خاص| أزمة ملوحة المياه في البصرة.. السكوت يدفع لـ"تجاهل المأساة" والحديث سيؤدي لـ"ثورة"

ما زال معظم أهالي البصرة، يشكون من تمدد اللسان الملحي في المياه، وهو ما يؤدي إلى تجدد الاحتجاجات بين فترة وأخرى، للمطالبة بمعالجة الأزمة التي تمتد إلى سنوات طويلة، وآخرها التظاهرات الغاضبة التي شهدتها مدينة الحيانية إثر زيادة الملوحة، فيما تشخص منظمات حقوقية أن السلطات "تستصغر الأزمة"، بالوقت الذي يشير فيه نائب إلى أن الحديث بالأزمة سيؤدي إلى "ثورة حقيقية". 

واعتبر النائب عن ائتلاف الأساس في محافظة البصرة، هيثم الزركاني، ما يجري بشأن تجاهل ملف تمدد اللسان الملحي في المحافظة هو "قتل ممنهج وواضح"، مؤكدًا أنّ "عدم الحديث وإثارة الموضوع هو للحفاظ على السلم المجتمعي وعدم الدفع بأبناء البصرة لثورة حقيقية".

وقال الزركاني لـ"ألترا عراق"، إنه "منذ العام 2018 تعاقدت حكومة حيدر العبادي مع شركة نمساوية استشارية لدراسة وضع ملوحة المياه في البصرة وجاءت بكوادرها وقامت بدراسة مفصلة وقدمت تقاريرها في عام 2019 التي اثبتت تمدد اللسان الملحي بشكل كبير في شمال المحافظة"، مبينًا أنه "منذ ذلك الحين تعاني المحافظة بشكل كبير من شح المياه الصالحة حتى للاستخدام الحيواني وليس البشري أو الشرب".

وفي العام 2023 قامت الحكومة بتخصيص مبلغ أكثر من  4 مليارات دولار ضمن الموازنة الثلاثية لتنفيذ مشاريع تحلية المياه في البصرة، لكن الأمر بحسب الزركاني "لم يتم تنفيذه رغم قيام الشركة الاستشارية النمساوية بفلترة مجموعة شركات تقدمت للمشروع، حتى تم اختيار شركة باور جاينا الصينية ومعها شركة الرضا المحلية العراقية، باعتبار أن كل شركة أجنبية يجب وجود استشاري عراقي معها بكوادره وأمواله ومعداته كمساهم، ودخلت هذه الشركة بالمشروع رغم عدم تمتعها بالكفاءة كشرط بوجود الشركة الصينية المنفذة بالأصل".

وبيّن الزركاني أنه "سبق ذلك رفض شعبي كبير في البصرة لإحالة المشروع لشركة بريطانية لم تكن ذات مؤهلات كبيرة لتنفيذ مشروع بهذه الأهمية، مبينًا أن "حكومة البصرة قامت بطلب تحويل تخصيصات المشروع وإحالته إليها بدل الحكومة المركزية باعتبار مشاريع المحافظات تنفذ بسلطة محلية وفعلًا تم إحالته ولكن لا تنفيذ لغاية الآن".

ولفت الزركاني إلى أنّ "الحكومة الاتحادية بوجود رئيس الوزراء الحالي بدل أن تقوم بتوقيع العقد المحال للشركة الصينية والاستشاري العراقي للبدء بتنفيذ تندر مشروع تحلية المياه الذي تم تخصيص الأموال له منذ قرابة 3 سنوات، قامت بإقرار 6 مشاريع تحلية جديدة لمياه البحر في شط العرب بشكل استثنائي وأخذناها بحسن نية ولم نقل بأنها دعاية انتخابية أو مجرد إحالات على الورق، ولكن لماذا يتم إهمال مشروع عملاق بتنفيذ أجنبي ومتوفرة أمواله من سنوات ومتوقف على التوقيع فقط بشكل رسمي، والذهاب باتجاه مشاريع جديدة وصغيرة؟".

وأكد النائب أن "مشروع التحلية لمياه البصرة لا يمكن، بل ومستحيل تنفيذه من قبل شركات محلية، لأنه يفوق الإمكانيات المحلية ويجب أن تقوم على تنفيذه شركات أجنبية ذات خبرة كبيرة في هذا المجال".

وقال إن "البصرة تقتل منذ سنوات ولا تصلها كميات مياه صالحة للشرب ولا حتى للاستخدام البشري لأنها مليئة بالملوثات وبنسب قليلة تصلها من المحافظات المجاورة، مع قيام محطة البدعة بإيقاف ضخ هذه المناسيب لمدة 3 أيام من نهاية كل أسبوع من أجل تجميعها وإعادة ضخها مطلع الأسبوع التالي للأقضية والنواحي".

واعتبر النائب،أن "الوضع في البصرة مأساوي وكارثي والحديث عنه بات يشكل دعاية انتخابية فقط، ولكن في حال استمرار الوضع وقيام النواب بفضح تفاصيل العقود والتدخلات والهيمنة الحاصلة، فلن يسكت الشعب البصري ويثور بوجه الجميع".

وقبل أيام، خرج العشرات من أهالي الحيانية في البصرة بتظاهرات غاضبة، أشعلوا في الإطارات لقطع الشوارع، ذلك بسبب زيادة الملوحة في الماء.

الوضع مأساوي.. لكن هناك "استصغار للأزمة"

وفي الأثناء، حذر مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة، مهدي التميمي، من خطورة الأوضاع في المحافظة نتيجة تفاقم ملف ملوحة المياه، معتبرًا أنّ "ما يجري هو تقليل واستصغار للأزمة رغم كبرها ومساوئها".

وقال التميمي لـ"ألترا عراق"، إن "المفوضية العليا لحقوق الإنسان تراقب الوضع بشكل دقيق بما يتعلق بملوحة المياه، وما يجري حقيقة هي إبادة، لأن كميات المياه غير صالحة للاستخدام"، مبينًا أن "البصرة الآن تعتمد على ما يضخ لها من نهر السويب والمحافظات مع تفاقم الملوحة في شط العرب".

وتابع أن "المحافظة شهدت نسبة أمطار جيدة في 2019 أسهمت في خفض الملوحة، لكن الوضع عاد للتفاقم بشكل كبير وما يمكن أن ينقل المحافظة نقلة نوعية ويخفف الأضرار هو الإسراع في تنفيذ مشروع محطة التحلية العملاقة في قضاء الفاو الذي تم وضع حجر الأساس له، لكن لم ينفذ وهناك مناكفات سياسية وأوضاع غير مستقرة تحول دون الشروع به".

وأوضح أنّ "المحطات الست الأخرى التي يتم الحديث عنها بمناطق متفرقة في البصرة لن تنجز قبل 4 سنوات على أقل تقدير، نتيجة الإجراءات الصعبة والمعرقلات، وفي حال وجدت إرادة لإنجازها، فسوف تنجز خلال سنتين ولكنها ليست باهمية محطة الفاو العملاقة".

ولفت التميمي إلى أن "الوضع في البصرة مأساوي ويحتاج لوقفة جادة من اجل حل مسألة الملوحة بشكل سريع وعدم تجاهله من قبل جميع الجهات المحلية والمركزية".