28-يناير-2020

مقتدى الصدر (Getty)

منذ عام 2015، بدأ السيد مقتدى الصدر، يُصدّر نفسه على أنه الزعيم الوطني البعيد عن الهويات الفرعية، وصار الإصلاح شعاره أينما حل، وهذا أدى فيما بعد إلى تحالفه مع الحزب الشيوعي، وبعض التيارات المدنية الأخرى، لينبثق تحالف سائرون، الذي حاز على المركز الأول في انتخابات عام 2018، وغيرها من التفاصيل لا أريد أن أدخل فيها لأن الكثير تكلم عنها.

حركة الصدر في التظاهر مع الفصائل ضد الوجود الأمريكي أضحت وسيلة لإنعاش النظام السياسي المحاصصاتي 

الغريب أنه وبعد حادثة اغتيال سليماني، والمهندس، غير بوصلته تمامًا، وراح يتحالف مع من كان يسميها "الميليشيات الوقحة"، والتي يعلم تمام العلم أنها ضد شعار الإصلاح الذي يرفعه، وكذلك أنها بالأساس ضد انتفاضة تشرين.

اقرأ/ي أيضًا: انتهاء تظاهرة الصدر.. "هدنة" مع الأمريكيين ووعيد من "الميليشيات"

ويمكن تعليل حركة الصدر هذه اتجاه هذه الفصائل، أنها احتوائية، وربما يهدف الصدر إلى سحبها إلى منطقة وسط تمتاز بعراقيتها، أي بمعنى، إبعاد هذه التيارات عن إيران قدر الإمكان، وربطها بهدف عراقي لا إيراني، وكذلك يمكن تفسيرها على أنها حركة قيادية، يسعى عبرها الصدر إلى أن يكون القائد السياسي الشيعي الأوحد، ولذلك أعلن عما اسماها "أفواج المقاومة الدولية"، ورحبت الفصائل الأخرى كعصائب أهل الحق، والخرساني، وبدر، وحزب الله العراقي، بهذه الدعوة، كما واجتمع مع بعض قياداتها في إيران. وكأن الصدر يحاول أن يملأ الفراغ الذي خلفه اغتيال سليماني، والمهندس، على اعتبار أن كلا الشخصيتين، كانتا تتحكمان بهذه الفصائل، وتضبطان حركتها.

والقارئ لبيانه الذي تم الإفصاح عنه في 24 كانون الثاني/يناير، سيتأكد من ذلك، وما يهدف إليه الصدر، حتى أنه قدم الوسائل الدبلوماسية، والسياسية، كأدوات مناسبة يرجى عبرها خروج القوات الأمريكية من العراق، وجعل من خيار المقاومة المسلحة كخيار أخير، ولا أظنه سيحدث، حتى أنه قال بالنص "إننا سنحاول بذل قصارى جهدنا لعدم زج العراق في أتون حرب أخرى مع المحتل الآثم".

وأكد في بيانه على ضرورة عدم جر العراق إلى الخلافات الإقليمية، والعمل على ضرورة المحافظة على مصالحه. والأهم أنه أكد على ضرورة دمج الحشد الشعبي في الجيش، والشرطة، وهذا يتعارض مع متبنيات الفصائل الأخرى الداعمة لبقاء الحشد، والتي توافق معها على مسألة خروج الأمريكان! وكأنها ضربة سياسية "تحت الحزام"، لهذه الفصائل، وبالتالي علل الكثير حركية الصدر هذه؛ على أنها براغماتية سياسية، صالحة ضمن شروط اللعبة السياسية.

ومع ذلك، حتى لو اتفقت رؤية الصدر مع هذه الفصائل، فيما يخص التواجد الأمريكي على الأراضي العراقية؛ فهذا غير مبرر البتة أن يجتمع معهم، وربما كان بإمكانه الدعوة لتظاهرة مليونية ضد الأمريكان من دون هؤلاء، الذين وجدوا في دعوة الصدر فرصة ثمينة، وحبل نجاة بعد أن حاصرتهم الجماهير الثائرة في جحورهم، بالتالي أن القضية لا تحتمل اللعب على وتائر السياسة، وكأن حركة الصدر أضحت وسيلة لإنعاش النظام السياسي المحاصصاتي المقيت.

في الوقت الذي تنتظر انتفاضة تشرين، نصرة الصدر لها، نجد أنه تبنى العكس، وهو الحزم مع منتفضي تشرين

وفي الوقت الذي تنتظر انتفاضة تشرين، نصرته لها، ووقوفه بحزم ضد سلطة الفساد، والقمع، والقتل، والتبعية، نجد أنه تبنى العكس، إذ تبنى الحزم مع منتفضي تشرين؛ لأنهم انتقدوه، وهذا وارد وطبيعي في عالم السياسة؛ طالما أن السيد الصدر من ضمن المتصدين للعمل السياسي في البلد، وله نوابه في البرلمان، وعدد من الوزراء، ومجالس المحافظات، وعدد غير قليل من الدرجات الخاصة، والامتيازات الأخرى.

اقرأ/ي أيضًا: مقتدى الصدر.. الرابح الأكبر من تظاهرات العراق

بالتالي فإن الصدر هنا سيكون في الواجهة، والشعب من حقه نقد ساسته، وليس من حق من يتولى زمام الأمر، التذمر من ذلك، لأن هذا واجبهم، وقطعًا أنا هنا أقصد النقد البنّاء.

لذلك، ومن هذا المنطلق انتقد ثوار تشرين موقف الصدر الأخير، وهنالك من يعللها بالبراغماتية السياسية، نعم أن السياسة في جوهرها مصلحة؛ إلا أن هنالك ثوابت وطنية لا يمكن عبورها تحت حجة البراغماتية، وهذه الأخيرة صحيحة على المستوى الخارجي أكثر مما هو داخلي، لأن في الداخل أنت تتعامل مع وطن، وشعب، لا عدو خارجي، أو منافس ما وراء الحدود. ولكم في حادثة محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خير مثال؛ إذ لم تبرر حركته مع الرئيس الأوكراني على أنها براغماتية سياسية، وإنما عدها مجلس النواب انتهاكًا للأمن القومي الأمريكي. إذًا، هنالك ثوابت لا يمكن عبورها مهما كانت المبررات.

وثوابت انتفاضة تشرين أظنها واضحة للعيان، لعل أهمها إنهاء سلطة المحاصصة، والفساد.

إن ما زاد حجم الهوة بين ثوار تشرين، والسيد الصدر؛ قراره الأخير القاضي بسحب أنصاره من ساحات الاعتصام، وهو ما عدّوه طعنة في الظهر، أي ثوار تشرين، بينما علل الصدر موقفه بأن الثوار لم يساندوه في مليونيته ضد المحتل، كما أنهم شككوا به ـ حسب تعبيره ـ وبالتالي لن يتدخل مجددًا في شؤونهم سلبًا، أو إيجابًا.

وعلى ما أظن أن حركة الصدر هذه، أي الانسحاب من سوح الاعتصام، وسحب تأييده لثورة تشرين؛ ستؤدي إلى خسرانه لرصيد شعبي كبير حاز عليه، خارج حدود قواعده الشعبية التقليدية، ومن ثم، فإن النظرة اتجاهه باتت على أنه وقفَ مع سلطة الفساد، وهو المعسكر الذي وقف ضده الشعب طيلة مدة ثورة تشرين.

متظاهرون حاولوا بترديد شعار "شلع قلع والگالها وياهم" إيصال رسالة للصدر، على أنك أصبحت ضمن معسكر السلطة 

إن إحدى شعارات ثوار تشرين في 25 كانون الثاني/يناير، كانت "شلع قلع والگالها وياهم"، في إشارة صريحة إلى السيد الصدر، باعتباره صاحب شعار "شلع قلع" الذي تبناه كوسيلة تعبير ضد سلطة الفساد، وكنهج لطريق الإصلاح الذي حمله في السنوات القليلة الماضية. فهم حاولوا إيصال رسالة له، على أنك أصبحت ضمن معسكر السلطة الفاسدة.

ومع هذه التطورات، وكما يبدو، لم يدرك الصدر أنه فقد المبادرة، وكان يظن بانسحابه من الاعتصامات، سيعيد كرّة العام 2016، حينما كانت الجماهير غير الصدرية ضئيلة الحجم قياسًا بالجمهور الصدري. البعد الجديد في المعادلة الآن، هم الطلاب، وهم من أعطى زخمًا جماهيريًا كبيرًا للثورة، مع خريجي الجامعات، الذين كانوا في السابق تستطيع الحكومات استيعابهم ضمن القطاع الحكومي، بالتالي تؤمن جانبهم؛ إلا أن تضخم هذا القطاع، وعدم وجود بدائل عملية للشباب خلال السنوات الست الماضية، وتراجع أسعار النفط، جعل من هذه الكتلة الشبابية همًا جديدًا تواجهه السلطة، وهي لم تستطع إرجاعها من حيث أتت، إلا بضمانها للحل، وهذه المرة لم يعد مجرد نثر مجموعة من الوظائف حلًا يرضيهم؛ وإنما صار هم الشباب تغيير السلطة السياسية الفاسدة برمتها، ومن ضمنها الكتلة الصدرية!

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقتدى الصدر.. قبل نفاد الوقت

منافسة الصدريين: شعارات بلا عمل