19-ديسمبر-2019

أعادت انتفاضة تشرين للشعر العراقي بشقيه ـ الشعبي والفصيح ـ حضوره بين الناس من جديد (Getty)

"إنها الثورة العربية الوحيدة الحديثة التي يتقدم فيها الشعراء الشباب، والمثقفين الشباب الصفوف الأولى"، هكذا وصف الشاعر الفلسطيني فخري رطروط، ثورة تشرين الأول/أكتوبر العراقية، إذ إن معظم الشعراء الشباب هم اليوم في الواجهة، فمنهم من يسعف الجرحى ومنهم من يقدم الدعم اللوجستي، ومنهم من يوثق أحداث الثورة ويتلقى الرصاص في صدره، فضلًا عن كتابة القصائد التي سوف تخلّد مع خلود هذه الثورة.

أعادت انتفاضة تشرين للشعر العراقي بشقيه ـ الشعبي والفصيح ـ حضوره بين الناس من جديد، بعد أن كان أسيرًا في غرف الأيديولوجيات الدينية والسياسية

يقول الشعراء إن انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر أعادت للشعر العراقي بشقيه ـ الشعبي والفصيح ـ حضوره من جديد، بعد أن كان أسيرًا في غرف الأيديولوجيات الدينية والسياسية، وبذلك برزت عدة مصطلحات تسخر من الشعر والشعراء، مثل "شعراء السلطة" و"إساكفيو الشعر" و"شعراء البرّانيات" (الشعراء الذين يكتبون الشعر في مديح رجال الدين وقادة الميليشيات) حتى فقد الشعر والشعراء الحقيقيون مكانتهم في المجتمع حيث أن الخط العام للشاعر يؤشر إلى أنهم منحازون للسلطة ويعملون في مؤسساتها. لذلك أصبح الشاعر متهمًا فيما يقول ويفعل.

اقرأ/ي أيضًا: أغاني الانتفاضة العراقية.. ألهبت الحماس وأعلنت رسائل الاحتجاج

لكن ما إن جاءت ثورة تشرين الأول/أكتوبر عاد كل شيء إلى مكانه الحقيقي ومن بينها الشعر العراقي الذي قال فيه محمود درويش، إن "الشِّعْرَ يُولَدُ في العراقِ، فكُنْ عراقيًّا لتصبح شاعرًا يا صاحبي"، فبرزت صورة أخرى للشاعر العراقي بوصفه ثائرًا لم "يتلوّث" قلمه بمديح السلطة وما يتصل بها، بحسب الشعراء، وأصبحت ساحات الاحتجاج المنصة الحقيقية للشاعر بين الشباب المنتفض، فيما يتعرّض هذا الشاعر بالوقت نفسه إلى وسائل القمع عبر الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والصوتية، وهو ما يترجمه قول الشاعر العراقي مظفر النواب، إن "الشاعر منتميًا للجياع وللناس التي رفعت قهرها هرمًا".

إن القصائد التي كتبت ولا تزال تُكتب عن انتفاضة تشرين لا يمكن أن يجمعها كتابٌ واحد فضلًا عن مقال، فهي من أكثر الانتفاضات في العراق التي ألهمت هذا العدد الكبير من الشعراء لكتابة قصائدهم، مؤسسةً لجيل جديد يشبه وطنه ويعيش همومه، ويكون في صف الشعب دائمًا وأبدًا متخلصًا من كل عقد الماضي والتبعات الثقافية والسياسية، مطالبًا بالحرية والعدالة الاجتماعية.

اختار "ألترا عراق" مجموعة من القصائد التي كتبت من وحي احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر، لشعراء من مختلف محافظات العراق، إليكم تفاصيلها: 


كاظم خنجرـ بابل

نحن لا نعلق الجثث

نرفعها عن الأرض فقط

نمنحها فرصة أخيرة للطيران

نحن لا نعلق الجثث

لكن بعض الجثث تتبرع لتكون عبرة ودرسًا تطبيقيًا في الندم

نحن لا نعلق الجثث

و كل ما في الأمر

نرفع بندولًا بشريًا

عسى أن يتحرك الزمن بنا

نحن لا نعلق الجثث

وأحيانًا نحب أن نُدفن في الهواء

والعيون العابرة.


ميثم راضي/ ميسان

هؤلاء الأولاد ماتوا جيدًا..

ماتوا بكل قوتهم

وسيستمرون هكذا.. موتى للأبد

حتى عندما تأتي القيامة: لن ينهضوا من قبورهم

عندما يُنفخ في البوق..

وستحتار الملائكة بهم ويجربون معهم كل الطرق ليعودوا للحياة مرة أخرى ولكنهم لن يفعلوا

سيبقى هؤلاء الأولاد موتى للأبد..

إلا إذا..

عُزف لهم ببوق القيامة: النشيد الوطني.


مؤيد نجرس/ القادسية

والآن يا أُمي

ويا أبتي ويا وطني المعلّقُ في يد الأقدار

لي رمقٌ على الإسفَلّتِ سالْ

وتَفتّحتْ من صوتي المبتل بالبسطاء ِ

بالفقراءِ بالشهداءِ

أَرزاقٌ لتَبتَسمَ السِلالْ..

من ساحة َ التحرير.. حتى طينِ موطنِنا الحَلالْ.


ميثم عبد الجبار/ كربلاء

سيومض في البعيد ضوء

نركض له حزانى،

متعثرين،

دامعين

كما فعلنا ونحن نركض لأول مرّة نحو آبائنا

فيتلقفونا بحنو الآلهة.

لن نموت بهذه الطريقة

 رغم إنّا جُرحنا طويلًا

فقدنا عيوننا في المعارك

وأطرافنا في النزاعات

رغم إنّا فقدنا حبيباتنا على جسور بعيدة

 وما عاد لهذا من معنى

 لن نموت بهذه الطريقة وإن كان لا بد فلن نموت إلا كآلهة.


نور درويش/ بغداد

بعد الآن الأمهات

سيُعلمن الأبناء

كيف يمضغون القنابل

 أو يبلعونها..

كيف يفتحون العيون لدخانها

الآباء سيوفرون كمية لا بأس بها

من القنابل الدخانية في البراد..

يوم الجمعة سيكون يوم ثقب رؤوس العائلة تحسبا للقنبلة.


سراج محمد/ البصرة

لستم حديدًا لكي نهوي

فنطرقكم

سترحلون بهمس الرفض

 لا الطرقِ

قولوا لمرساة قاصيكم

ودانيكم

أن لا تحدّثَ غرقانا عن العمقِ

ما عاد فِرعون.. 

موسى لم يعد ولدًا

وأختُه الآن

في التحرير تستلقي

تنهى الأدلاءَ

عن أمٍّ ومرضعةٍ

لأنّ كلَّ العراقيّات في سبقِ

قد جاء يحمل أوطانًا

وأرغفةً

وكاد يصمتُ لولا

 واعزُ النُطقِ

مما رآه على ( التركيِّ ) مرتبكًا

فأوجسَ الوطنَ المعجونَ بالصدقِ

وحدّث اللهَ عن بغدادَ،

عن رُسلٍ

قد سطّروا وحيَهم في بابها الشرقي

عن ابنِ ثنوة

عن أولادها وهم

طبق القيامة

لا تذري ولا تبقي

فقال ياربُّ

مالي والعصا بيدي؟

إني أرى البحرَ

دربًا

 دونما شقِّ!

آنستُ نارك في الشبّانِ

في نفقٍ

على الفتوق التي ملّت من

الرتقِ

فقلتُ يا أهلُ:

قوموا

لا مكوثَ لكم

إن العراقَ كإبراهيمَ في الحرقِ.


عباس ثائر/ ذي قار

سقطت ذراعكَ

وذراعي أيضًا

سقطت قدمكَ

وقدمي أيضًا

سقط رأسي ورأسك أيضًا

تعال نحملنا، أو نحمل ما تبقى منا.

لكن قل لي:

كيف يحمل قتلى الناصريّة؟

يقولون: أجسادنا ثقيلة؛ نعم، كانت

الأفكار تُثقلها!

أين يوضع من يموت هناك

وقد سافرت توابيتنا، أو أنها حزنًا

ماتت

على خالقها؟


عامر الطيب/ واسط

كثرت كلمات الموت على لساني

لكنكِ تعرفين أن العراق مكان مربك

لعاشقَين

لذلك أحاول أن أحبك صامتًا ومنعزلًا

وحذرًا من أقول لك شيئًا صغيرًا

عن الحب

فيموت واحدٌ منا.


صالح رحيم/ السماوة

لا فرق بين

أن تموت مثل صفاء السراي

أو هيثم المصلوب في ساحة الوثبة

أو مثل صاحب الرأس المفتوح،

أو مثل علي بن أبي طالب

أو مثل عبد الله الرضيع ومصطفى العذاري،

الموت هو الموت

في العراق والسودان

في اليمن أو في الجزائر

في منطقة القبلة أو في نيويورك

لا فرق أبدًا،

مرعبٌ عالم الموتى في كل مكان

مرعبٌ وغريب،

ولو زرته بصحبتي لساعة أو ساعتين

فإنني سأكتب قصيدة غريبة هناك

عن قطعة لحم نائمة في سن

لن أجازف بالكتابة عن الموت

أو الحياة،

وحين أُبعث من قبري بعد ساعة أو ساعتين

سأكتب قصيدة غريبة

عن قطعة لحم نائمة في سن

لن أكتب عن الموت.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار| سنان حسين: غرافيتي التحرير مثل الثورة.. لن يموت

الشهيد القائد