06-أغسطس-2021

في التقاليد العشائرية نعثر على جذر مهم لشرعنة السرقة (فيسبوك)

لم يحترف السلطويون العرب كيفية المجابهة لاسترداد ثرواتهم المنهوبة. أو بتعبير أدق؛ لقد تفوقوا على جميع أنواع اللصوص. صحيح أنهم لم يقوموا بحملات استعمارية واسعة في العصر الحديث، غير أنهم احترفوا اللصوصية المحلية عبر نهب المال العام تاركين شعوبهم في هاوية المجهول. أصعب أنواع اللصوص وأشدّهم غموضًا هو "حرامي  البيت". إنه لصّ غامض يعيش بيننا يأكل ويشرب ويشاطرنا همومنا، لكنّه يتمتّع بيدٍ خفيفة ومباركة! لأنها تسرق بدون جهد إضافي وعادةً ما يكون فوق الشبهات. ولدينا مثل شائع في العراق "حرامي البيت يصعب الاحتماء منه"، لأنّه يدرك جيدًا أصول اللعبة؛ فهو لا يحتاج إلى مهارات إضافية وجسارة مميّزة، يكفي أن يستغفل أفراد عائلته ليسرق بلا وجع قلب. تتوجّه الأنظار في حالات السرقة نحو الخارج، ثمّة حرامي سطا على بيتنا وسرق بعضًا من مقتنياته، في الوقت الذي ينشغل فيه أصحاب البيت بصياغة مؤامرة خارجية.

يتفاضل الحرامية فيما بينهم: حرامي طائفي يعمل تحت غطاء "الطائفة الحق" يقضمون مال الله "قضمة الأبل نبتة الربيع"

إنه فن لا يتقنه سوى اللصوص المحترفين، الذين يتقنون الكيفية التي يحشدون فيها أكبر عدد ممكن من الناس لكسب مشروعية السرقة. وهذا الأمر لا ينطبق على البيت الصغير فحسب، وإنما ينطبق على بيتنا الكبير (الوطن)، فقد تعوّدنا أن نوّجه أنظارنا للحرامي الأجنبي الذي يسرق خيراتنا وثرواتنا لأنه حرامي خارجي . أما الحرامي الداخلي فيساهم معنا في التفتيش عن المسروقات ويبكي ويلطم ويصرخ على ثرواتنا المسروقة. لقد ساهم حرامينا السابق بتأميم الثروة عبر تركيزها بيد عائلته وحوارييه، وخلصّنا من سرقات الأجانب. وبعد أن تخلّصنا منهم ومن نَهبِهم، تفرغّ صاحب البيت للنهب الوطني والقتل الوطني و"السطو" الوطني. بهذه الطريقة أصبحت المهمّة صعبة وخطيرة لفن السرقة، لأنها تحوّلت من الأجنبي إلى صاحب الدار، وبذلك تحوّل "بطلنا القوميّ" إلى "حرامي البيت" ليتمتّع بحرية عالية للسرقة، ومثلما يقول المثل الدارج "حاميها حراميها".

اقرأ/ي أيضًا: حفلات تنكّرية

وعلى غفلة من الزمن وتحت تأثير المشاعر القومية للناس البسطاء انتشرت عملية تأميم وطنية واسعة النطاق. لكن هذه المرّة لاعلاقة لها بتأميم النفط من الغاصب الأجنبي، وإنما تأميم ثرواتنا بيد علي يد حرامينا الوطني، وتحول هذا السلك إلى تقليدٍ عريق ومتفق عليه بين الوطنيين: أسرق بلدك بدلاً من أن يسرقه الأجنبي. يكفي لحرامينا الوطني أن يبني بعض الطرق والجسور ليحظى بشعبية الناس لما سينهبه لاحقًا. فإذا كان حرامينا الأجنبي يسرق حسب الأصول المعمول بها، يعطينا أجورنا والقيمة النقدية لما يشتريه، فعلي بابا الوطني يسرق مال الله وعباده ولا يعطينا سوى الإمبريالية والصهيونية والاستعمار. نفطر بوجبة استعمار، ونتناول حساءً وطنًيا خالي الدسم. وبين هذه الشعارات يٌسرق بلد بأكمله في وضح النهار، وتُنهَب ثرواته لتسديد ثمن حروبه العبثية، وعلى الأجيال اللاحقة أن تدفع ثمن هذه الحماقات.

في التقاليد العشائرية نعثر على جذر مهم لشرعنة السرقة عبر ربطه بقيم الرجولة والشجاعة: لا بدّ أن يكون الفرد "أبن ليل"  و"سبع"، و"أخو خيته". وهذه المقدمات تقودنا إلى نتيجة منطقية، وهي أن يكون حرامينا بطلًا محليًا يشار إليه بالبنان. وهذا التقليد يلقي بظِلاله على الممارسة السياسية التي تحدث منذ سقوط حزب البعث التكريتي حتّى هذه اللحظة، وهو أن الصعود إلى كرسي الحكم يعني أن نكون حرامية وطنيين. وبالطبع يسري هذا التقليد على أصغر موظف؛ ممكن للمدراء أن يكونوا حرامية والموظفون الصغار حرامية، ومن يريد التأكد من ذلك فليسأل موظفًا عراقيًا عن طبيعة وظيفته، لن يتردد هذا الموظف بوصف الحالة العزيزة على قلبه وهي "الشغل كله تسخيت". أي عبارة عن بطالة مٌقَنّعَة، وهذه الأخيرة نافذة في صميم ثقافتنا مع الأسف الشديد نظرًا لشيوع حالة الاستبداد التي تولّد حالة الاتكالية.

يتفاضل الحرامية فيما بينهم: حرامي طائفي يعمل تحت غطاء "الطائفة الحق" يقضمون مال الله "قضمة الأبل نبتة الربيع"، وحرامي قومي يشفط خزينة الدولة شفطًا بسبب مخاوفه العرقية ليؤمّن مستقبله الانفصالي! وحرامي  تابع  يعمل بموضوعية كاملة ولا يفرّق بين طائفة وأخرى، أو بين قومية وأخرى ما دام الدولار شغّال على قدم وساق. فهذه العملة الخضراء عابرة لجميع الهويات. ولا تبقى سوى الشعارات الفارغة على المنصات الإعلامية، إذ يكفي للسياسي أن يريح ضميره بقليل من لتصريحات التي تذمّ الفساد، وما عدا ذلك، فهو في حلٍ من كل ما يجري طالما عائلته وجميع المقربين منه في مأمن من المسائلة القانونية.

ربما نحتاج في السنين القادمة إلى مؤسسة تعنى بالتعداد العام لحجم الحرامية في البلد، لكن المشكلة التي ستواجهنا حتمًا، من يقوم بهذا التعداد الوطني؟! أخشى أن يكون اسم هذه المؤسسة الرائدة مستقبلاً: "مؤسسة الحرامي الوطني".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

معاركنا التي لم تُحسَم بعد

تناقضات وهذيانات صيفية