إنْ تكنْ جيوشٌ تكنْ الموازينُ مترفةً ومنسيةً كحدائق أنضجها القحطُ على مَهلٍ،
والحكمةُ ـ هـذه الكنوزُ السوداءُ فـي فمِ الذئب ـ تلجئُكَ إلى قرينٍ حيٍّ يرفعُ حديدَه الصدئَ عاليًا
تحيّةً للعدم.
إن تكنْ الحربُ
تكنْ بغدادُ تنقّرُ جثّةَ بابل، أو بالعكس:
زقورةٌ تتهدّمُ في كتاب "أبي مخنف"،
فردوسٌ كالطعناتِ المرحةِ في أحشاءِ النائمِ
عادلًا يضحكُ على العراق،
عادلًا يضحكُ على صبيانٍ ممتحنينَ بشرطيّ سكران
أختامُه المزوّرةُ في معطفه،
ويداه مغلولتانِ على دراهمَ مسكوكةٍ من لهاثٍ وزمهريرٍ.
ويا للنياشينِ المشعّةِ على صدرهِ المنكوب،
يا لقبّعة الريشِ، مثقوبةً تتداركُ الصاعقةَ برأسٍ مبتور،
يا لأنواطِ شجاعتهِ تتدلّى كمفاتيحِ الصيرفيّ،
كالذبائحِ التي تقلّبها الشمسُ: نعمْ نعمْ ولا لا،
ويا للركلةِ المطبوعةِ على وجهه ـ وجه الملاك ـ
يا للطائراتِ الكسولةِ ترمي نردَها في الصحراءِ
فتأكلنا النعمةُ ونتعافى.
تأكلنا النعمةُ لأنّ وجوهنا تتفسّخُ من طعنةِ الفزعِ التي تشفيْ،
ونتعافى لأن أحشاءنا أُترعتْ بسمومِ "المارينز"،
تأكلنا النعمةُ ونتعافى لأنّ كلبًا أجربَ حكَّ جلدَه بأعمارنا واختفى.
إنْ تكنْ الحربُ يكنْ أخونا البابليُّ قاعدًا في الظلِّ يحلُّ الضماداتِ عن قلبهِ، ويلهو بطنينِ الذبابِ، بالقياماتِ المدفونةِ هنا وهناك، بالأبديةِ المرتجلَة، بشكيمةِ أنثى تغسلُ ثيابَ غوغاءٍ يسهرونَ على أكياسِ الطحينِ.
إن تكنْ الحقيقةُ مترَعةً بالدماءِ الثلاثة ـ دماءِ الحيضِ والاستحاضةِ والنُفاسِ ـ يكنْ اليقينُ باردًا كالنارِ المرسومةِ في بيتِ النساءِ، كالفقيرِ الباكيْ على نجمةِ الصباحِ، كالأصنامِ الصغيرةِ في لفظةِ اللهِ، أو كالذي يُقالُ له: من أنتَ؟ فترتجفُ يداه من الحمّى.
مَنْ أنتَ؟
أخي أيها المنتصبُ على الفردوسِ بفداحةِ الفجرِ التالفِ وصريرِ الأسنان،
يا مَنْ يمزّقُ دفاتر الإخباريينَ بحثًا عن كُنيةٍ تليقُ ببياضِ أكتافهِ،
شمسُ ماءٍ تفجّرتْ في ثيابِكَ؟
أمْ هي الحربُ، وأعداؤك أطفالٌ يقايضونك بزئيرِ الذهبِ، بالنبوءاتِ الرخيمةِ كقواربَ مربوطةٍ إلى أكوامِ الكتبِ؟
أعداؤك ـ أخوتك طهاةُ الأيامِ يلتمسونَ الأبوابَ إلى قلاقلَ يائسةٍ تنعشُ الأنثى التي فيكَ، الأنثى التي ترتجُّ في أحشائك، الأنثى التي هي أنتَ لولا براهينُها وشكُّكَ، لولا القرائنُ التامّةُ للغيبِ المدوَّنِ بالركلاتِ.
ألهذا
ـ أخي أيها المشرف على أقنعة الغد وخرائبه ـ
تقفز من عاصفة لا تعرفُك إلى عاصفةٍ لا تعرفها؟
ألهذا تحلّ الضماداتِ عن قلبكَ،
ومعك الربيعُ الأخرسُ يربّتُ بيديهِ على حديدك الذي لن ينجوَ منه أحد؟
ألهذا بغدادُك تنقّر جثةََ بابلك
أو….. بالعكس:
بابلك مقفلةٌ
ومفتاحها في فمك.
اقرأ/ي أيضًا: