06-أبريل-2020

القوى السياسية لا زالت لم تتعلم الدرس من انتفاضة تشرين (Getty)

تستمر الأحزاب الفاسدة باعتماد ذات المنهج الفاشل باللف والدوران، وهدر الوقت لإدامة الصراع الناتج عن عدم اختيار رئيس وزراء مؤقت يدير شؤون هذه البلاد، ويستنفر كل الجهود والإمكانات لتأسيس حياة تليق بالبشر، وما أحوجنا اليوم إلى أفعال تختصر الزمن، وتعجل في شفاء جسد هذا الوطن المدمى والمنتهك والمستغل. أفعال تعيد ضخ دم الحياة في ثناياه التي نزفت دماءً كثيرة لم تجف بعد قربانًا من أجل وطن مشافى ومعافى، لكن هناك من لا يريد ترك مزاولة مهنته في انتهاك حقوق الإنسان والمتاجرة بالأوطان، المهنة التي لا تنشط سوى في أجواء الفوضى وحكم الغاب، حيث تعمد هذه التكتلات الحزبية إلى إنتاج المزيد من المآزق وخلق المبررات الواهية في سبيل التسويف والمماطلة في اجتماعاتهم المتتالية والتي لم تنتج يومًا أي حلول ناجعة ومعالجات فعلية تقنع وتطمأن الجمهور الذي يعاني اليوم الأمرين بسبب أزمة وباء فيروس كورونا. 

الجيل الذي انبعث من ركام الكوارث وأهدر دمه قربانًا من أجل وضع الحياة في مسارها الصحيح سوف لا يترك العراق حتى يعيده إلى مكانته الطبيعية 

لم تكترث هذه الأحزاب التي نهبت أموال العراقيين، وما أحوجهم اليوم إليها وسط هذه الجائحة اللعينة، كي تضمن لهم العيش الكريم، ولا تجبرهم على هدر كرامتهم، واستجداء لقمة عيشهم لسد رمق عوائلهم. لا زالت هذه الزمرة الفاسدة تزاول مهنتها في النهب والسلب، وعدم الاكتراث واللامبالاة إزاء ما يقع من حيف على العوائل التي انقطع رزقها بسبب حظر التجوال، وعدم توفير بديل لهم من قبل هذه الطغمة الفاسدة؛ لكونها منشغلة بوضع خطط ورسم ستراتيجيات  لمواجهة الأهم، وهو مكافحة من يريد التصدي لفيروساتهم التي تغلغلت وعشعشت في كل مفاصل الدولة، ولم يرف لها جفن وهي ترى أسهم الموت تزداد، والفقر ينهش بالبؤساء، والوضع الاقتصادي على وشك الانهيار والإفلاس في الأيام المقبلة، كما توقع خبراء الاقتصاد في حال استمر الحال على ما هو عليه.

اقرأ/ي أيضًا: القمصان البيض.. الطعنات لم توقفهم!

كل المؤشرات تؤكد على إصرار المتنفذين للمضي باتجاه هذا المنزلق الخطير، بل تعمد على فعل ما هو اسوأ بتهديد وترهيب كل من يحاول إبطال مفعول ترسانة الظلم الاجتماعي الجاثية على صدور "مكاريد" هذا الشعب ممن يطالبون باسترداد حقوقهم المنهوبة وتحقيق العدالة الاجتماعية، فهذه الزمرة الفاسدة المتنفذه في كيان الدولة، مصرة على أن تتعامل مع الواقع بنفس العدة المفلسة والمعالجات غير المجدية منذ الاحتلال وليومنا هذا. كل هذه الحقائق بات يدركها بوضوح الشعب المغلوب على أمره من قبل جهات تمتلك المال والسلاح والنفوذ، ومتيقن من عدم جديتهم في بناء دولة عادلة ذات سيادة محترمة، وتعمل على خلق مناخات وفضاءات جديدة بعيدة عن الاصطفافات الحزبية والحصرية العقائدية والعرقية التي تغط بها هذه التكتلات الحزبية المستمرة بالسجالات غير المجدية بينها، والتي تتعامل بمنطق الثنائيات العقيمة، والتمسك والاحتماء بأسيجة الهويات الفرعية التي تقوض معاني الأواصر الوطنية، والرابطة بين الشركاء، وتستبعد كل الحلول المتمثلة بالتمترس بهويات جديدة مرنة وتعددية تساهم وتأسس لحياة تضامنية تسودها قيم العدالة والسلام والوئام، تتوفر فيها أبسط مستلزمات العيش الرغيد.

المؤسف أنها مستمرة بعنجهيتها وتعمل على إجهاض كل مخطط يدعوها لأن تحيد عن هذا المنهج التفكيري العقيم، ليقينها أن الخلاص من هذه الأزمات بالنسبة لها تشبه اكتشاف مصل العلاج المناسب الذي ييقتل فيروساتها الأشد تأثيرًا من فيروس كورونا، فهذه الكائنات الممسوخة مصابة بعدة فيروسات؛ منها فيروس الاحتكار والغدر والمصادرة والاستباحة والشراسة والتكالب والتوحش والبربرية، فهي السبب الرئيسي بتحويل نظام الحياة المدنية إلى حالة طوارئ أمسى معها حفظ الأمن هو الجحيم، وليس أمامها سوى إطالة أمد هذا الظلام والادعاء، بأنها من أبناء الضوء الذي بزواله ستبطش العتمة حتمًا بالبلاد، ويحل البلاء بالعباد متشبثة بشعارات جوفاء ومقولات خاوية، وتبريرات لا يقنع بها حتى المجنون الذي فقد عقله بسبب سياستهم الهوجاء، وتشظيهم وازدواجيتهم ورعونيتهم التي يغلفون بها عجزهم عن اتخاذ الخطوات الجادة في مسيرة الإصلاح الحقيقي والغد الوضاء الخالِ من أدران الفساد.

لا تريد هذه الزمرة العاطلة عن الحياة تقبل حقيقة إصرار هذا الجيل على كنسهم والإتيان بقيادات لا ترضى بغير مطارح الشموس مكانة ومجدًا، هذا الجيل الذي انبعث من ركام الكوارث وأهدر دمه قربانًا من أجل وضع الحياة في مسارها الصحيح سوف لا يترك العراق حتى يعيده إلى مكانته الطبيعية بين الأوطان.

 

 

اقرأ/ي  أيضًا: 

في حق الدفاع عن الناس

صراع النماذج