08-مارس-2020

في قراطيسِ الألمِ قرأنا أسماءنا وكمْ تمنينا لو أننا بلا أسماء (Getty)

أسماؤنا مكتوبةٌ أبدًا في قراطيسِ الألم.

بآذاننا نسمعُ صخبَ العالمِ يتدحرجُ في المهوى الشاسعِ دونَ دموعٍ، وبأعينِنا الكليلةِ نبصرُ، كلّما كَبُرْنا، بهتانًا تلوَ بهتانٍ ورعبًا يهدهدُ هذا الكوكبَ الذي نتخاطرُ فوقه بظلالِنا الكثيفةِ.

فنحن في الوجود.

في قراطيسِ الألمِ قرأنا أسماءنا وكمْ تمنينا لو أننا بلا أسماء، وَدّدْنا لو أنّ هذه الصحائفَ المنشورةَ أغفلتْنا، أو لو أننا سطونا عليها ومحونا منها كلَّ اسمٍ ورسمٍ لنا ... لكنْ

أكنا سننجو؟

لو لم نوجدْ أكانت ستحلُّ علينا نعمةُ العدمِ التي آمنّا بها سوادًا على بياض دونَ أن نتدبّرَ الأمر، دون أن نعرف العدمَ، فنحن لمّا نزلْ في الوجودِ؛ والنعمةُ الوحيدةُ القادرون على أداءِ شكرِها نعمةُ أنْ نوجدَ ونتألمَ.

وإلهُنا؟

أيُّ إلهٍ لنا؟

الالهُ الأوحدُ الذي عفّرنا له الجباهَ ليس إلهَ اللاشيء، بلْ ذلك الذي لا يكفُّ عن الإيجاد، هو الذي دوّن أسماءَنا في قراطيسهِ الأليمةِ مرةً والى الأبد.

وبعدُ ...

أيّةُ نسماتٍ عِذابٍ كانتْ ستنعشُ عدمَنا لو لم نكنْ؟

أيّ برقٍ خلّبٍ أضاءَ لنا وجوهنا التي لم توجدْ؟

لا شيء

لأنه ما من شيء في العدم. ليس سوى خرابِ الآمادِ يرفُّ على هذا التُخمِ الذي نَحْنُ عنه غائبون، وغائبٌ عنه الليلُ والنهارُ، والسعادةُ وشقيقها الألمُ غائبانِ عنه كذلك.

لكننا ننسى

لفرطِ ألمِنا ننسى، وإلّا ما بالنا نكون في الشيء ونتنكّرُ له؟ ولماذا، ما أن يطأَ الألمُ عتبةَ بيوتِنا حتى نشهق حنينًا الى العدم: "يا ليتني متُّ قبلَ هذا" قالتْ مريمُ وهي تضع وليدَها الحيَّ، محيي الأموات.

و "يا ليتني متُّ" يلهجُ بها لسانُ كلّ متألمٍ قبلَ أن يأتيَه نداءُ (لا تحزنْ)، قبلَ أن يبصرَ بعينهِ الكليلةِ النخلةَ وسطَ البيت، نخلتَه التي إذا هزّها تساقطتْ عليه لطائفُ كلِّ شيءٍ.

والآن اسمعْني

أنا أجهل كلَّ شيءٍ عنك أيها العدمُ. وأعرفُ أن أمرًا لا أباشره إلا بجهلي حريٌّ به أن يكون الشرَّ المقيمَ. أجهلُك، وإذا ما طلبتُك يومًا وأنا أتقلّبُ على سريرِ الألمِ فلستُ إيّاك أريدُ، ولا في نَيلِكَ راغبٌ، بلْ جهلي الذي أجهلُك به؛ يدعوكَ من قرارتهِ لتتلقّفَه، فخذْهُ وأتركْ لي عذاب الجهاتِ كلّها، دعْ لعينيَ الكليلةِ هذه أنْ تبصرَ النخلةَ الطالعةَ الآن من منبتِ اليأس، من أصلِ أصولِ الأنينِ، سامقةً تنتظر اليدَ التي تهزّها.

أنظرْ الى جهلي الذي أجهلُك به؛ كيف يزهقُ تحت ضرباتِ هذا المعولِ المقدّسِ، إنه زاهقٌ في توالي طعناتِ الوجودِ الأليمةِ، زاهقٌ ويحنُّ إلى بيتهِ، إلى مكمنهِ الأليف، يحنّ إليكَ أيها العدمُ، إذْ أنتَ مألفُ كلِّ باطلٍ، وأراضيكَ البورُ أراضيه.

 موطنُ لا شيء أنتَ، بلادُ لا أحد.

أما أنا

فالسلامُ على ألمي أحملُه كرهًا وأضعه كرهًا،

سلام على الحيّ فيّ

على حروفِ اسمي في الرقومِ المسطرات.

وغدًا إذا ما متُّ، أتركْ لي يا ربُّ قطعةً من فجرٍ كنت أتلوّعُ فيه، هَبْ لي ضَنكًا وحيرةً أعرف منهما أني موجودٌ، وإذا تلطفتَ فامنحني كسرةَ ليلٍ أسكنُ فيها، وشمسًا في الغيابِ تنتظر.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار شخصي مع النشيد الوطني

الأرض لك

دلالات: