12-أغسطس-2015

عضو مليشيا الحشد الشعبي رامبو العراق "أبو عزرائيل"

"الجندي المجهول" الصرح الذي يختزل البطولات الفردية يعود تاريخه المعاصر إلى منتصف القرن التاسع عشر، كتخليد رمزي للبطولات الفرديّة المنسيّة، إلا أن هذا الحضور للبطل والرمز المرتبط به تطوّر واختلفت أساليب مقاربته، وبدأت فكرة المجهول/ الغياب بالتضاؤل، ووصلت إلى حد تحول صور الأرجنتيني تشي غيفارا مثلًا إلى "موتيف" يستدعي الصورة النمطية الخاصة بالبطل. نهايةً اكتسبت هذه الأيقونة قيمة تبادليّة/ استهلاكية لدرجة أنها تنتشر على كوب القهوة وعلّاقة المفاتيح.

تطورت تقنية صناعة البطل بسبب انتشار الشاشات وتبادل الصور

أمّا اليوم وبسبب انتشار الشاشات وتبادل الصور، تطورت تقنية صناعة هذا البطل، واستبدلت بفيتشر إخباري أو فيلم على هاتف نقّال، والتخييل الذي تصنعه التقنيات السابقة ولّد ما يمكن تسميته بـ"البطل الرومانسي"، فالصورة التي تروّجها وسائل الإعلام، وأحيانًا الأدب، المكتوب ضمن هذه الفترة، للبطل الرومانسي هي في جوهرها صورة مكثّفة للحالة الإنسانيّة، ويرتبط ذلك بطبيعة الرومانسية كمذهب أدبي من ناحية، والتي لم تقدم ما يذكر للفن المسرحي كفن مثلًا، بوصفها تعتمد على الانفعالات الذاتية لا الفعل الذي يسعى لدفع الدراما، وفي الحالة الراهنة البطل الذي يسعى للتغير، يمكن أن ينسحب ذلك على الصورة في وسائل الإعلام لهؤلاء الأبطال، ذلك عبر الترويج لتفاصيلهم اليوميّة والحميميّة وبطولاتهم.

ولعل أهم ما يميز هؤلاء الأبطال وهذه الخصائص المشتركة بينهم سواء في الأدب أو وسائل الإعلام، هي أنهم لا يشبهوننا، هم إنسانيون بصورة فائقة، وحشيون بصورة فائقة، متفانون بصورة فائقة، فالرومانسية أدبيًا قدمت نماذج إنسانية لا تشبه البشر، إذ اشتغلت على بشرٍ متفوقين عاطفيًا ومتفانين حد الحماقة أحيانًاً، فهؤلاء لا يشبهون البشر لأنهم من صنع الخيال. 

ما نراه الآن وعلى امتداد المنطقة من قبل كل الأطراف المتصارعة هو خلق، بصورة أدق تكثيف، لصفات بطوليّة ضمن شخص واحد وضمن حادثة فرديّة، لكن الفرق أنّه بإمكاننا التعرف عليه عبر الشاشة والكاميرا لا عبر منطق الجندي المجهول، فدولة الإسلام تصنع هذه النماذج كالملاكم التايلندي الذي انضم لها أو عبر أفلامها المتعددة، والنظام السوري يخلق المئات من هذه النماذج لجنوده، أما الأكثر إثارة وتمثيلًا للفكرة السابقة فهو رامبو العراقي الذي يتوعد دولة الإسلام بالدمار.

هؤلاء الأبطال هم أقرب لنماذج تستدعي المحاكاة تزرعها وسائل الإعلام لترسخ نموذج البطل المتفاني، وكأنه الوحيد، المفقودون والأقل بطولة محكومون بالنسيان، كحالة الأدب والشخصيات المهمشة التي تٌنسى ضمن النص، الصورة المقدمة ساحرة عن هؤلاء الأبطال، والنزعة للتشبه بهم حاضرة، لكن لم الكراهية؟

اقرأ/ي أيضًا: بغداد.. سلام وعزف و"كاتيوشا"

لأنهم تكثيف لما هو واقعي، بحيث يتجاوزون الواقع، ويصبح من المستحيل محاكاتهم، وبصورة تشابه الرؤية الاستشراقية، هناك صور تشكّل لأبطال في سبيل محاكاة الصورة لا الواقع، وهذا ما يفقد هؤلاء الأبطال قيمتهم الواقعية، ويتحولون لأيقونات وقصص شعبية ساهمت وسائل الإعلام في خلقها بحيث تترسخ الصفات عوضًا عن الأفعال، ليتسللو لاحقًا إلى الأناشيد والأدب والحياة اليوميّة.

هناك صور تشكّل لأبطال في سبيل محاكاة الصورة لا الواقع

نكره هذا الرومانسي لأنه لا يشبهنا، فالآن وهنا، في زمن التحولات السريعة والسرديات المضادة وانتهاك ما هو قائم.. لم يعد من المقنع أو المجدي البحث عن مخلّص أو أسطورة أو بطل، حتى أن الأدب نفسه بدأ يستخدم تقنيات سردية ليحاكم نفسه، كما وراء السرد والسرد النرجسي في سبيل انتقاد هذه التقنيات، أما ما نراه الآن حولنا، وخصوصًا في خضم ما يحدث هو أساطير مقزّمة، المئات من الاحتمالات تدرسها وتخزنها وسائل الإعلام اليوم لخلق البطل الذي سيتحول إلى أقصوصة شعبية بسبب خبر ما، صورة ما، لكن ما مدى حقيقة مشابهته لنا، ما مدة قدرتنا على محاكاته.

نحن أمام تقنيات بصرية وسردية إعلاميّة تحاكي الواقع وتكثف أجزاءه لتصنع واقعًا مغايرًا مقزّمًا، لتكوّن أبطالًا يحيون بعدد الدقائق المتاحة لهم على الشاشة، لتتكون شخصيات تتكاثف لكي تصبح شخصية واحدة فائقة الواقعية ورومانسية صعبة المحاكاة، لكنها ستكون هدفاً للمحاكاة، التي بحد ذاتها تصنع لذة من نوع ما، لذة تقمص هذا الآخر، أشبه بخصاء الرمزي لاكتساب الفحولة عبر المحاكاة، كما أن البعض يحلم بأن يكون كشخصيات الأدب، البعض يحلم بأن يكون صورة على قميص، وحاليًا، أصبح الحلم بأن يتحول أحدهم إلى فيتشر في أحد نشرة الأخبار، حيث تطغى الحالة الفردية على الحدث وتشتت المعنى بهدف محاكاة البطل، وتكمن مرجعية المحاكاة هذه بشذرات من الواقع لتكوين صورة هذا البطل، وتكثيفها، كالنشيد الجهادي الذي يحكي سيرة المقاتل/مقاتلين لا نعرفهم لكن المجاهدين يتمنوا أن يكونوه/هم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المثقف الطائفي في العراء