31-ديسمبر-2019

المتظاهرون وضعوا شجرة الميلاد في ساحة التحرير وعليها صور الضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات (Getty)

منذ بدأت الأوضاع الأمنية تتحسن في العاصمة بغداد، بعد سنوات الاقتتال الطائفي والتفجيرات المتواصلة التي لا تعرف طريقًا واحدًا إلا الفتك بالمواطنين العُزّل، باتت مظاهر الاحتفال بمناسبات الأعياد أو المناسبات الرياضية وغيرها، أو حتى دون مناسبة، خروجًا عن الضغط الذي عاشه العراقيون طيلة الفترة الماضية. وتستمر الاحتفالات حتى ساعات متأخرة من الليل، تغص الشوارع في الأعياد بالمركبات التي تحمل العائلات العراقية، التي لا تحظى بالكثير من أماكن الترفيه والأوقات المناسبة للفرح وسط الشدائد المتوالية على البلاد منذ عقود.

تزامنت أعياد رأس السنة الميلادية مع استمرار الاعتصامات والتظاهرات الشعبية التي خلّفت آلاف الضحايا بين قتلى وجرحى

مع تحسن الوضع الأمني والأجواء المهيّئة للاحتفال، كان السواد الأعظم من المسيحيين قد غادر البلاد منذ بدء الحصار الاقتصادي على العراق عام 1991، مرورًا باحتلال العراق، والحرب الأهلية، ثم حادثة كنيسة النجاة الأليمة، حتى احتلال تنظيم الدولة "داعش" لأراضٍ عراقية. هاجر المسيحيون صوب الغرب، فيما نزح آخرون داخل البلاد، واستقر الكثيرون شمال العراق، في أربيل ودهوك والقرى المحسوبة على إقليم كردستان وخارجه.

اقرأ/ي أيضًا: عروض مسرحية وأشجار تحمل صور ضحايا الاحتجاجات.. العام الجديد في ساحات التظاهر

مع عطش العراقيين للفرح، أصبح الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية  ظاهرة طبيعية، فاعلها الأساس هُم غالبية الشعب المسلمة، مشاركةً لنظرائهم المسيحيين، وتنفيسًا عن الأيام العصيبة المستمرة في البلاد.

تزامنت أعياد رأس السنة الميلادية سابقًا مع شهر محرم أو أربعينية الإمام الحسين، حيث تسود الشعائر والطقوس وحالة الحزن في البلاد، الأمر الذي يوجب على السلطات الروحية المسيحية إلغاء الاحتفالات بتلك الأعياد. لكن عام 2019 كان مختلفًا عن سابقيه. إذ تزامنت الأعياد التي تنطلق منذ 25 كانون الأول/ديسمبر حتى دوران السنة، مع استمرار الاعتصامات والتظاهرات الشعبية، التي خلّفت آلاف الضحايا بين شهداء وجرحى، قوبلوا بتضامن شعبي غير مسبوق من كافة الطوائف والقوميات والطبقات الاجتماعية.

في 19 كانون الأول/ديسمبر أعلنت البطريركية الكلدانية في العراق، إلغاء قداس ليلة عيد الميلاد في عموم كنائس العاصمة بغداد "نظرًا للأوضاع الحالية والأمنية الحساسة في العاصمة".

ورغم إلغائه "كل مظاهر الاحتفالات كالحفلات الاجتماعية والزينات والتهاني الرسمية احترامًا لدماء الشهداء والجرحى وتضامنًا مع عائلاتهم"، في وقت سابق، قال بطريرك الكلدان الكردينال لويس رفائيل ساكو: "سيحتفل بالقداس نهار العيد الأربعاء 25 كانون الأول/ديسمبر، حيث ترفع الصلوات من أجل إيجاد حل مشرف للأزمة القائمة، وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وفيه نتشفع بالدعاء ترحمًا على أرواح الضحايا من المتظاهرين وقوات الأمن ولأجل الشفاء العاجل للجرحى".

تعلّق لونا فريد، وهي مسيحية تسكن العاصمة بغداد، على ذلك بالقول: "ذهبت إلى الكنيسة بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر مساءً وفي تصوري أن هناك قداسًا لليلة الميلاد سيكون، لكني وللأسف لم أجد ذلك"، وتضيف في حديث لـ"ألترا عراق": "كنت أتمنى من أصحاب القرار عدم إلغاء قداس ليلة الميلاد، كونه مجرد صلاة، ولا أتصور أن أحدًا سيُبالغ في الاحتفال".

تعتبر مظاهر الاحتفال في رأس السنة الميلادية المنتشرة في ساحة التحرير استمرارًا للنهج الذي اعتاده العراقيون المسلمون في مشاركة المسيحيين أعيادهم 

في ساحة التحرير، المشهد يعكس ما حدث منذ 1 تشرين الأول حتى الأيام الأخيرة من العام. صور الشهداء، وأسماؤهم، وملابس بعضهم، وبقايا القنابل الغازية والصوتية والرصاص تتوزع على الخيم الموجودة في الساحة ومقترباتها، أضيفت لاحقًا لها أشجار عيد الميلاد، التي زُيّنت بصور الضحايا، كما انتشرت ملابس "سانتا كلوز"، بعضهم اختار اللون الأسود بدل الأحمر تعبيرًا عن الحزن. وتبقى مظاهر الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية المنتشرة في ساحة التحرير تمثل استمرارًا للنهج الذي اعتاده العراقيون في مشاركة المسلمين للمسيحيين أعيادهم الشتوية خاصةً بعد عمليات التهجير التي طالتهم في سهل نينوى وغيره من المناطق بعد سيطرة تنظيم داعش على أراضيهم.

اقرأ/ي أيضًا: بطريركية الكلدان تلغي قداديس ليلة الميلاد: نصلي من أجل العراق

تقول لونا فريد: "شعرت بأن الأصدقاء والمعارف (المسلمين) لديهم رغبة في الاحتفال أكثر من عندنا. يُريدون فرصةً للفرح"، وعن عائلتها تقول فريد: "نصبنا شجرتنا في البيت. نعتبر عيد ميلاد السيد المسيح فرحة ورجاء، وذلك لا يمنع وجود غصة في القلب على الشهداء الشباب". وعبرت فريد عن فرحتها بشجرة "الكريسماس" في ساحة التحرير، التي حملت صور الشهداء، والأخرى التي زُيّنت بالأعلام العراقية. تقول: "نحمد الله، لم تعد الناس تفرق، الجميع أصبحوا يدًا واحدة".

فيما تعبر عن أمنياتها بأن تكون السنة القادمة أفضل للشعب العراقي الذي تعب مما يُعانيه، وتصف الفرحة الحقيقية للعيد بأنها "حين نشعر بأن المسؤوليين الذين مسكوا زمام الأمور في البلاد هم فعلًا محبون لها".

أما مارلين أوديشو، وهي سيدة مسيحيّة تسكن السويد، فتقول: "لا يوجد شيء اسمه الفرح عندنا حتى ونحن هنا (تقصد السويد). الشهداء يتساقطون في العراق، ويتمالكنا الحزن على ما يجري في بلادنا".

تشدد أوديشو في حديث لـ"ألترا عراق" على عدم استعدادهم للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، حتى وهم بعيدون عن بلادهم، وتقول: "نصلي لأجل أن يعم الأمن والسلام في عراقنا العزيز".

تقول سيدة مسيحية إن الفرحة الحقيقية للعيد حين يكون المسؤولون الذين مسكوا زمام الأمور في البلاد هم فعلًا محبون للبلاد 

بالإضافة إلى الأحداث الدامية، وضحايا انتفاضة تشرين من شهداء وجرحى، هناك ما يجعل الفرحة بالعيد منقوصة عند الجميع، بحسب وصف لونا فريد، إذ إن "أغلب الأهل أصبحوا مشتتين بين الدول"، فيما تختم بقولها، إن "انخفاض عدد المسيحيين بشكل كبير بعد عام 2014 يجعل الفرحة منقوصة دائمًا".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صور| "شهداء التظاهرات" أجراسٌ للميلاد.. "كريسماس" احتجاجي في بغداد

البابا فرنسيس يوجه رسالة للحكومة العراقية: أصغوا إلى صرخة الشعب!