14-أبريل-2019

القوات الأمنية أطاحت بعصابة تبيع المخدرات قرب مدرسة في الأنبار (ألترا عراق)

في البلدان المستباحة تتحول الأرض والسكّان إلى حقل تجارب مفتوح، وتتشكّل جيوش احتياطية يكتريها الغزاة لخراب البلد؛ فقد كانت بريطانيا في الهند المُحتلّة تسخّر الجيش الهندي في معاركها. وهذه الجيوش لا تقتصر على القوّة العسكرية فحسب، وإنما تتقسّم وظائفها واختصاصاتها؛ جيش من المرتزقة الكَتَبَة، جيش من المرتزقة السياسيين، وجيش يعمل بالمجان. يتوحد هؤلاء المرتزقة على أمر واحد: إحالة البلد إلى حطام مقابل ما سيحصلون عليه من أجور ثمينة وحياة مرفّهة. لقد ولّد هذا الحطام فجائع اجتماعية ستبقى آثارها لزمن بعيد، ومنها تجارة المخدرات في العراق التي تنخر في جسد المجتمع العراقي بهدوء. إنها حرب جديدة لم يشهدها العراق سابقًا، وهي تُعَد إحدى آليات الهيمنة الناجحة في تدمير البنية الاجتماعية والنفسية للشعب العراقي.

يتوحد "المرتزقة" على أمر واحد وهو إحالة البلد إلى حطام مقابل ما سيحصلون عليه من أجور ثمينة وحياة مرفهة بالرغم من ولادة فجائع اجتماعية أبرزها تجارة المخدرات في العراق!

 وقد أشارت بعض التقارير إلى تفشّي ظاهرة المخدرات بين الطالبات المراهقات، وبالخصوص مادة "الكريستال" الخطرة، والأخطر من ذلك كله، هو التغطية على هذه الظاهرة من قبل العوائل العراقية خوفًا من الفضيحة. بل أكثر من ذلك، إنّها تنتشر في الأوساط المحافظة، وبالخصوص محافظات الجنوب؛ فقد أصبح الحصول على المخدرات أسهل بكثيرٍ من الحصول على زجاجة كحول. ولنا أن نتخيل حجم الكارثة.

اقرأ/ي أيضًا: من الترانزيت إلى الاستهلاك.. المخدّرات تتسلّل إلى حقائب طالبات العراق

والغريب في الأمر، إنّك تشاهد برامج القنوات العراقية مشغولة في توزيع "الهبات" على الفقراء، وتكرار الممل لبعض البرامج السطحية، وانتشار القنوات الدينية المشغولة في قصائد "اللطم" وغيرها، لكنّك من النادر أن تشاهد وقفة جادة من هذه القنوات تجاه ظاهرة المخدرات وحجم انتشارها المخيف في هذا البلد المستباح. بل أكثر من ذلك، تجد ظاهرة المخدرات أنّها أصبحت حديث الشارع العراقي؛ فما من بقال أو سائق أجرة أو عطار يجهل هذه الظاهرة، إلّا جماعة الخضراء وإعلامهم، فهم في سبات عميق.

الدكتور حسين أحمد  السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء، يقول في ورقة قدمها، إن "الكثير من الفعاليات الثقافية والدينية والسياسية، لا تمتلك الجرأة القوية في تناول موضوع في غاية الخطورة ومنها المخدرات لأسباب اجتماعية وثقافية وغيرها، فالعراق لم يعد ممرًا لدول الخليج بل هو ممر لدول أوروبا الشرقية، ولم تقتصر العصابات والجهات الموردة لمادة المخدرات من العصابات الإيرانية والأفغانية والباكستانية، وإنما تعدتها إلى بعض مافيات المخدرات من جنوب شرق آسيا وغيرها". فالموضوع، كما يبدو، يتعلّق بالجرأة، إذ لو كان الأمر يدور في أطر الطائفية والصفقات الانتخابية سيكون مختلفًا، وستكون جيوش المرتزقة حاضرةً حسب الطلب.

يميل الكثير إلى تعليل انتشار ظاهرة المخدرات إلى العوامل الداخلية، وهذا صحيح بعمومه، غير أنه يمثل نصف الحكاية؛ ذلك إن البلدان المستباحة، كما ذكرنا، تغدو مختبرًا مجانيًا للغزاة؛ فقد ساهمت الولايات المتحدة في دعمها لحركة طالبان آنذاك، و"أكرمتهم" فيما بعد بأطنان المخدرات، وتحول على أثرها مشايخ طالبان إلى قادة محميات تزدهر فيها الحشيشة، وبلغت إيراداتها 6 مليار دولار سنويًا. كل هذا كان يجري بمباركة الـ"السي آي إيه"، عبر ضربها  لعصفورين في حجرٍ واحد: جماعات "جهادية" تقاتل "الإلحاد" السوفيتي، وهي في قمّة النشوة، وجنود سوفيت يدمنون الحشيشة، فتحولت أفغانستان إلى وكرٍ كبير للحشيشة. ولقد سبقهم في هذه الخطط القذرة، البريطانيون يوم جعلوا من ملايين الصينيين مدمنين على الحشيشة.

 في كتابه "حكمة الصين"، يذكر فؤاد محمد شبل، أنه لم يجد البريطانيون تجارة ناجحة ترفع من ميزانهم التجاري مع الصين، وكانت صادراتهم من الذهب والفضة تتعرض للاستنزاف. لكنّهم عثروا على سلعة ترضي الصينيين؛ فمن خلال شركة الهند الصينية، أقبلوا على زراعة الأفيون في مستعمراتهم الصالحة للزراعة، وحوّلوا أجود أراضي الهند الشاسعة إلى مزارع للأفيون عوضًا عن الأرز والقطن. وقاموا بإنشاء المصانع لإعداد هذا المخدر وأعدّوا السفن لنقله إلى الصين. وفي عام 1781 أرسلت شركة الهند الشرقية أولى شحناتها إلى الصين. لقد كان لهذا المخدر إقبال واسع لدى الصينيين، وبدأ ينتشر بين أوساط العامّة بعد أن كان محصورًا بين الطبقة الثرية. دخلت الصين في نفقٍ مظلم، ولم تعد صادراتها من الشاي والحرير تكفي لدفع ثمن الأفيون المستورد. وأصبحت تجارة الأفيون في الصين من دعائم التبادل التجاري، وراحت تتدفق سبائك الذهب والفضة الصينية إلى الخارج. غير أن شعبًا مثل الصين لا تنعدم فيه الذاكرة القومية مهما تعرّض من مصائب. فانبرى حاكم الصين الوسطى الرجل المثقف "لين تسي- هسو" اشتهر بالقدرة والكفاية، وكانت مصالح بلاده تشكّل أولوية قصوى "فهو لم يحكم في المنطقة الخضراء مثل "الساسة" العراقيين". استشعر الرجل خطورة هذه التجارة المدمّرة على بلده، سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، فاتخذ إجراءات مشدّدَة ضد تجارة الأفيون، وواصل الضغط على الحكومة المركزية للقضاء على هذا السم الفتّاك؛ فبعد الضغط المتواصل على الحكومة، عينته مندوبًا إمبراطوريًا في كانتون، وبعد بضعة أشهر أحرق كافة المخزون من الأفيون وأبعد التجّار الأجانب واعتقل شركائهم الصينيين وأودعهم في السجون. ثمّ وجّه ، لين تسي- هسو، خطابًا إلى الملكة فكتوريا، جاء فيه، إن "ثروة الصين تُستَخدَم لإثراء المُتبَربرين، فيحرمون الصينيين من نصيبهم الحق في ثروات بلادهم، فبأي حق يجلب المتبربرون السموم إلى الصين ليكفلوا لأنفسهم أعظم قدرٍ من الأرباح الطائلة على حساب إحاقة أفدح الأضرار بنا. فأين ضمير جلالتكم؟!". كان الرد في منتهى القذارة من البريطانيين؛ ففي 1839 نسبت بين الصين وانجلترا حرب لا يعرف لها التاريخ في جميع مراحله نظيرًا في الخسّة والنذالة، على حد تعبير فؤاد محمد  شبل، واستمرت طوال الفترة 1839-1842، وأسفرت عن نجاح البريطانيين في النزول بمناطق متفرقة من الساحل، واحتلال كانتون وشنغهاي.

القنوات العراقية مشغولة في توزيع "الهبات" على الفقراء، وتكرار الممل لبعض البرامج السطحية، وانتشار القنوات الدينية المشغولة في قصائد "اللطم" وغيرها، لكنّك من النادر أن تشاهد وقفة جادة من هذه القنوات تجاه ظاهرة المخدرات وحجم انتشارها المخيف 

لقد كانت تجارة الأفيون آلية ناجحة لبسط الهيمنة والنفوذ البريطاني، عبر تركيع الشعب الصيني، إذ جعلته غارقًا في سبات رهيب لزمنٍ طويل، حتى جاء ماوتسي تونغ، فاستيقظ التنين من سباته الطويل، وتحرر من إكراهات الهيمنة البريطانية القذرة، وقد صرخ ماو تسي تونغ بالصينيين بهذه العبارة "لا تنسوا الإذلال القومي". فهل من أمل أن يصحوا الشعب العراقي من سباته الطويل، ويثأر لهذا الإذلال القومي البغيض، قبل أن يتحوّل العراق إلى مزرعة كبرى لتجّار الحشيشة؟. لكن من أين نعثر على ماو تسي تونغ عراقي؟، هذا هو التحدي!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المخدرات من الأرجنتين!.. ماذا عن "ساهون" إيران؟: عبد المهدي يثير سخرية عارمة

ارتفاع نسبة متعاطي المخدرات في كردستان.. هذا هو النوع الأخطر