02-أكتوبر-2021

في لحظة تشرين تمرد البيادق على اللاعبين (Getty)

هي ليست أكثر من لعبة بالنسبة لهم، كلعبة كرة القدم أو الدومينو أو الشطرنج، لا فرق، ما دامت همومهم تنحصر بساحة الملعب وقواعد اللعبة. فهناك وداخل تلك الساحة حيث القواعد حاكمة، لا مجال للتفكير بهموم البيادق، ولا أوجاع الكرة التي تتقاذفها الأقدام. فثمَّة تنافس محموم وفوز يجب نيله وحشد الجمهور لتحقيقه. والسؤال؛ هل ستتغير اللعبة يومًا؟ هل يمكن أن يأتي يوم ينشغل فيه اللاعب قليلاً بالنظر في هموم البيادق متأملاً بحاجاتها وما تغرق فيه من جوع وأمراض وتشرد؟ طبعًا لا، لن يأتي ذلك اليوم، إلا في حال كفّت فيها البيادق عن كونها أحجارًا مسلوبة الإرادة وتمرّدت. وعندها سيتذكر اللاعب أن في الرقعة ما هو أكبر من البيادق، وأنه يلعب بمصائر بشر.

في لحظة تشرين تمردت البيادق على اللاعبين وعلى المربعات وكسرت أيادي المتحكمين بالمصير

هذا ما حدث في قمّة الانطلاقة التشرينية، ففي تلك اللحظة المتّقدة، خرجت البيادق من الرقعة وتمرّدت على اللاعبين وعلى المربعات سوْدِها وبِيضِها، وكسرت، أو كادت، أيادي المتحكمين بالمصير. ما أريد قوله إن القواعد في لعبة السياسة لا تختلف كثيرًا عن غيرها من الألعاب، فهي الأخرى لعبةٌ تَفْصِل بين مجموعة متحكمين من جهة، ومجموعة بيادق أو كرات أو قطع دومينو، من جهة أخرى. لكن هناك فرق بين لعبة السياسة وبقية الألعاب، يكمن بأن الأولى لا تنتهي أبدًا، بخلاف الثانية، فالَّلعب فيها متواصل ومستمر وهي، في العراق بالذات، عبارة عن مجموعة من الأشواط، تتّخذ صيغة دائرية، تبدأ بشوط التنافس الدعائي، ثم شوط التزوير والتلاعب بالنتائج، ثم تقاسُم المقاعد، ثم تقاسم الرئاسات الثلاث ورئاسات اللجان وعضويتها، ثم إعادة احتساب وتدوير الدرجات الوظيفيّة الخاصة والعامَّة. ثم التفرغ للدخول بالشوط الطويل الخاص بجني الأرباح والذي يستمر لأربع سنوات يُكمل فيها كل لاعب حصاده ويكون قد جمع في بيادقه من الأرباح والمغانم ما يجعله مستعدًّا لخوض المنافسة، لكن وفق ترتيب جديد يستند إلى الدرك الذي تمكن من النزول إليه في الفساد واللصوصيّة والإجرام.

اقرأ/ي أيضًا: عامان وتشرين على قيد الحياة.. عصارة احتجاج فضح "التشيّع السلطوي"

طيب فهل هناك فارق آخر بين لعبة السياسة وبقيّة الألعاب؟ نعم؛ هناك الفارق الأهم، ففي الألعاب العاديّة لا تقع الخسارة إلا على اللاعب، أما "الملعوب بهم" فمجرد قطع صمّاء. لكن في لعبة السياسة يكون الموضوع مختلفًا، فهنا الملعوب بهم بشر، أطفال وصبيان وشباب ونساء وفتيات ورجال ووو.. لدى كل من هؤلاء مشاعر وأحاسيس ومصالح ومخطّطات وحاجات. لديهم إنسانيتهم المحترمة عند ذوي الضمائر الحيَّة، الإنسانية التي لا يمكن أن تتحول إلى لعبة إلا عند فاقدي الأخلاق وملوثي الضمير والوجدان.

بين البيادق واللاعبين ليس ثمّة ارتباط عاطفي من أي نوع. لكن بين الناخبين واللاعبين الكبار يوجد مثل هذا الارتباط، والمحزن أنه ارتباط من طرف واحد وباتجاه صاعد فقط. يصعد من الناخبين إلى اللاعبين لكنه لا يتّخذ مسارًا نازلاً من الأسياد باتجاه الرقعة وما يدور فيها وعليها. إذ لا يمكن أن يكترث اللاعب بآلاف من الناخبين لا يعرف عنهم ألا عددهم المُتوقع ثم العدد الذي يعمل على أن يصلوا إليه. اللاعب مشغول بالتنافس مع بقيَّة اللاعبين، هو بالكاد يستطيع الاتصال والتواصل مع مجموعة أدواته في اللعب، أولئك الذين يتولون التحكم بناخبيه والسيطرة عليهم وتوجيههم، الأدوات التي يعرفها بحكم اضطراره إلى تقاسم بعض المغانم معها. أما بقيّة الحشود فهم مجرد أرقام يجب تحويلها إلى أصوات ثم مقاعد ثم حقائب وزارية وشركات وعقود وهمية.

لعبة السياسة لعبة هتلرية بامتياز، يجلس في نهايتها اللاعب الكبير ليكتب باندهاش وسخرية، عن سهولة التحكم بالرقعة عندما تكتظ داخلها البيادق من دون إرادة، ويلوح لها هو من عليائه.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العجلات تطأ أراضي تشرين "المحرمة" بعد عام.. ما هي السيناريوهات الجديدة؟

حشود تطلب القصاص.. "عاصمة تشرين" تغص بأفواج "التكتك" وصور الضحايا