08-مايو-2017

عناصر قبلية مسلحة في سيناء (اتحاد قبائل سيناء)

تعقد المشهد في سيناء تعقدًا لا يُنذر بخير، والكل بات يتحدث عن تكرار لنموذج الصحوات العراقية في سيناء، بخاصة بعد تكوين ما بات يُعرف باسم "جيش قبيلة الترابين"، وهو من أكثر النماذج المقلقة التي يمكن تقريب المشهد الحالي في سيناء لها، فما هي صحوات العراق؟ وكيف يمكن لجيش الترابين أن يكون نسخة من الصحوات العراقية؟ أو بدايةً لتشكل ذلك، وما هي العواقب المترتبة على استنساخ هذا النموذج في سيناء؟

ولكي نستطيع عقد تلك المقارنة، علينا أن نفهم الملابسات والظروف التي أدت إلى ظهور جيش الصحوات في العراق، والمشكلات الاجتماعية والأمنية التي خلقها وجوده على الأرض.

الصحوات العراقية.. ذراع أمريكا في العمق العراقي

بعد الفشل الكبير الذي مُنيت به القوات الأمريكية في معركة الفلوجة عام 2004، بدت العراق بالنسبة للجيش الأمريكي متاهة كبيرة لجيش نظامي جرار كالجيش الأمريكي الذي استعرض قوته بالفسفور الأبيض المحرم دوليًا دون جدوى. لتتحول استراتيجية الجيش الأمريكي نحو صناعة جيش محلي، لقتال تنظيم القاعدة، وهو ما عرف بجيش الصحوات العراقية، الذي استطاع بالفعل إحراز تقدم فيما يخص القضاء على "مناطق التمرد" في الفلوجة والرمادي.

من أبرز نتائج معركة الفلوجة، تأسيس الجيش الأمريكي لما يعرف بالصحوات العراقية، لتخوض المعركة بدلًا عنه

أهم ما تعلمه الجيش الأمريكي في الفلوجة، هو أنه ليس بالضرورة أن يدير هو الصراع بنفسه، وإنما بخلق ذراع عسكري محلي يعمل بشكل غير مباشر على تمويله وعمله، ليخوض المعركة لحسابه، لذا اقترح البنتاغون في إحدى توصياته أن يتم تأسيس جيش من رجال القبائل، يكون على دراية بكل ما خفي عن عيون الجيش الأمريكي، ونقله بالتفصيل إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية. وقد كان تأسيس جيش الصحوات، وسموا أنفسهم بـ"أبناء العراق"، وتدربوا على عمليات الاغتيال والاختطاف، إلى جانب الاشتباك وحرب العصابات. 

كان ما يشغل بال الأمريكان هو إضعاف المقاومة الرهيبة التي رأوها في معركة الفلوجة، فكان يتوجب خرق القاعدة الأولى للفوز بأي قتال، ألا وهي "اعرف عدوك"، فغيّروا الخطة لتكون إيران هي العدو بدلًا من أمريكا التي تحتل الأرض بالفعل.

اقرأ أيضًا: هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟

كانت الخطورة الأساسية من تضخيم إيران كعدو لا تهدف فقط إلى تحويل مسار المعارك وتشتيتها، بل أيضا إلى اللعب الخفي على وتر "المذهب العقدي"، حيث إن جيش الصحوات أغلبيته الساحقة من السنة، وهو ما بدا جليًا بعد تفجير المراقد الشيعية في السامراء عام 2006.

وبالجملة، احترفت مجموعات الصحوات القتل والاختطاف على الهوية، بإشراف أمريكي. من ناحية أخرى كان لحكومة المالكي وأجهزتها الإعلامية دور في التنسيق مع الرؤية الأمريكية لإدارة الأوضاع في العراق، فعملت على تضخيم الخطر الإيراني كتمهيد لمشروع الصحوات في البلاد.

وأخطر ما قامت به قوات الصحوات في العراق، كانت التسريبات المفصلة لكافة المعلومات التي تخص رجال المقاومة العراقية وعائلاتهم، ما أدى إلى اغتيال العديد منهم و تفجير بيوتهم. وفي النهاية تخلى الأمريكيون عن الصحوات بانتهاء دورها الذي تم أنشئت من أجله، وأصبحت بعدها واقعة بين احتقار المجتمع لهم من جهة وازدراء العدو الذي استخدمهم من جهة أخرى. 

عناصر من ميليشيا الصحوات العراقية (أرشيفية/ محمود صالح/ أ.ف.ب)
عناصر من ميليشيا الصحوات العراقية (محمود صالح/ أ.ف.ب)

على مستوى آخر و بعد رحيل القوات الأمريكية عن العراق، عارض رئيس الوزراء نوري المالكي وقتها، دمج الصحوات في الجيش العراقي، بينما اعتبر الائتلاف العراقي -وهو ائتلاف سياسي يضم كتلة من الأحزاب الشيعية- جيش الصحوات مجموعة إجرامية خارجة على القانون.

جيش الترابين.. سيناء كمعركة مفتوحة

قبل أن نتناول موضوع "جيش قبيلة الترابين"، كان لزامًا أن نعرج سريعًا على الأحداث التي أدت إلى تفاقم الوضع في سيناء، وتعقده إلى الحد الذي نشهده اليوم، ويمكن اعتبار بداية التعقيد الحقيقي للأوضاع ما جاء في محتوى التقرير الذي نشرته منظمة "هيومان رايتس مونيتور" عن ممارسات الجيش المصري في سيناء.

فقد استنكرت المنظمة العمليات العسكرية التي قام بها الجيش المصري في سيناء ضد المدنيين، فقد أودت تلك العمليات بحياة ألف وخمسمئة شخص على الأقل، ممن "قُتلوا خارج إطار القانون "، واعتقلت دون محاكمات 1300 شخص، وأخفتهم قسريًا دون معرفة مصيرهم. وبالجملة، تعددت الانتهاكات التي قام بها الجيش المصري في سيناء طوال الفترة الماضية.

التعقيدات التي حدثت في القاهرة بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، شكلت مناخًا جيدًا لصعود "جماعة أنصار بيت المقدس"، وذريعة لممارسة "انتقام ممنهج ضد الدولة"، ممثلا في أفراد الجيش المتواجدين هناك، فقتل التنظيم أكثر من 700 جندي من قوات الأمن المصرية. أما التحول الأهم على الصعيد التنظيمي فقد كان مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مقطع فيديو يعلن فيه مسؤليته عن هجوم "كرم القواديس"، ليصبح تنظيم "ولاية سيناء". 

اقرأ/ي أيضًا: سيناء...ذلك البؤس في الشمال

وعلى الرغم من كل هذه التعقيدات، ظلت القبائل السيناوية بمنأى عن الحرب الدائرة بين الجيش وبين "ولاية سيناء"، لكن قبيلة الترابين، بوصفها أحد أكبر وأهم القبائل في سيناء، كانت عرضة طوال الوقت لاستفزازت من جانب التنظيم، وكانت آخر هذه الاستفزازات بسبب اتهام قبيلة الترابين بالتعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية، بالاضافة إلى إعاقة نشاطها في تهريب السجائر، وهي تجارة قديمة يمارسها أهل القبيلة، ولكن التنظيم يحرم التدخين.

هذه المناوشات بدأت تصبح صراعًا جادًا حين أقدم التنظيم على اختطاف أحد أبناء قبيلة الترابين، لانخراطه في تجارة تهريب السجائر، ومن ثم استهدفت منزله بقذيفة. هذا بالإضافة إلى تفخيخ سيارة في منطقة البرث وسط جماعة من أهل قبيلة الترابين، لترد القبيلة بإحراق أحد أفراد التنظيم من الذين قبضت عليهم حيًا.

اقرأ/ي أيضًا: القبائل السيناوية.. عصيان مدني ضد الداخلية المصرية

التنسيق بين قبيلة الترابين والجيش المصري، يقتصر حتى الآن على الجانب الأمني، أما على الأرض فإن المعاناة مستمرة، حيث ينقطع الماء والكهرباء عن سيناء لليوم الثالث عشر على التوالي، مع انقطاع جزئي لخدمات الاتصال والإنترنت.

جيش الترابين والنظام المصري

وحرصت قبيلة الترابين، عبر متحدثها الرسمي، ومعها اتحاد قبائل سيناء، على التأكيد أن قتالها ضد تنظيم "ولاية سيناء" وفقط، وعرضت لذلك صورًا قالت إنها أوكار لعناصر التنظيم، ومطاردات بين جيشها وعناصر اُخرى للتنظيم.

وعلى كل حال، تعني فكرة حمل السلاح من قبل مدنيين داخل الدولة، وإن ساندهم الجيش النظامي في ذلك، غرس بذور العنف الأهلي والثقافة المليشيوية على الأرض بشكل واضح، وتزايد رغبة الناس في حمل السلاح، وما ينذر ذلك من انتشار الفوضى والعنف. 

صورة نشرتها صفحة اتحاد قبائل سيناء لعناصر مسلحة تابعة لها
صورة نشرتها صفحة اتحاد قبائل سيناء لعناصر مسلحة تابعة لها

لكن قبيلة الترابين رغم التنسيق الأمني، كان لديها وعي بأن النظام ليس صديقًا وفيًا، ففي معرض ردها على البيان الذي سربه التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت موجهة رسالتها للنظام: "كفوا عن ظلم أبنائنا والزج بهم في غياهب السجون دون أدنى حق أو مراجعة قانونية، فهذا نذير خطر وقنبلة موقوتة على وشك الانفجار".

والسؤال الذي يطرح نفسه، هو "هل المواجهات بين التنظيم وجيش الترابين في صالح القضاء على التنظيم فعلًا، أم أنه يعضد فكرة القدرة القتالية على التنظيم داخل سيناء، وبالتالي يمنح مساحة أكبر لاحتضان التنظيم الأم (داعش) للفرع السيناوي؟

رغم التنسيق الأمني بينهما، إلا أن جيش الترابين مدرك بأن النظام المصري ليس صديقًا وفيًا على كل حال

من ناحية اُخرى يذكي الجيش المصري نيران الحرب بين هذه القبائل، التي أصبحت تقف من بعضها البعض موقف القلق، بخاصة بعد ازدياد أعمال الخطف والقتل التي يمارسها التنظيم ضد أبنائها، وكذا القوات الأمنية المصرية، وهي ممارسات لا تتم دون مخبرين من هنا وهناك.

إذن ثمّة  ثلاثة أطراف في سيناء، شاركت في تعقيد المشهد الأخير، الأول هو الجيش المصري باستراتيجيته التي تثبت فشلًا كل يوم على أرض المعركة، وفي المحيط الاجتماعي لأهالي سيناء، والثاني تنظيم ولاية سيناء بكل ممارساته الغارقة في الدماء، والثالث التنظيم الأم "داعش" الذي لا يفتأ يقوي من شوكة فرعه في سيناء، بالمال والعتاد، وإذا صح إضافة رابع، فستكون القبائل التي انجرّت إلى الهوة، برفع السلاح، مثلما يحدث مع جيش الترابين، أيًا كان الغرض من وراء ذلك. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل قرأ السيسي "شخصية مصر"؟

العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري