضت العاصمة إلى عمل إرهابي، يرسل" أولاد الشوارع" إلى أطراف بغداد السنية ليزج المزيد من الناس في السجون.

لم تعد السلطة في العراق قادرة على إقناع الناس، فضلًا عن نفسها، بخطابها البائس والمثير للشفقة

 وبالطبع لم يكن الشاهبندر في حينها محظيًّا من قبل المالكي، على الرغم من أنه يعتقد بنفسه أشياء أخرى، كأن يكون رجل الكواليس أو صانع القرارات "الحكيم"، ومؤكد لا أحد منّا إن لم يعتقد بنفسه مهمًا، ومن حق الرجل أن يعتقد بذلك طالما هذا التعويض يصب في مصلحتنا ليمطرنا بوابل من التصريحات المهمّة! غير أن الرجل لم يكن يومًا فارسًا لأي من هذه الأحلام، مع شديد الأسف، فتبقى الفضائيات شغله المحبب، حتّى يعوض هذه الخسارات بشيء من الهدوء والوقار المصطنع. لكن إيَاك واستفزاز نرجسية الشاهبندر الفارغة؛ فسيفاجئك بنزعة طفولية صادمة، وسيبوح بأسرارك إن لم تكافئه بقضمة بسيطة من الكعكة، على الأقل أشعره بأهميّته، وأن السلطة ستبقى عرجاء حولاء من دونه.

صحاف الخضراء

كثيرًا ما تستهوي اللواء الركن عبد الكريم خلف لعبة "رجل المهمات الصعبة" و"المحلل العميق". ومن يتتبع تصريحات الرجل، قبل أن يقود حملة التضليل والأكاذيب بحق انتفاضة تشرين وشبابها وأحداثها، سيجد هذه التصريحات تنطلق من هموم "وطنية".

اقرأ/ي أيضًا: نسخ "كاربونية" متكررة.. عبد المهدي يستعيد الصحاف في مواجهة المتظاهرين!

بعد أن تم الاستغناء عن خدماته، تحوّل الرجل إلى" ثائر" و"ناقد"، وحريص للمحافظة على زخم التظاهرات السابقة. لقد طالب، في حينها، المجتمع الدولي بحماية المتظاهرين، وقد أطلق خلف في يوم ذاك هاشتاغ "#بغداد-يللا- ثوري" ويقول بالحرف الواحد: "مرحبًا أيّها العالم، هناك شعب يقوم بثورة الآن، في مدن وشوارع العراق!.. يتعرّض لحملة تعتيم إعلامية عن طريق قطع خدمة الإنترنت خوفًا من ردة فعل العالم تجاه أساليب العنف والقمع". لقد كان هذا الرجل متحمّسًا للدخول إلى المنطقة الخضراء في التظاهرات السابقة. وليس عسيرًا فهم المغزى من هذا الاندفاع "الثوري"، بعد أن نعلم أنه كان مُهمّشًا وفي خانة الاستغناء بسبب إحالته على التقاعد!

لكن الرجل كما لو أنه لم يستفق من صدمة الكرم، الذي أضفاه عليه رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، لمنصبه الجديد كناطق رسميّ للقائد العام للقوات المسلحة، بعد أن كان مرميًا في زاوية النسيان. إن هذا الذهول أفقد حياد الرجل وهدوءه المصطنع، وأدواره التي كان يحبّها كثيرًا، وهي لعبة "المحلل الخطير"، فيتحول إلى "دجّال" و"مشعوذ". وقد كان رد الشباب من قبيل اختيار اللفظ المناسب للمعنى، فاختاروا له اسم الصحاف، ليكون اسمًا على مسمّى! غير أن الصحّاف لم يكن متقلبًا على الإطلاق، فقد ظل وفيًا لنظامه القمعي حتى آخر رمق، بينما صاحبنا اختار التقلّب يمينًا ويسارًا، انتقامًا من السلطة التي أهملته في حين، ودفاعًا عن السلطة التي أرجعته في حين آخر. إن من يتابع تصريحات خلف سيصاب بالذهول عن القوة السحرية للسلطة وماذا تفعل بالرجال وبعقولهم.

زفرة المالكي الأخيرة!

يتمنّى المالكي لو أن الدنيا ليست هذه الدنيا والديمقراطيات الحالية ليست بهذا "البخل" و"الإجحاف" فتجود عليه بولاية رابعة وخامسة وسادسة وهلّم جرًّا. ليس هذا فحسب، فلا نستغرب فيما لو وجدنا المالكي "زعلان" على الديمقراطية لأنها لا تبيح مثل هذا الاستثناء. لكن وبما أن الأمور لا تجري طبقًا لاشتهاء حزب الدعوة وبالأخص رجال دولة القانون وتعطشهم الرهيب للسلطة، وبما أن جيش المدراء العامين لم يعد يداعب غرورهم الفارغ، وتدفعهم همومهم "الوطنية" صوب الانتقام من خصومهم "سائرون"، فما عليهم سوى المشاركة في لعبة الضحك على الذقون التي تجري في كواليس الخضراء في هذه الأيام العصيبة عليهم. وهذه المرة اقتنع المالكي وبطانته ببعض الألاعيب المَلَكَية؛ إذ تم ترشيح المقرّب من المالكي محمد شياع السوداني، على أثر استقالة عادل عبد المهدي، ليحل رئيسًا للوزراء، وبذلك تكتمل النكتة، ويرجع "مختار العصر" مرّة أخرى، عن طريق رجله المقرّب ملِكًا حتى لو كان بالخفاء. ونحن لا ندري إن كانت هذه الزمرة، التي تختبئ خلف جدران الخضراء، تعرف مزاج العراقيين ومراسهم الصعب، فيما لو حاول أحدهم أن يتذاكى عليهم.

 لقد ضحك العراقيون على صدام حسين يوم قال إنه لا يمتلك سوى ما يلبسه، أو إنه أضاع حصته التموينية، وقد أطلق العراقيون يومها نكاتهم المحببة رغم قسوة النظام وجبروته. ويحاول اليوم "أذكياء" الخضراء إعادة ذات السيناريو سيئ الصيت، مرّة على هيئة الصحاف، وأخرى تقليدًا لأكاذيب صدام حسين وتخريفاته المملّة. وإلا ماذا يعني ترشيح رئيس وزراء مقرب من المالكي. هل حقًا وصلت الأمور بهذه التفاهة والتسطيح والاستهانة، بل إهانة ذكاء العراقيين من خلال اختيار محمد شياع السوداني المقرب من المالكي! وهل يعقل أن محمد شياع السوداني يستعيد نكات مماثلة وتثير الضحك والاستغراب، حينما صرّح باستقالته من حزب الدعوة؟ هؤلاء الساسة فقدوا عقلوهم كما يبدو وكأنهم في بلد غير العراق.

هذه السلطة فاقدة الصلة بالواقع وبالجماهير، ذلك أنها لو كانت تتحلّى بجزء يسير من الحس السليم لاستفاقت من الأكاذيب التي لا تقنع حتى الأطفال

 من المعلوم أن كل المؤشرات تدلنا بوضوح أن هذه السلطة فاقدة الصلة بالواقع وبالجماهير، ذلك أنها لو كانت تتحلّى بجزء يسير من الحس السليم لاستفاقت من هذه الأكاذيب التي لا تقنع حتى الأطفال. المشكلة ليست بترشيح محمد شياع السوداني، فقد ذكرت في مقالة سابقة، أنه ليس بالضرورة أن تكون حر الإرادة حتى لو كنت رئيسًا للسلطة التنفيذية، فهذا موضوع معلوم للعراقيين ماعدا جماعة الخضراء! المشكلة هي في هذه النماذج الثلاثة المذكورة في المقالة، التي تبين لنا وبوضوح ماذا يجري في العراق من مسرحية كادرها التمثيلي (الذي لم يصل لمستوى الكومبارس) بمنتهى التفاهة والتسطيح، وجمهورها واسع الحيلة والذكاء، وإلّا هل يصعب على الجمهور العراقي تفكيك الألغاز التافهة لمسرحية الخضراء؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حراك اللحظات الأخيرة.. السوداني يستقيل من الدعوة بحثًا عن رئاسة الحكومة

اختيار رئيس الوزراء.. تسويف المطالب بـ"ذريعة" المدة الدستورية