09-يناير-2016

رجب طيب أردوغان (Getty)

ضمن منطق محبي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من السوريين طبعًا، فإنه يفعل كل ما يفعله للسوريين من منطلق إنساني بحت، فهو الوحيد الذي فتح لهم أبواب بلاده في حين أغلقها إخوتهم في العروبة من أمثال دول الخليج والعديد من الدول العربية. وضمن منطق محبي أردوغان، أو منحبكجيته، من السوريين طبعًا، فإنه هو القائد الرمز ليس لكونه زعيمًا إسلاميًا قل نظيره ولا يوجد مثله في العالم العربي، بل لأنه "عطوف كريم حنون".

نسي السوريون أو تناسوا أن الحكومات ليست مؤسسة خيرية، بل هي مصالح براغماتية لأرباب الحكم قبل أن تكون للشعوب

لكن أردوغان اليوم يغلق الحدود في وجه السوريين، نعم لقد انتهت صلاحية استخدامهم، فها هي سلطات مطار أتاتورك توقف نحو 100 سوري بسبب عدم حصولهم على تأشيرة الدخول إلى تركيا في اليوم الأول من تطبيق قرار الفيزا الجديد. هم نسوا وتناسوا أن الحكومات ليست مؤسسة خيرية، بل هي مصالح براغماتية لأرباب الحكم قبل أن تكون للشعوب، بمعنى أن الحكومات لا سيما في شرقنا الملعون بطغاته يمكن أن تتخذ أي قرار حتى لو كان على حساب الشعوب، خدمة للنظام الذي يتماهى شيئًا فشيئًا مع الوطن لحد ابتلاعه.

أحد الناشطين الفيس بوكيين رصد تحولات مواقف منحبكجية أردوغان حول قرار الحكومة التركية فرض الفيزا على السوريين بسخرية مؤلمة: المرحلة الأولى تكذيب الخبر، المرحلة الثانية تبرير الخبر، المرحلة الثالثة إبراز أهمية الخبر ومدى فائدته الغير منظورة للشعب السوري وللأمة الاسلامية.

أردوغان اليوم أجاد اللعبة السياسية في استثمار ورقة اللاجئين لصالحه، كما أجاد الرئيس السوري بشار الأسد سابقًا اللعب في استثمار ورقة اللاجئين العراقيين بعد الغزو الأمريكي للعراق، ومن قبلهم الفلسطينيين. بدا الرجل، الذي يصدر الجهاديين للعراق في باصات اشتهرت حينها بـ"باصات الجهاد" التي كانت تنطلق من دمشق وحلب في ذلك الوقت، رسولَ سلام، ومقاومًا صنديدًا ومناضلًا ضد المحتل، وأبًا حنونًا لرعايته مئات آلاف العراقيين الذين باتوا تحت رحمة العنف بين الجيش الأمريكي ومليشيات المتطرفين. 

استقبلت سوريا حوالي مليون لاجئ عراقي حينها في حين رفضت دول كثيرة استقبالهم، تمامًا كما فعل أردوغان، وفي المقابل فتح الحدود للمتطرفين الذين أسهموا في تدمير العراق وتخريبه بمشاركة الأمريكان. ذات الدور الوظيفي الذي لعبه الأسد في العراق ومع العراقيين، لعبه أردوغان وبتطابق يثير الدهشة حقًا، كأنهم مجرد ممثلين في دراما مأساوية تجري أحداثها على مسرح بلادهم، فها هو أردوغان الذي فتح حدوده لمئات آلاف السوريين الباحثين عن الآمان، يفتح أيضًا حدوده لآلاف الجهاديين الأجانب الذين ابتلعوا الجيش الحر الذي تشكل من ضباط منشقين عن الجيش السوري، قبل أن ينضموا تحت لواء داعش وأخواتها.

سوف يبقى السوريون ورقة ضغط يلوح بها أردوغان كلما تراخى الاتحاد الأوروبي عن الوفاء بوعوده لتركيا

وهكذا فإن أردوغان صاحب المقولة الشهيرة التي أطلقها قبل أن يتمادى النظام في العنف والتي تقول: "لن نسمح بحماة ثانية في سوريا"، وبعد أن أصبحت سوريا كلها حماة، يرفع يديه عن السوريين بعد أن حصد الهدايا والمزايا له ولشعبه على حساب السوريين من الاتحاد الأوربي، فها هي أبواب أوروبا ستفتح أمام الاتراك وبدون فيز، مقابل سجن السوريين في الأراضي التركية، أو لنقل مقابل إقامتهم الجبرية في تركيا وفي مخيماتها، كما سيحصل أردوغان على مساعدات بمليارات الدولارات كمساعدات، إضافة إلى المطلب التركي الأهم وهو اعادة احياء ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وللأسف! كمن يربي خروف العيد ويسمنه قبل ذبحه في العيد، كذلك فعل رجب أردوغان باللاجئين السوريين في بلاده، سمنهم فحصد المكاسب من أوروبا. القلق اليوم يشوب السوريين في الداخل، وقد أغلق في وجههم الملاذ الأخير لهم، الذي كان بمثابة طوق النجاة.

ولكن هذا لا يعني أن استثمار الرئيس التركي وحكومته في اللاجئين السوريين قد انتهى، أبدًا، فالسوريون سيبقون ورقة ضغط يلوح بها أردوغان كلما تراخى الاتحاد الأوروبي عن الوفاء بوعوده لتركيا، حتى تتحقق.

والسؤال الخال من الكولستيرول اليوم، إلى متى ستظل شعوب المنطقة تبحث عن زعيم يستعبدها، عن زعيم تنصبه ديكتاتورًا ليقمعها لا حاكمًا يخدمها، إلى متى سيظل الزعيم بين شعوب الشرق الحاكم/ الإله، هذه الشعوب التي يحمل ماضيها المغرق في القدم ميراث الشرق اللعين بـ"عبادة القائد" وتأليهه، لا بد أنها تحتاج إلى سنوات طويلة كي ينظروا إلى أن مهمة القائد هي خدمة المجتمع، وليست مهمة المجتمع هي خدمة الزعيم، وأن عليه أن يؤدي دوره ويرحل كما هو الحال في النظم السياسية الحديثة.

اقرأ/ي أيضًا:

اللاجئون السوريون يقودون أردوغان إلى النصر

مناوشات أردوغان