17-نوفمبر-2019

ساحة التحرير وسط بغداد (Getty)

مع استمرار الاعتصامات الشعبية في بغداد وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية، يتزايد حجم البيانات الصادرة من الأطراف المعنية في شأن الاحتجاجات، سواء من طرف المحتجين، أو السلطات، أو الوسطاء، والمرجعيات الدينية.

أعطى حديث المرجعية الذي نقلته بلاسخارت، جرعةً من الثقة للمعتصمين في تكملة مشوارهم، لكنهم لم يتركوا ما أصدرته البعثة الأممية ببيان تَلّخص بمقترحات للخروج من الأزمة

ربما بدأ الشك يدب في نفوس المعتصمين رغم ثباتهم وبقائهم في خيمهم، قبل ما نقلته المبعوثة الأممية إلى العراق جنين بلاسخارت خلال مؤتمر صحفي في النجف، عن لسان المرجع الديني علي السيستاني بعد لقائه، من أن المتظاهرين لن يعودوا إلى بيوتهم قبل تحقيق المطالب التي خرجوا من أجلها، كما نقلت بلاسخارت عن السيستاني عدم ثقته بجدية السياسيين في تنفيذ إصلاحات حقيقية.

اقرأ/ي أيضًا: المرجعية العليا: المتظاهرون لن يعودوا إلى منازلهم قبل تحقيق مطالبهم!

أعطى حديث المرجعية الذي نقلته بلاسخارت، جرعةً من الثقة للمعتصمين في تكملة مشوارهم، لكنهم لم يتركوا ما أصدرته البعثة الأممية ببيان تَلّخص بمقترحات للخروج من الأزمة، يمر مرور الكرام.

 اقترحت البعثة الأممية في بيانها عدة إصلاحات من شأنها أن تنزع فتيل الأزمة بين المحتجين والسلطات العراقين، من بينها محاسبة الفاسدين وإكمال تعديل الدستور وعدم التدخل في شؤون الداخلية العراقية، وإيقاف نزيف الدماء، كما اقترحت البعثة سن عدة قوانين مثل: من أين لك هذا؟ . قانون المحكمة الاتحادية . قانون الضمان الاجتماعي، قانون حل أزمة السكن، مجلس الإعمار، على أن تقوم الحكومة بإرسال مشروعات القوانين إلى مجلس النواب لاستكمالها.

وقف المعتصمون عند هذه النقطة من البيان. ورغم تقبّل الكثير من المحتجين للأمم المتحدة كطرف يرعى "حل الأزمة" و"الإشراف على الانتخابات"، إلا أن المعتصمين وجدوا في تلك النقطة وغيرها دليلًا على أن البعثة الأممية "بعيدة كل البُعد عن الدماء التي تُسفك يوميًا في ساحات التظاهر، وبعيدة عن المطالب الأساسية للمحتجين"، كما عبّروا في بيانهم (رقم 2) في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، إذ انتقدوا اقتراح الأمم المتحدة على الحكومة بأن "توقف آلة القتل بحق المتظاهرين وتُقدم القوانين الإصلاحية إلى مجلس النواب".

وأضاف بيان المعتصمين: "قد لا تعلم البعثة الأممية، أن تمسّك الفاسدين بحكومة عادل عبد المهدي ما هو إلا دليل دامغ على اطمئنانهم وقناعتهم بعدم قُدرته، أو عدم رغبته، بإجراء إصلاحات حقيقية جذرية، ومحاسبة سرّاق المال العام، وتقديم القتلة إلى العدالة، وقد كانت السنة الأولة من حكمه برهانًا على خضوعه للكتل السياسية وتمسّكه بالمحاصصة الحزبية".

في سياق البيانات، أصدر البيت الأبيض الأمريكي بيانًا دعا فيه الحكومة العراقية إلى "وقف العنف ضد المحتجين، والوفاء بوعد الرئيس (صالح) بتبني إصلاح انتخابي وإجراء انتخابات مبكرة". وأشار البيت الأبيض إلى أنه "ينضم إلى الأمم المتحدة في دعوة الحكومة العراقية إلى وقف العنف ضد المتظاهرين".

المعتصمون يهاجمون عبد المهدي والبعثة الأممية

مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في عدد من المحافظات، دعا المحتجون إلى تظاهرات مليونية في يوم الجمعة 15 تشرين الأول/نوفمبر في ساحة التحرير، "رفضًا للحلول التي تطرحها الحكومة، وتأكيدًا على المطالب التي قدم المتظاهرون في سبيلها كل هذه التضحيات، والتي أبدت المرجعية الدينية في النجف قلقها من عدم جدية الجهات المعنية في تنفيذها".

أظهر مقطع فيديو، اعتراض مسلحين ملثمين لمركبة مسؤول أمني كبير، واقتياده إلى جهة مجهولة في ساعات النهار

شهد الأسبوع الثالث استمرار حالات الخطف والاعتقالات وسقوط أعداد من الشهداء والجرحى والمصابين بالاختناق جراء الغازات المسيلة للدموع.

اقرأ/ي أيضًا: رعب "السيارة السوداء".. من يختطف الناشطين المتظاهرين ويغيبهم؟!

وأظهر مقطع فيديو، اعتراض مسلحين ملثمين لمركبة مسؤول أمني كبير، واقتياده إلى جهة مجهولة في ساعات النهار. وأشار ناشطون إلى أن المسؤول المختطف هو اللواء الدكتور ياسر عبد الجبار، عميد المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري، إذ جرت العملية ـ بحسب الناشطين ـ في 11 تشرين الثاني/نوفمبر في شارع الوزراء قرب منطقة الجادرية ببغداد.

في الأثناء، شدد المعتصمون في بيانهم، على أن الحكومة "مصرةٌ على خيار العنف والإجرام في قمع المحتجين وإسكات صوت الشعب، وفي ذلك دليل على فشلها في إدارة الدولة وحماية المواطنين". وأشار المعتصمون إلى أن الحكومة "غير جديرة بالثقة مثلما هي ليست جديرة بقيادة العراق وشعبه"، متطرقين إلى "عجز الحكومة عن كشف هويات القنّاصين والقتلة، وعجزها الآن عن إيقاف الترويع والاختطاف الممنهج للناشطين من قبل جهات مجهولة، رغم المناشدات الدولية، ودعوات المرجعية، بإيقاف الاعتقالات والاعتداءات ضد المتظاهرين".

رئيس الوزراء يتوسل الخاطفين

في اليوم التالي من بيان المعتصمين، أصدر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بيانًا يرفض فيه اختطاف عميد المعهد العالي، مبينًا أن "هذا العمل جريمة يعاقب عليها القانون، وعلى الجناة إطلاق سراحه فورًا دون قيد أو شرط".

رغم أن عبد المهدي تحدث في بيانه عن عدم جواز اعتقال أو احتجاز أي شخص دون أوامر قضائية أصولية، إلا أنه تحدث عن "المباشرة بالتحقيقات اللازمة للتعرف على الجناة وتحرير المختطفين". كما وجه "تحذيرًا" إلى الجهات التي تقوم بهذه الأعمال وتغطيها بأنها ليست خارج طائلة القانون مهما كانت صفتها".

ردود فعل "متهكمة"

قوبل بيان المهدي بموجة من التصريحات المتهكمة والغاضبة من الطريقة التي خاطب بها عبد المهدي الخاطفين. وقال رئيس كتلة النصر النيابية عدنان الزرفي في تغريدة له على "تويتر" إن "الطريقة التي اختطف بها اللواء ياسر عبدالجبار تؤكد على ضياع الدولة التي اسست لإضعاف الأجهزة الأمنية وحولتها إلى ملاذ لتصفية الحسابات السياسية بداية من إبعاد قادة النصر وصولًا إلى التضحية بهم في تحقيق قتل المتظاهرين".

وتساءل الزرفي: "هل واجب رئيس الحكومة أن يتوسل بالخاطفين لإطلاق سراح المختطفين؟!". 

بدوره، استنكر رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد رضا آل حيدر، في لقاء تلفزيوني، تصريحات رئيس الوزراء ومطالبته بإطلاق سراح المختطفين. وقال إن من واجب رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة إظهار نتائج التحقيقات، وليس المطالبة بإطلاق سراح المختطفين.

محمد الساعدي: عبد المهدي يتحدث عن اختطاف مسؤول أمني كبير وكأنه ناشط مدني، أو عضو في منظمة لحقوق الإنسان، وليس رئيس الوزراء

كما شن ناشطون ومدونون انتقادات لاذعة لعبد المهدي بعد مطالبته بإطلاق سراح المختطفين، معتبرين أن تصريحات رئيس الوزراء لا تليق بمنصبه.

اقرأ/ي أيضًا: منظمة العفو تكتشف "قنابل إيرانية" في رؤوس المتظاهرين العراقيين!

وقال محمد الساعدي في تصريح لـ"ألترا عراق" إن "عبد المهدي يتحدث وكأنه ناشط مدني، أو عضو في منظمة لحقوق الإنسان، وليس رئيس الوزراء". ويشير الساعدي إلى أن "رئيس الوزراء أثبت مرارًا عدم قدرته على إدارة الدولة والسيطرة على الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون".

وفي خضم حرب البيانات، تلى ممثل المرجعية الدينية العليا في خطبة يوم الجمعة من مدينة كربلاء، بيانًا صادرًا من مكتب المرجع الأعلى علي السيستاني حول موقفه من الاحتجاجات الراهنة، وجاء فيه تأكيد المرجعية على "مساندة الاحتجاجات والالتزام بسلميتها وإدانة الاعتداء على المتظاهرين السلميين بالقتل أو الجرح أو الخطف أو الترهيب، والاعتداء على القوات الأمنية والمنشآت الحكومية والممتلكات الخاصة".

فيما أكدت المرجعية على أن الحكومة تستمد شرعيتها من الشعب وليس من يمنحها الشرعية غيره، أشارت كذلك إلى أهمية "الإسراع في إقرار قانون منصف للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية ولا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية، ويمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية إذا أراد الشعب تغييرها بوجوه جديدة".

شككت المرجعية في بيانها بـ "مدى قدرة أو جدية القوى السياسية الحاكمة في تنفيذ مطالب المتظاهرين حتى في حدودها الدنيا، وهو ليس في صالح بناء الثقة بتحقق شيء من الإصلاح الحقيقي على أيديهم".

في ظل البيانات المتضاربة من هنا وهناك، تترقب الأطراف المعنية ما يُمكن أن يحدث من نتائج للتشابك الحاصل بين المتظاهرين والأطراف السياسية والمرجعية الدينية والبعثة الأممية

واعتبرت المرجعية، سبب خروج المواطنين إلى التظاهرات المطالبة بالإصلاح في صورة غير مسبوقة، واستمرارهم طوال هذه المدة بما تطلّب من ثمن فادح وتضحيات جسيمة، هو أنهم لم يجدوا غيرها طريقًا للخلاص من الفساد. 

اقرأ/ي أيضًا: بيان دولي يوثق انتهاكات السلطة ضد الاحتجاجات في العراق.. قتل واحتجاز جثث!

واستكمالًا لبيانها الذي وُصِف بالتصعيدي، نبّهت المرجعية، "من بيدهم السلطة"،إذا كانوا يظنون أن بإمكانهم "التهرب من استحقاقات الإصلاح بالتسويف والمماطلة، فإنهم واهمون"، معتبرة "ما بعد هذه الاحتجاجات لن يكون كما كان قبلها في كل الأحوال"، ومحذّرة في الوقت ذاته من "السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي بأي اتجاه، مع أنّ التدخلات الخارجية المتقابلة تنذر بمخاطر كبيرة، بتحويل البلد إلى ساحة للصراع وتصفية الحسابات بين قوى دولية وإقليمية يكون الخاسر الأكبر فيها هو الشعب".

وفي ظل البيانات المتضاربة من هنا وهناك، تترقب الأطراف المعنية ما يُمكن أن يحدث من نتائج للتشابك الحاصل بين المتظاهرين والأطراف السياسية والمرجعية الدينية والبعثة الأممية، بالإضافة للدول الخارجية، وما هو يَفرض معادلة معقدة تتصدر المشهد العراقي، بانتظار الحسم، الذي لا يُعرف مصدره حتى الآن، وسط تشبث المعتصمين في أماكنهم، وتعنت السلطة بمواقعها.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الثابت والمتحوّل في احتجاجاتنا: دروس للمشرق العربي

دروس من ساحة التحرير