12-مايو-2022
سومرية

نحت بارز يمثل شمشي أدد ملك لارسا وهو ينتصر على أعدائه (متحف اللوفر)

تعد دويلة لارسا السومرية التي تقع آثارها اليوم في محافظة ذي قار وتسمى محليًا بـ"تلال السنكرة" من الدويلات التي لعبت دورًا بارزًا في بناء العراق القديم منذ  العصر البابلي القديم (2004-1594ق.م)  والعهد الأكدي (نحو2340-2198 ق.م) ثم جزءًا من دولة أور في  عصر سلالة أور الثالثة (2113 ـ 2004). وبعد تدهور دولة أور برزت لارسا وسطع نجمها مع  سيطر (نابلانوم) أحد الشيوخ الأموريين على حكم لارسا ونالت استقلالها.

سلطت الدراسة الفرنسية الضوء على شخص غامض اسمه "كودر ـ مابوك" الذي يظهر  على نقوش سومرية عديدة

وفي دراسة حديثة كتبها المؤرخ الفرنسي (بابتست فييت) سلّط فيها الضوء على صعود واحدة من الشخصيات الغامضة في تاريخ العراق القديم، إذ أنّ الثلث الثاني من القرن التاسع عشر قبل الميلاد، شهدت "مملكة لارسا مرحلة مضطربة سياسيًا"، وخلال هذه الفترة ظهر شخص غامض اسمه كودر-مابوك الذي بدأ حياته السياسية في عهد الملك سين ـ أدد  (1849-1843 قبل الميلاد) ولكن بعد عقد من الزمان فقط، كان شاهدًا على  اعتلاء ولديه  وارد - سين (1834-1823 قبل الميلاد) وريم - سين (1822-1763 قبل الميلاد) على عرش لارسا. 

وتبدأ قصة هذا الرجل الغامض في عهد  آخر سلالة الملك (نور أداد)  إذ يأتي ذكر كودر - مابوك في  الوثائق الإدارية الخاصة بالبلاط الملكي، وفي واحدة من هذه الوثائق و المؤرخة في السنة الأخيرة من حياة  الملك سين - إيدنام  في عام (1843 قبل الميلاد) يظهر كودر - مابوك جنبًا إلى جنب مع الناعيات من النسوة في الجنازة الملكية التي ربما تكون جنازة سين - إيدنام نفسه، الاسم الذي يحمله كودر-مابوك هو اسم عيلامي ويعني ( الإله مبوك هو الحامي) كذلك ابنته (مانزي – وارتش) ووالده (شمتي شيلهالك) هي أسماء عيلامية بامتياز لكن، تاريخ العائلة السابق ظل مجهولًا لغاية اللحظة. 

لارسا
لوح  من الصلصال مكتوب بالأكدية من قبل كودور مابوك/ حوالي  1825 قبل الميلاد في متحف اللوفر ـ باريس

أما صعود نجم كودر-مابوك، فكان في نهاية سلالة "نور أداد"، عندما توفي الملك سين إيدينام بسبب الطاعون الذي أصاب لارسا عام 1843 ق.م، وكانت محاطة بالأعداء، وهي تفاصيل جاءت عبر نصين لصلاتين موجهتين إلى الإله شمش وأخرى إلى الآلهة نن سينا (آلهة الشفاء) كتبهما الملك سين إيدينام، ولم يكن ابن سين إيدينام من اعتلى العرش بعد ابيه، بل  جاء سن-إريبام  ابن (جاييش رابي) في الفترة من (1842 إلى 1841 قبل الميلاد) ثم حل مكانه ابنه سن-إقيشام لمدة خمس سنوات (1840-1836 قبل الميلاد) قبل أن يعتلي  سيلي أدد العرش لمدة تسعة أشهر ويفقده عقب هجوم أعداء لارسا عليها، وخلال ذلك ظهر  كودر-مابوك كقائد شجاع في معركة  الاستيلاء على مقاطعة مشكان- شابير (تقع إلى الشمال من مدينة نفر – نيبور  الأثرية) حيث تؤكد بعض المصادر على أن مشكان شابير أصبحت العاصمة الثانية لدويلة لارسا في فترة ما من عهد الملك ريم سن (1822-1763 قبل الميلاد).

يذكر نقش يعود إلى كودر-مابوك الهجوم على معبد الإله شمش في وسط لارسا، و الذي ربما يبدو  السبب في سقوط الملك سيلي أداد، حيث كانت هجمات أخرى بمثابة بداية لعهد نور أدد (ابن كودر-مابوك) وهي هجمات من قبل قوات مدينة كالزو (كازالو ذكرت في  المصادر الأكدية كمدينة تقع قرب بابل). أيضًا كان هنالك تمرد الذي قاده شخص يدعى  سيلي عشتار في مدينة  مشكان- شابير. 

لم يعتلي كودر-مابوك  العرش، رغم أنه كان لا يزال على قيد الحياة عندما تُوج أبناؤه، ومن المحتمل أن تكون وفاته قد حدثت خلال السنة الرابعة من حكم ابنه ريم سين، لكنه ظهر بشكل  كبير في النقوش التذكارية التي تعود إلى عهد ورد سين وبداية عهد ريم سين.  

نحت
لوح أساس حجري باللغة السومرية وهو من بناء معبد الإلهة نانايا على يد كودور مابوك 1820 قبل الميلاد. متحف اللوفر ـ باريس

السؤال المهم الذي جال في ذهن المؤرخين: لماذا لم يعتلي كودر-مابوك  العرش و يتوج نفسه ملكًا؟ يفترض البرفسور بيوتر شتاينكيلر من جامعة هارفرد الأمريكية فرضية مقنعة، حيث يرى أن ورد سين وريم سين كانوا أحفادًا لملك نور أدد عبر أميرة تزوجها كودر-مابوك، ومن هنا كانت شرعيتهم في الحكم قائمة على صلة الدم، وهو أمر يفتقر إليه كودر-مابوك الذي أظهرته النقوش بامتيازات ملك حاكم، فقد عين ابنته أن آني دو (من المحتمل مانزي – وارتش) كاهنة في معبد إله القمر  نانا  في أور  عام 1829 قبل الميلاد، وهو تقليد ملكي يعود للحقبة الأكدية، وصورته الرسوم وهو يضع قدمه على رأس سيلي عشتار المتمرد في مشكان شابير، و هو تقليد ملكي أيضًا يظهرهم وهم يسحقون أعدائهم.

النقش نفسه وضع كلمة (لوكال LUGAL) التي تعني الملك أمام اسم كودور ـ مبوك، لكن قوائم الملوك في لارسا لم تأت على ذكره، ومن خلال تفحص حياة كودر-مابوك يمكن للمرء أن يفترض أن أصله العيلامي لم يكن عائقًا أمام طموحه وإخلاصه وأمانته. 

دلالات: