11-مايو-2019

لم يسلط الضوء على جرائم المالكي بالشكل الكافي (Getty)

يبدو أن الحديث عن جرائم نوري المالكي يفتح سجلًا قد لا يغلق. أليس هو الذي قال:"أنا لست طائفيًا، لأنني ضربت المكون الشيعي مثلما ضربت المكون السني". تصريح شهير لنوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، يبين فيه "اعتداله" بتساوي كفتي ميزان القتل عنده، فلا طرق له للاعتدال ونفي الطائفية عنده غير القتل وافتعال الأزمات، على الرغم من أنه أراد بذلك احتكار تمثيل الطائفة الشيعية وفرض النظام الطائفي الأكثري على العراق بالقوة، راضيًا بوجود سياسيين سنة على أن يسلموا بهذا النظام. بحسب ما يقول المفكر عزمي بشارة في كتابه الطوئف المتخيلة.

ارتكب المالكي جرائم كثيرة وتسبب بأخرى منها سبايكر والصقلاوية وانتهاك التظاهرات وتغييب الناشطين وسقوط الموصل وغيرها، لكن بعض الجرائم لم تشهد تسليط ضوء عليها

ولنترك جريمة سبايكر، الصقلاوية، البراميل المتفجرة، انتهاك التظاهرات، تغييب الناشطين، وجريمة سقوط الموصل وما آلت إليه. لنترك كل ذلك فالرجل سجله عامر بالجرائم، حين حول المؤسسة الأمنية إلى أداة طائفية يصفي فيها خصومه، وحكم لمدة ثمان سنوات كادت أن تؤدي إلى حربٍ أهلية، فالرجل لا يعيش إلا على افتعال الأزمات والفتن التي لا يسدها إلا دماء الأبرياء، ولو انتهت كل الأزمات التي هو أساسها لقام بشطر نفسه إلى نصفين، وافتعل أزمة مع نصفه الآخر.

اقرأ/ي أيضًا: أشباح تلاحق المالكي

في هذا المقال اخترنا المرور سريعًا على أربعة من جرائم نوري المالكي التي ارتكبت تحت ظل حكومته، وبعلمه وبايعاز منه، بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، والتي لم يسلط الإعلام الضوء الكافي عليها، ربما لخصوصية المرحلة التي حصلت فيها.

1) جريمة سوق الشيوخ

حدثت جريمة "سوق الشيوخ" بتأريخ 19 نيسان/أبريل 2008، في مدينة الناصرية، حيث قام الجيش باعتقال مجموعة يفوق عددهم 34  شخصًا من المنتمين إلى التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر، وقاموا بضربهم والتمثيل بجثثهم وأخيرًا حرقهم علنًا وأمام الناس، ووضع جثثهم على مقدمات العربات العسكرية والطواف بها، في أرجاء المدينة.

لم تلق الجريمة أي تعليق او استنكار من جهات دينية أو سياسية، باستثناء بيان أصدره مقتدى الصدر، أعلن فيه الحداد لمدة 3 أيام، و"البراءة" من الفاعلين، ورفع دعوى قضائية ضدهم، فيما طلب من البرلمان استنكار مثل هذه الأفعال التي تكون تحت غطاء حكومي دون وضع حلول لها.

بيان الصدر حول حادثة سوق الشيوخ

طافت العربات العسكرية بجثث العشرات بعد حرقها في سوق الشيوخ بالناصرية عام 2008

صورة من المجزرة

2) "آيات ورقية"!

بتأريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2007. قام الفوج الثالث بقيادة الرائد (علي) الذي تربطه صلة قرابة مع نوري المالكي، بحملة مداهمات تستهدف عناصر من "جيش المهدي" الجناح المسلح للتيار الصدري، وحينما دخلوا على أحد البيوت، ولم يعثروا على الشخص المطلوب ولا على السلاح الذي يبحثون عنه، حيث كان رب الاسرة بالعمل، صبوا جام غضبهم على عائلته، حيث تم تهشيم فم زوجته بأخمص البندقية، وإطلاق الرصاص على الطفلة (آيات) والتي تبلغ من العمر 6 سنوات، فاخترقت الرصاصة عينها اليمنى واقتلع غطاء جمجمتها، وفارقت الحياة على الفور، والطفلة (مريم) والتي تبلغ من العمر 3 سنوات حيث ذبحتها الرصاصة من الوريد إلى الوريد.

وأطلق بعض أهالي كربلاء على الرائد علي لقب "حرملة العصر" في إشارة الى شخصية "حرملة بن كاهل الأسدي" الذي قام بذبح رضيع الحسين في كربلاء سنة 61هــــ، وفق رويات تسرد مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. لم تتم محاسبة الرائد المتهم وفوجه، بل تم تكريمه وترفيعه في العام ذاته وانتخب كـ "أفضل شخصية" لسنة 2007 في مدينة كربلاء.

قتلت القوات الحكومية طفلتين بعد الاعتداء على والدتهما بالضرب بقيادة ضابط على صلة بالمالكي عام 2007

صورة لأيات ومريم وأمهما قبل وبعد الجريمة

3) مجزرة "الزركة"!

وقعت مجزرة "الزركة" بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير 2007، حين هاجمت القوات الحكومية وبإسناد من الطيران الأمريكي قرية "الزركة" في مدينة النجف، حيث خلف الهجوم أكثر من 300 قتيل بينهم نساء وأطفال، ودفن أغلبهم تحت أنقاض بيوتهم.

اقرأ/ي أيضًا: منشور على فيسبوك يلاحق المالكي منذ 5 سنوات

كان معظم القتلى من عشيرتي "الحواتمة" و "الخزعل" أثناء مسيرهم إلى كربلاء، واتهمت حكومة المالكي الضحايا بأنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة، لكنها عدلت عن هذا الاتهام،  واتهمتهم بتشكيل جماعة "جند السماء" الجماعة التي يدعي زعيمها المهدوية، مما دفع أهالي القرية إلى التظاهر لتفنيد هذه التهمة، حيث قال أحد شيوخ العشائر لأحدى القنوات التلفزيونية: "إن كل ما نسب إليهم كذب وافتراء، وقتل أبناؤنا عمدًا وهم عزل".

صور لبعض ضحايا مجزرة الزركة 

ارتكبت القوات الحكومية "مجزرة الزركة" في كربلاء راح ضحيتها أكثر من 300 شخص بإسناد من الطيران الأمريكي

شكلت حكومة المالكي آنذاك، لجنة للتحقيق بمجزرة "الزركة" لكنها لم تخرج بنتائج كالعادة لتطوى هذه الإبادة البشرية طي النسيان.

4) "مجزرة كربلاء"!

حصلت "مجزرة كربلاء" في  2 تموز/يوليو 2014، وراح ضحيتها أكثر من 20 شخصًا بينهم اطفال من أتباع المرجع الديني محمود الحسني الصرخي، على يد القوات الحكومية، إثر انتقاد الصرخي فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، داعيًا إلى التطوع للقتال ضد تنظيم "داعش"، بعد الانهيار العسكري وسقوط مدينة الموصل.

قال الصرخي حينها، إن "هذه الفتوى ستشرعن الطائفية ولها أثار خطيرة على مستقبل العراق"، متقدًا أداء حكومة المالكي، ودعا في الوقت نفسه إلى حل الأمور بالطرق السلمية مع المتظاهرين في المدن السنية، والكف عن قصفها، وتبني دعواتهم لإسقاط حكومة المالكي في عامي 2013 - 2014.

كما أن الصرخي طرح في وقتها مشروع المرجعية العربية، وكأنه يريد بهذا النأي أن يعلن براءته من وجود صلة بين إيران وبين التشيع العراقي العربي. وفي آخر لقاء للصرخي مع صحيفة الوطن المصرية في شباط/ فبراير 2015، أكد "عدم يوجد خطاب ديني مذهبي شيعي عراقي، فالخطاب الديني في العراق هو خطاب إيراني خالص وبامتياز لا علاقة له بالمذهب الشيعي إلا بالمقدار الذي يخدم فيه سياسة السلطة الإيرانية الحاكمة وأمنها القومي التسلطي".

وقعت المجزرة الأخيرة في كربلاء أيضًا واستهدفت أتباع المرجع الصرخي بعد انتقاده حكومة المالكي وفتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الأعلى علي السيستاني

اتهم الصرخي قبل الهجوم بعدة اتهامات من بينها، الفتوى بمحاربة قوات الجيش والشرطة ونية احتلال العتبة الحسينية، وهو ما كذبه الصرخي ببيان حمل عنوان "العتبة الحسينية بين احتلال وافتراء"، جاء فيه: "إن تلك الشائعات هي محض كذب وإفك وافتراء". فيما وصف القاضي رحيم العكَيلي "مجزرة كربلاء" بـ "المجزرة الكبيرة، التي يشيب منها الولدان، وهي من أبشع جرائم نوري المالكي".