26-سبتمبر-2019

يعد ملف العشوائيات من أعقد الملفات في العراق ويواجه تحديات كبيرة (AFP/Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

أدى الإهمال المتواصل من حكومات ما بعد 2003 لعدد من الملفات التي تلامس حياة المواطن مباشرةً إلى تحولها لكرة نار تحاول الجهات المعنية برمي مسؤوليتها على بعضها البعض. التجاوزات هو الملف الأكثر تعقيدًا من حيث المسؤولية وتشعب معالجاته، ولا يتوقف الأمر على سكان العشوائيات، فالكثير من الأراضي المخصصة كمساحات خضراء أو خدمات عامة مستولى عليها من قبل "جهات متنفذة".

خلية المتابعة

مثلت محافظة البصرة الخاصرة الرخوة للحكومة، حيث عملت على التعامل بحذر مع كل متطلباتها، جراء الاحتجاجات المتتالية، والتي دائمًا ما كانت شرارتها من العاصمة الاقتصادية للبلاد.

محافظ البصرة كشف عن تلقيه رسالة من قبل شخص عبر رقم إيراني يهدده فيها بتصفيته هو وأقربائه في حال أزال تجاوزات في إحدى المناطق بالمحافظة

في محالة للعمل بإيقاع سريع ومتواصل يختصر الإجراءات الروتينية المتبعة في إدارة الدولة، شكل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خلية المتابعة مكونة في بداية الأمر من سبعة أشخاص في محافظة البصرة، تتواصل معه بشكل مباشر، وترفده بتقارير دورية للحصول على تسهيلات ضمن الصلاحيات.

اقرأ/ي أيضًا: محاولة "إنجاز" تصطدم بسوء التخطيط والمصالح.. كيف يمكن مواجهة التجاوزات؟

لا تخضع جميع المؤسسات إلى المحافظ، والبعض الآخر متمرد، بحسب عباس الحسناوي عضو خلية المتابعة، الذي يقول "نعمل على أن نكون نقطة لقاء بين جميع الأطراف والجهات لتذليل العقبات والعمل بروح الفريق الواحد، وكانت حملة إزالة التجاوزات في بغداد والبصرة من أولوياتنا، وعملنا بشكل مباشر عليها"، فيما نفى "علاقة الخلية بإزالة التجاوزات في محافظات كربلاء".

أكد الحسناوي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الخلية تضع في أولوياتها إزالة التجاوزات التجارية والاقتصادية، والتي باتت تغزو الأرصفة بشكل كبير، ومستمرة من خلال انتشار محطات غسل السيارات والكافيهات والمحال التجارية، ولم تضع الخلية في حساباتها الاقتراب من تجاوزات السكن الموجودة، باستثناء المنازل القليلة التي تتجاوز على مشاريع كبيرة وإستراتيجية ضمن المخطط العمراني للمدينة".

المواجهة الحاسمة

بالرغم من بدء حملة إزالة التجاوزات في محافظة البصرة بالتجاوزات التجارية، ولم تقع في مواجهة مع السكان كما حدث في حملة محافظة كربلاء، إلا أنها تشهد مواجهة حاسمة بين محافظ البصرة أسعد العيداني بصفته الوظيفية المسؤول الأول عن التنفيذ، ويعد بصريون استمرار الحملة برهان على جدية الحكومة المحلية في إنهاء هذا الملف.

كان محافظ البصرة أسعد العيداني قد كشف عن تلقيه رسالة من قبل شخص عبر رقم إيراني يهدده فيها بتصفيته هو وأقربائه في حال أزال تجاوزات في إحدى المناطق بالمحافظة.

أضاف العيداني عبر تسجيل صوتي تابعته "ألترا عراق"، أن "العقيد صفاء العيداني ابن عم المحافظ تلقى رسالة تهديد باستهداف العيداني هو ووالده وأشقاؤه في حال أزال تجاوزات المحال التجارية بمنطقة الأندلس في البصرة".

بشأن المواجهة المرتقبة أوضح مصدر، أنه "لغاية الآن لم يتم رفع تجاوزات الأحزاب والجماعات المسلحة، والتي تتجاوز على الأرصفة وأماكن عامة مخصصة في التخطيط العمراني للمدينة على أنها مساحات خضراء أو خدمات عامة"، لافتًا إلى "تهديد كل من يحاول تصوير تلك الأماكن ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي".

مصدر:  فصيل ثأر الله يفرض هيمنته على منطقة المعقل، والتي تعد من أجمل المناطق في البصرة 

أضاف المصدر في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "مجموعة كبيرة من الأحزاب والجماعات المسلحة تتقاسم مناطق نفوذها في ما بينها، وأبرزها فصيل "ثأر الله"، والذي يفرض هيمنته على منطقة المعقل، والتي تعد من أجمل المناطق في المحافظة".

اقرأ/ي أيضًا: حي المعامل في بغداد.. نفايات الفساد تأكل وجه الحياة

تسيطر تلك الجماعات على مساحات كبيرة وعادة ما تكون في واجهة المدن وعلى الشارع العام، وتعمد إلى تأجيرها لفتح كافيهات ومحال تجارية ومحطات غسل السيارات، بالإضافة إلى توفير الحماية إلى مؤجريها في حالة تعرضهم لأي مضايقة بشأن العمل.

تصل مبالغ الاستئجار إلى نحو 4 آلاف دولار شهريًا للموقع الواحد، بحسب المصدر، والذي يؤكد عمل تلك الجهات على صياغة عقود مزورة مع البلدية في محاولة للتحايل على  القانون، فيما تفشل في الوصول إلى صيغة قانونية تمكنها من فرض سيطرتها بسبب وجود قانون واضح يمنع استئجار من المناطق الخضراء.

إزاء ذلك، يؤكد الحسناوي "استمرار الحملة وفق الخطة المعدة مسبقًا، ولجميع مناطق المحافظة، بالإضافة إلى التوجيه بعدم التعرض للدور السكنية إلا في حالات استثنائية، ويتم إنذارهم قبل فترة مناسبة بالإضافة إلى توفير بديل مناسب".

في السياق، اعتبر عضو مجلس محافظة البصرة جبار الساعدي، ملف التجاوزات من أعقد الملفات في البلاد، والذي يستفيد منه فقراء ‏وبسطاء بالإضافة إلى محتالين وسراق، والأخير هو الهدف الرئيسي للحملة، عادًا الحملة جزءًا من محاولة إعادة جمالية المدنية وتطبيق ‏المخططات العمرانية بما يتناسب مع الإمكانيات.‏

أخرجوا "اللفو".. "عنصرية" لتغطية الفشل!

لا تبدو الحملة التي تقودها الحكومة المحلية في البصرة تستهدف التجاوزات فقط، فالمدينة تشهد بشكل واسع الحديث عن الوافدين بعد 2003 والذين يسمونهم شعبيًا بـ"اللفو"، ويستند محافظ البصرة في دعواه إلى أن الجرائم المرتكبة في المحافظة ارتكب معظمها الوافدون، فيما تشهد صفحات التواصل الاجتماعي حملة واسعة بهذا السياق من قبل صفحات جماهيرية في المحافظة بالإضافة إلى حديث أدباء وشعراء، بالوقت الذي رفض نشطاء هذا الحديث لأنه يشير إلى "عنصرية".

 ناشط بصري اعتبر حديث الحكومة المحلية بـ"سكان اللفو"  لتغطية على فشل الحكومة في تقديم الخدمات لسكان المحافظة، وغياب الرؤية الاستثمارية والاقتصادية

يعتبر الناشط البصري نقيب لعيبي هذا الحديث محاولة لتغطية على فشل الحكومة في تقديم الخدمات لسكان المحافظة، وغياب الرؤية الاستثمارية والاقتصادية التي من الممكن أن تفتح مشاريع تتناسب مع إمكانيات المحافظة وتستوعب جميع الأيدي العاملة.

اقرأ/ي أيضًا: لا نهر ولا خضراء.. مدينة الصدر تختنق "فعلًا" لا مجازًا!

يستغرب لعيبي في حديث لـ"ألترا عراق"، من معالجة النسبة الكبيرة التي تتبناها الحكومة المحلية بهذه الطريقة، دون العمل لإيجاد أسباب تلك الخروق، ومحاسبة الأجهزة الأمنية"، لافتًا إلى أن "الأغلبية من سكان البصرة مع هذه الحملة، خاصة الشوارع التي تؤثر على جمالية المدينة مثل شارع بغداد والزبير الذي يؤدي إلى المدينة الرياضية"  لكن بتوفير البديل المناسب، خاصة البسطات في الأسواق الشعبية مثل سوق الجمهورية والعشار وخمسة ميل التي تم رفعها وقطع أرزاق العوائل".

رئيس اللجنة الأمنية، جبار الساعدي، وفي حديث لـ"ألترا عراق"، اعتبر أن "الحديث عن الوافدين بعد 2003 تعرض للتشويه والتضليل غير الصحيح، ‏والحديث هنا لا يشمل المواطنين الذي نقلوا سجلاتهم ويسكنون بشكل قانوني، مبينًا أن "الحديث عن العوائل التي انتقلت بصورة غير أصولية وهم ‏مطلوبين للقضاء وبعضهم لم يكونوا عائلة او اثنين وإنما عشائر"، فيما لفت إلى أن "الحكومة المحلية تدرك حقوق جميع المواطنين وفقًا ‏للدستور في اختيار أي موطن لها، وهناك عوائل بصرية تسكن خارج المحافظة".‏

كربلاء حملة مؤقتة

بدت الحكاية في كربلاء مختلفة مصحوبة بجدل كبير، حيث بدأت الحملة بإزالة التجاوزات في المناطق العشوائية بدعم من القوت الأمنية بما تسبب بتشرد العشرات من العوائل، فيما انقسمت ردود الفعل إلى فريقين، الأول دعم الحملة وشكك بالحاجة الفعلية لساكنين تلك المناطق بالإضافة إلى توفر المجمعات السكنية في عموم المحافظة، فيما كانت دفاعات الفريق الثاني قائمة على فقر السكان وارتفاع ثمن المجمعات السكنية.

وجه نائب محافظ كربلاء جاسم الفتلاوي بإيقاف هدم الدور العشوائية في المحافظة، وذلك بعد ساعات على "تغريدة" غاضبة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حيث استثنى من القرار ثماني شرائح، هم، العوائل التي ارتكب أحد أفرادها جريمة تمس أمن أو قدسية كربلاء، وسكان الدور التي تتعارض مع مشاريع أعمار المحافظة، والمتجاوزون على الأرصفة والأماكن التجارية، ودور من يتاجر أو يتعاطى الممنوعات، ودور من يمتلك قطعة أرض سكنية أو زراعية في كربلاء أو خارجها، ودور الأشخاص الذين يمتهنون تربية المواشي في الأحياء، وأصحاب الدخل الجيد ممن يمتلك عجلات الحمل أو العجلات الثقيلة، والمتجاوزين في مركز المدينة القديمة.

في بغداد، دعت مفوضية حقوق الإنسان، إلى نقل العوائل التي تسكن مناطق "العشوائيات" إلى مجمع "بسماية" السكني الواقع جنوبي العاصمة بغداد

في السياق، قال النائب عن المحافظة حازم الخالدي، أن "الحملة كانت من المفترض أن تكون بذات الطريقة التي بدأت في محافظة البصرة، وأن تبدأ بالتجاوزات  التجارية، ومقرات الأحزاب السياسية، وتعمل على توفير البديل المناسب للسكان".

اقرأ/ي أيضًا: مدن العشوائيات "المقدّسة"

تقع مسؤولية إعداد قاعدة بيانات عن العوائل الفقيرة ومدى حاجتها للمساكن على عاتق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بحسب الخالدي، الذي تساءل في حديث لـ"ألترا عراق"، عن مدى قدرة المواطن البسيط على شراء من المشاريع الاستثمارية التي تصل إلى نحو 200 مليون دينار، وبمقدمة تصل إلى نحو 50 مليون، فيما وزعت دور واطئة الكلفة منذ عام 2016.

بغداد.. انقلوهم إلى "بسماية"

وفي بغداد، دعت مفوضية حقوق الإنسان، إلى نقل العوائل التي تسكن مناطق "العشوائيات" إلى مجمع "بسماية" السكني الواقع جنوبي العاصمة بغداد.

قال عضو المفوضية علي البياتي في بيان تلقى "ألترا عراق"، نسخة منه، إنه "لحل أزمة العشوائيات في بغداد ندعو الحكومة إلى إسكانهم في مجمع بسماية السكني باعتبار المشروع استثمارًا حكوميًا وإيجاد فرص عمل في المناطق المجاورة لهم من خلال إنشاء معامل ومصانع وتقسيط المبالغ لهم".

أوضح أن "بغداد فيها ألف مجمع عشوائيات من مجموع 3700 من عموم العراق، أي ما يقارب 800 ألف نسمة وبالإمكان الاستفادة من المواطنين الساكنين أيضًا في هذه العشوائيات في مشاريع بناء المجمع ذاته المستمر في عملية البناء والتطوير والاتفاق مع الشركات المنفذة لتشغيل الأيدي العاملة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد إحصائية "مرعبة" عن العشوائيات.. الحكومة ترفع سقف قروض الإسكان

يسألونك عن الفقراء في العراق