12-مايو-2019

أثار بيان مجلس مكافحة الفساد جدلًا واسعًا على فيسبوك (Getty)

تلقى المجلس الأعلى لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، سيلًا من الانتقادات مع اتهامات بـ "الانحراف" عن هدفه الذي شكل لأجله وهو محاسبة الفاسدين، إلى "الدفاع عنهم"، بعد أن توعد المجلس "مُطلقي اتهامات الفساد" ضد مسؤولين حكوميين في وسائل الإعلام، بـ "إجراءات قانونية" ما لم يقدموا الأدلة على مثل هذه الاتهامات إلى المجلس خلال أسبوعين.

لقي مجلس مكافحة الفساد انتقادات واتهامات بعد مطالبته من يطلق اتهامات الفساد ضد مسؤولين بتقديم أدلة خلال أسبوعين أو مواجهة إجراءات قانونية

القرار، جاء على خلفية تراشق باتهامات فساد بملايين الدولارات، بين النائب في البرلمان السابق مشعان الجبوري ووزير التجارة السابق وكالة سلمان الجميلي، ووكيل وزير المالية الحالي ماهر جوهان من جانب، والنائب والقيادي في تحالف المحور الوطني علي الصجري من جانب آخر، وهم بمجملهم، تلاحقهم اتهامات بالفساد معززة بالوثائق كما يدعي كل طرف فيهم.

اقرأ/ي أيضًا: تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد بعد تصنيف العراق بين أكثر 13 دولة فاسدة

صحفيون ومدنون رأوا في قرار مجلس مكافحة الفساد "تضييقًا" على "منتقدي الفساد"، الذين لا يسعهم سوى الكتابة في مواقع التواصل أو الحديث عنه في وسائل الإعلام، مع "عجز" مؤسسات حكومية وهيئات مهمتها محاسبة الفاسدين ومتابعة ملفاتهم كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين في وزارات الدولة، والبرلمان كونه جهة رقابية أيضًا، عن الإطاحة ولو بمسؤول واحد على الأقل "من كبار الفاسدين".

تقدر الأموال العامة المسروقة أو "المفقودة" من موازنات البلاد بين عامي 2004 - 2014، وفق احصائيات وتقارير متعددة، بـ 361 مليار دولار على أقل التقديرات، فيما فشلت مساعي البحث عنها من قبل الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي عبر استقدام محققين دوليين، فيما احتل العراق المراتب الأولى في قوائم منظمة الشفافية العالمية للدول الأكثر فسادًا في العالم، خلال السنوات السابقة. وجاء في احصائية العام الجاري، بالمرتبة السادسة عربيًا والثالثة عشرة عالميًا بين تلك الدول.

جاء القرار على خلفية تراشق بتهم الفساد بين نواب ومسؤولين سابقين وحاليين تتعلق بالمليارات وأثار تساؤلات حول ما قدمه مجلس مكافحة الفساد حتى الآن

آخرون تساءلوا، في مواقع التواصل الاجتماعي، عن دور المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في محاربته، إذا كان يطلب من الناس العاديين تقديم أدلة على "فساد الساسة والمسؤولين، خاصة اذا كانوا يتبعون أساليب ملتوية أدت إلى تضخم ثرواتهم الشخصية والعائلية أو تناميها. وفي الأخيرة ما يمكن أن يكون مبررًا لاتهامهم بالفساد"، فضلًا عن دوره في متابعة ملفات فساد "معززة بوثائق" مركونة على رفوف هيئة النزاهة، بحسب نواب في البرلمان، دون النظر فيها أو تقديمها للقضاء "كونها مرتبطة بشخصيات سياسية نافذة".

واستنتج هؤلاء، أن "المجلس يحاول تعويض عجزه عن محاسبة الفاسدين الكبار والإطاحة بهم، في تحقيق إنجازات على حساب الفقراء الذين يعبرون عن غضبهم في مواقع التواصل من تفشي الفساد، الذي دفع الآلاف منهم للتظاهر، خلال السنوات السابقة، احتجاجًا على ذلك".

يأتي هذا، بعد فترة قصيرة من احتدام الجدل بشأن سعي البرلمان لتشريع قانون "جرائم المعلوماتية" الذي عدت منظمة العفو الدولية (أمنستي) اقراره بمثابة "صفعة قاسية لحرية التعبير في العراق"، قبل أن توقفه حدة الانتقادات، حيث أكد نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي، الأسبوع الماضي، أن "القانون لن يمرر دون التوافق عليه مع نقابة الصحفيين والجهات المعنية".

ولا تنجو بيانات مجلس مكافحة الفساد أو صور جلساته التي ينشرها المكتب الإعلامي لرئيسه عادل عبد المهدي على فيسبوك من التعليقات الساخرة أو المشككة، فأصحابها يصفون هذه الجلسات والبيانات بأنها "ضحك على الذقون"، مستندين في ذلك إلى "عدم اتخاذ أي إجراءات فعلية على الأرض حتى الآن"، حتى وإن كان المجلس حديث التشكّل.

ومع إصرار عبد المهدي على أهمية "التنظير" بشأن الفساد ووضع آليات تحدده بشكل دقيق و"تسهل متابعته" يرى منتقدوه أن هذا الأمر "مضيعة للوقت"، فالفاسدون معروفون، بحسب تعليقاتهم في مواقع التواصل، والملفات التي تدينهم موجودة وينقصها اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المتورطين فيها فقط، فيما يشير غيرهم إلى قانون "من أين لك هذا" بوصفه "أكثر" القوانين فاعلية في هذا الشأن، واعتماده في عدة دول.

أهم هذه الملفات، بحسب رئيس هيئة النزاهة الراحل عزت توفيق جعفر، هي "الاستثمارات، تهريب النفط، العقارات، السجون، المشاريع المتلكئة في عموم العراق، المنافذ الحدودية، وملف الضرائب".

قال جعفر في مقابلة صحفية أجريت معه، في 27 كانون الثاني/ يناير 2019، أن هيئته ستعلن نتائج التحقيقات الخاصة ببعض هذه الملفات في شهر آذار/ مارس من العام نفسه، لكن هذا الشهر لم ينقضِ حتى توفي الأخير بحادث سير "غامض" في دهوك، يؤكد نواب وأعضاء بمجلس مكافحة الفساد أنه كان "متعمًدا، وله علاقة بالملفات التي تحدث عنها".

اقرأ/ي أيضًا: 90 يومًا قاسية على "الفاسدين".. "أبو الأريل" أولًا!

ومع بداية تشكيله من قبل رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، عد نوابٌ أن "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد حلقة زائدة ستكلف الدولة أعباء مالية إضافية دون تقديم منجز، حاله حال مؤسسات حكومية أخرى موجودة للغرض ذاته"، في حين تنقل وسائل إعلام تسريبات عمن تصفهم بـ"مسؤولين رفيعي المستوى، أو مصادر مطلعة" قولهم إن "أكثر من 70 ملف فساد طُرح على طاولة المجلس، بعضها شائك لارتباطه بشخصيات وأحزاب متنفذة".

قبل ذلك، شاب عملية تشكيل حكومة عبد المهدي ذاتها اتهامات ببيع مناصب و"تولية" بعض وزرائها شخصيات مقربة منها مناصب متقدمة "دون حاجة لها". ومن هؤلاء وزير الكهرباء لؤي الخطيب الذي تقول عضو مجلس النواب عالية نصيف إن "تعييناته تتم بناءً على صلة القرابة والمحسوبية"، متهمة إياه بـ"تعيين ابن خالته (أحمد طالب الحبوبي) مديرًا عامًا لتوزيع كهرباء بغداد، رغم أنه لم يعمل مدير قسم في الوزارة سابقًا".

صحفيون ومدونون رأوا في قرار المجلس "تضييقًا" على "منتقدي الفساد" الذين لا يسعهم سوى الكتابة في مواقع التواصل أو الحديث عنه في وسائل الإعلام

كان النائب السابق مشعان الجبوري، الذي أقر في مقابلة متلفزة، بتلقيه رشوة قيمتها مليون دولار مقابل اغلاق ملف معين، خلال فترة عضويته النيابية، قال في تغريدة على تويتر في 22 كانون الأول/ديسمبر 2018، إن "عادل عبد المهدي وبخ وزيرًا، خلال جلسة لمجلس الوزراء، فاوض على بيع منصب مدير عام في وزارته لشخص مقابل مبلغ مالي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

20 قصة فساد.. كيف ضاعت 500 مليار دولار في العراق؟

56 إدانة لوزراء ومسؤولين بالفساد في 2018.. ومشاريع متلكئة بقيمة 30 مليار دولار