20-نوفمبر-2019

شعار نريد وطنًا كانت الدلالة السيميائية له نحن نريد "الدولة" (فيسبوك)

"نريد وطن"، هذا هو أول هتاف رفعته الجماهير المنتفضة منذ 1 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وإلى الآن. وبالرغم من شاعرية وفيوضة معانيه، إلا أن مساحة تأويله ضيقة ومفهومة: نحن نريد "الدولة"، الدلالة السيميائية لهذا الشعار هي التي حققت الزخم والتكثيف وسرعة الانتقال الأعلى، بل هي الثيمة المعبرة عن كل الشعارات المرفوعة فوق رؤوس المحتجين في ساحات الاحتجاج، إذًا، لا خيار، وعن وعي تام في أدمغة المحتجين عن الدولة، الوعي الذي راهن عليه ماركس في تنظيره لحلم الثورة، يشبه عمليًا وعي المنتفضين لضرورة بناء الدولة الديمقراطية الحقيقة، إنها تستحق فعلًا وصف "وعي منتج لثورة".

شعار نريد وطنًا كانت الدلالة السيميائية له نحن نريد "الدولة" وهي الثيمة المعبرة عن كل الشعارات المرفوعة فوق رؤوس المحتجين في ساحات الاحتجاج

 منذ ثورات الربيع العربي، لم تعد الشعوب العربية تنتظر نشأة نظام سياسي ديمقراطي من خلال نظرية الفاعلين السياسيين الذين يُنتظر منهم تحرك نحو الديمقراطية وبناء دولة المواطنة  كخيار إضافة لترفهِ بالنسبة لهم، فهو كذلك متأثر بالمعادلات السياسية العالمية، لم تعد هذه النظرية لها قيمة بالنسبة لهم وهي لم تثبت نجاعتها في التجارب العالمية، دولة المواطنة الديمقراطية وحدها تُرفع كخطاب "يُفهم ضمنًا" من كل الشعارات المرفوعة في الساحات والتي نقرأها أينما نولي وجوهنا.

اقرأ/ي أيضًا: العقل الجمعي يقدّم الدروس للمثقف العراقي!

خطاب عوائق!

 عوائق التحول الديمقراطي العربي التاريخية، بما أنها خطابات استشراقية منغلقة على ذاتها، تماهت  بطريقة "لا واعية"، مع جزء كبير من فَهم الحقبة القومية للتسلط، ورثَ هذا الفهم كل من البعث والإسلام السياسي، تعينهم بذلك سرديات تاريخية ضخمة دينية وثقافية، فكرة "الراعي والرعية" مثلًا، أي الثقافة بوصفها عائقًا للتحول الديمقراطي، كأنما هذه الثقافة ذات فعل ثابت وليس حركيًا يتغير تبعًا لتراكم الخبرات الإنسانية وتطورها، وبالتالي لا وجود في سردياتهم روح جماعية تتحرك وتنتج مفاهيمها الحركية عن نفسها ومجتمعها.

 وبالتالي فإن لاوعي سياسيينا مدرك أن شرعيتهم لا تأتي كما تفترضه الديمقراطية من الشعب السياسي للدولة، بقدر ما أن شرعيتهم خارجة عن هذه المعادلة بفهمهم أن "الشعب السياسي"، هذا لا وجود له بقدر وجود باركات عصبية تاريخية طائفية وقومية موزعة جغرافيًا لهم الشرعية التاريخية في التسلط، حسب الرواية الاستشراقية التي ما برح حتى أجيال من المثقفين بإعادة إنتاجها وتصديرها كمانع نهائي للتحول تستفاد منها السلطة لتبرير شرعيتها الخارجية - المغتربة عن مفاهيم الدولة الحديثة - لفرض الهيمنة والتسلط، لا شك أن النسق الثقافي لاعب أساسي في التحول ومواجهته نقديًا، هو واجب المثقف التاريخي لضرب أي تبرير خارجي يتيح الهيمنة والتسلط.

لكن التسليم بإشكالية النسق الثقافي بوصفه أنثروبولوجيًا وسوسيولوجيًا كفاعل مانع ثابت يُغيب أي محاولة للحل ليركع بعد ذلك لجلد الذات الاجتماعية التي هي أسهل طريقة للإفلات من المأزق النظري، وهذا ما ينتج فهمًا عكسيًا وسلبيًا للإشكالية، تبقى فيه الحالة عائمة إلا من خطاب معرفي سلبي لصالح أي هيمنة، إذ هو لا يعدو كونه تبريرًا ضمنيًا لهيمنة الصورة التاريخية في الحكم، وهذا الفعل غير النقدي هو كذلك خارج وظيفة المثقف التي هي نقدية وتواصلية في الآن ذاته.

الساحات تفرض ذاتها!

لا يعترف مبدأ الساحات بكيفية فهم السلطة التقليدي لذاتها وللمجموع، كما أنها لا تؤمن بأي قيمة تمثيلية تاريخية ونسقية  للحاكم، هذا الجمهور السياسي الحقيقي هو لا يؤمن بـ"الباركات" العنصرية وطريقة تمثليها، بالتالي فلا شرعية غير ما تقوله هذه الساحات، تقول هذه الساحات نريد وطنًا، وبالتالي هي تؤشر لإشكالية الدولة وغياب مفهومها، لا تعرف هذه الساحات غير الروح الحيوية التي تمارس شتى أنواع الاحتجاج أمام الهيمنة التقليدية، هي البراكسس الذي بشر به هيغل، والذي يسبق في ساحاتنا التاريخ والنسق، ليضرب أي فهم تقليدي وأي خطاب تبريري للهيمنة العمياء.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

انتفاضة تشرين.. فرصة لتقييم الذات

الثابت والمتحوّل في احتجاجاتنا: دروس للمشرق العربي