21-مايو-2020

(ألترا عراق)

ربما يعدّ المجتمع العراقي، من أكثر المجتمعات التي تبرز فيه الظواهر الاجتماعية بعد أفول ظواهر قديمة، وذلك بسبب الحروب المتوالية والانقلابات التي عايشها أبناؤه بأوقات زمنية متقاربة، ومن أكثر الانهيارات التي تركت أثرًا كبيرًا وساهمت بإعادة هيكلته، هو التسونامي الذي ضرب السلطة الديكتاتورية وفكّك النظام السياسي، بعد احتلال العراق عام 2003، وما صاحب هذا الانهيار من حروب طائفية وإرهاب وعمليات عنف وتغييرات ديموغرافية، وسقوط مدن بالكامل وتحويلها إلى أطلال خراب، فضلًا عن تشظي الهوية الوطنية لتحل محلها الهويات العقائدية أو القبلية.

بحسب كتاب سوسيولوجيا المجتمع العراقي فإن الشخصية العراقية اليوم صارت عدوانية وانفعالية وقلقة وتتسم بالعجز المكتسب، بفعل آثار ما بعد الصدمة

وهذه التغييرات أو الهزات السياسية القت بظلالها على النظم الاجتماعية وأدت الى بروز ظواهر غريبة لم يألفها المجتمع في السابق، وأدت كذلك إلى انهيار بعض المعايير القيمية والأخلاقية، والتي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، في هذا السياق جاء كتاب (سوسيولوجيا المجتمع العراقي ما بعد 2003) للباحث الاجتماعي علي كريم السيد، والصادر عن دار الرافدين العراقية.

اقرأ/ي أيضًا: رياح الحرية والقيم الراسخة.. هل مياهنا راكدة؟

يعرج السيد في البداية إلى الفرضيات التي يضعها حول الشخصية العراقية والتي تقول إن "الشخصية العراقية اليوم صارت عدوانية وانفعالية وقلقة وتتسم بالعجز المكتسب، بفعل آثار ما بعد الصدمة، أو ما بعد الكُرب التي سببتها الحروب والإرهاب، وفشل الدولة الجديدة في تحقيق أحلام الرفاه الاجتماعي والاقتصادي كما كان منتظرًا" وفي هذا السياق يشير إلى أهم السمات التي تميز المجتمع العراقي وتطغى على مشهده اليومي وهي "الكرم ومساعدة الغرباء، والحرمان العاطفي والجنسي، ترييف المدن، والتي تعبر عن انتصار قيم البداوة وسطوتها على الفضاء الحضري المدني. 

قسم السيد كتابه على خمسة محاور الأول جاء بعنوان (الشخصية العراقية) التي يعرفها بأنها شخصية "مُعقدة، تتسم بصفات متناقضة أحيانًا"، وتتسم بالسمات الآتية: "السادية، والتسلطية، والإسقاط"، وبعد ذلك يحاول السيّد الوقوف على الأسباب والعوامل التي ساهمت بإضفاء هذه السمات على شخصية الفرد العراقي، فيشير إلى أن "الظروف الاجتماعية والسياسية، قد أسهمت بخلق المزاج الانفعالي، ولو تعرض أيّ مجتمع آخر لما تعرض له العراق، لكانت النتائج أشد وطأة، فحتى في أوروبا المتحضرة عندما يغيب القانون والعدالة؛ تشيع الفوضى والعنف وتكثر الجريمة"،  كما يلفت إلى دور ذات الظروف بخلق علة نفسية واجتماعية في الشخصية العراقية وهي (العجز المكتسب) "إذ كثيرًا ما نسمع عبارات من قبيل: "آني شعلية" أو "شنو فائدة القراءة والكتب؟"، "احنه ما تصير لنا جارة". هذه العبارات لم تأتِ من فراغ، بل لها منشأ ثقافي وتربوي واجتماعي أسهم في بروز الروح العاجزة"، كما يحاول السيد وضع مشرطه التحليلي على ظاهرة الازدواجية في عنوان فرعي "النفاق أم الازدواجية" حيث يقول إن "هذه المجتمعات المرتبكة، التي تعاني من فوضى وعدم وجود استقرار سياسي واجتماعي، وعدم وجود معايير واضحة للسلوك السوي والقانوني، تجعل من الفرد يتبنى مواقف متغيرة، من أجل الحفاظ على حياته ومكانته وعمله، ويتحول النفاق إلى نوع من التكيّف وآليات البقاء بلغة داروين!"، ثم يأتي السيد بخلاصة مهمة في نهاية المحور الأول من الكتاب، إذ يشير إلى أن "الخيط الرابط الذي توصلنا من خلاله إلى تفسير أمراض الشخصية العراقية، وهي العجز والنفاق والتحايل والعقل الأسطوري، تبين لنا أنهّا نتاج دكتاتورية النظام السابق، من مشاكل التربية والتنشئة الاجتماعية، وتأثير الحروب وأحداث العنف التي طبعت المزاج العراقي بالانفعال والعصبية المفرطة، وأخيرًا الجهل الذي استغله تجار الدين وعمدوا إلى تعزيز العقل الأسطوري على حساب العقل والتفكير النقدي". 

أما المحور الثاني من الكتاب، فقد اختص بالمشكلات الاجتماعية في العراق، وفيه يسلط الضوء على مشاكل الطلاق باعتباره انعكاسًا لأزمة مجتمعية، والبطالة ودورها في انهيار مكانة الرجل، والتصورات الاجتماعية عن المرض وعلاقتها بأنثروبولوجيا الطعام، والمشكلة الأهم والأخطر التي وضعها السيد على أريكة التحليل الاجتماعي وأخذت الحيز الأكبر في هذا المحور، هي مشكلة الانتحار ولا سيما انتحار النساء، إذ يقدم صاحب كتاب "جائعون للجسد" عدة قراءات وأسبّاب علمية، بحسب ملاحظته ومتابعته لوضع المجتمع العراقي.

حيث يرى في القراءة والتفسير الأول، أن "الانتحار يعد فعلًا سياسيًا احتجاجيًا، على سوء الأوضاع القائمة من بطالةٍ وفسادٍ إداري، وتهميش، واستبعاد اجتماعي لفئة الشباب، ومن ثَمَ عدم القدرة على تحقيق الأحلام والطموحات". وفي القراءة الثانية يستند السيد على نظرية دوركهايم (الانتحار الانومي، أو اللانظام)"، ويحدث نتيجة الفوضى الاجتماعية، وفقدان المعايير المناسبة للعيش والوصول للنجاح"، وفي القراءة الثالثة يستند السيد أيضًا على ما سماه دور كهايم (الانتحار الأناني) ويعني "عدم شعور الفرد أنَّ لوجوده معنى، شخص يفشل في تحقيق نجاحه ومكانته، وعندها يعاقب نفسه والمجتمع الذي لم يبالِ به بالانتحار!" أما التفسير الرابع والأخير فهو "الانغلاق الاجتماعي، أو عدم وجود منافذ ترفيه للفرد، وخصوصًا في المناطق الجنوبية؛ إذ لا ترفيه ولا منتديات يعبر فيها الفرد عن نفسه وهواياته، ولا قدرة على الحب، كل شيء عيبٌ وحرام".  وفيما يخص مشكلة انتحار النساء فيتفق الباحث مع ما ذهب إليه الروائي العراقي أحمد سعداوي، من أنَّ المرأة العراقية تنتحر تعبيرًا عن احتجاجها تجاه الظلم الواقع عليها نتيجة لضغوط الزوج وأهله فلم تكن بحسب سعداوي بصدد مناقشة معنى الحياة ولم يكن لديها موقف فلسفي من الوجود، فالانتحار في مجتمعنا هو غالبًا قرار عاطفي وانفعالي. ويقرأ السيد حالات انتحار النساء وفقًا لمقاربة العنف والنوع الاجتماعي إذ يشير إلى "الهيمنة السلطوية الذكورية رمزيًا ومعنويًا"، و"العنف الجنسي مثل التحرش والاغتصاب" و"العنف الأسري التقليدي" كذلك يذكر "الجرائم المتعلقة بالشرف خصوصًا في وسط وجنوب العراق" و"العوامل الاقتصادية التي تحيط بالمرأة وبين إقدامها على فعل الانتحار، والضغوط النفسية والعادات والتقاليد التي تحط من قيمة المرأة وتحيلها إلى ما يشبه السلعة القابلة للبيع أو الشراء أو ربما الكسر".

وفي محور الكتاب الثالث والذي يندرج تحت عنوان "سوسيولوجيا الحياة اليومية" يسلط السيد الضوء على عدة مواضيع منها (سوسيولوجيا الحب) و(الرياضة في عصر الهويات)، (الناجحون والفاشلون)، (اللغة والمجتمع)، وتحت عنوان (من الأبطال إلى المشاهير) يشير الكاتب إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي في صناعة المشاهير على الرغم من أنَّ رأس مالهم الوحيد هو التفاهة "فهم يقدمون أنفسهم كمشهورين فقط بدونِ سببٍ ولا داعٍ"، ويذكر السيد مقاربة بين بين ماضي المشاهير وحاضرهم إذ يقول "كانَ الفنان يشقى عمرًا قبل أنَّ يصبح نجمًا: يتعلم ويتدرب، يجرّب، ويتعرض لمخاطر الفشل.. وصولًا إلى انتزاع الاعتراف بشرعية نجوميته، أمَّا حاليًا فلقد صارت الشهرة تأتي في لمح البصر، أمَّا المهارات الفعلية فهي غير مهمة، خصوصًا عندما تُعوض باستعراض غوايات الجسد وجرأته"، وهذه النجومية المتخيلة التي يلهث وراؤها الشباب ناتجة بحسب السيد عن التهميش والهدر والتجهيل والذي تتحمل جزءًا كبيرًا منه قنوات الإعلام والتي يغيب في شاشاتها البرامج العلمية والثقافية "مما يؤشر إلى إفلاس المحتوى التربوي والثقافي الموجه لفئة الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف المجتمع. وكذلك فشل دور الجامعات التي قد تخلت عن دورها التنويري، وأصبحت مؤسسة فاشلة، فشلت في تنمية مهارات طلابها، كما فشلت في تأهيلهم لسوق العمل".

وفي محور الكتاب الخامس تطرق الباحث إلى موضوعات تشغل الراهن العراقي، وفي رأيي فإن هذا المحور يعد من أهم الموضوعات في الكتاب، إذ يبحث في ثلاثية الدين والدولة والعشيرة، وكذلك يتكلم عن دور المثقف إزاء السلطة، وسوسيولوجيا الحراك الاحتجاجي، وديكتاتورية المقدس، يفتتح السيد هذا العنوان الفرعي بسؤال فحواه "كيفَ يقتلُ المقدسُ حريةَ الإنسان.. إذا كان الإنسانُ هو من يمنح القداسة للشيء فكيف يشعر بعدم الاطمئنان معه؟"، ومن ثم يتكلم عن دور المقدس بخلق الأفكار الديماغوجية، ومصادرة حرية وإرادة الانسان ومسخه عن ماهيته "إنَّ هذا المقدس بتحريماتهِ وممارساتهِ الطقوسية، لا تجعل من الإنسان إنسانًا، بمعنى آخر شيئًا كباقي الأشياء، فإذا أراد أن يضمن العون والتوفيق من المقدس ومثليه، يجد نفسهُ مُرغمًا على أن يحرم ذاته من كَّل ملذاتِ الحياة"، وتحت عنوان "التنوع في خطر" يعرج السيد على أهم الأسباب التي أدت إلى اضطهاد أصحاب الديانات والطوائف الأخرى وكيف تم تشويه تاريخهم والصاق مجموعة من التهم حول عقائدهم وطقوسهم وصولًا إلى تهجيرهم قسرًا من وطنهم بعد تهديم معابدهم والتضيق عليهم للحيلولة دون ممارسة طقوسهم التي يراها الآخر (صاحب الأيديولوجية الإقصائية) طقوسًا شيطانية تستهدف عقيدته، فالصابئة أنجاس رغم أنهم أكثر من يهتم بالماء والطهارة!

ويجمل السيد مجموعة من الصور النمطية التي أسهمت في استهداف الأقليات، ومنها:

  • محاولة تحميل مسيحيي العراق، جزءًا من مسؤولية الاحتلال الأمريكي، ومن ثم تسويغ استهدافهم لأنّهم يعتنقون دين المحتل.
  • النظر إلى المندائيين، بوصفهم عبدةَ كواكب ونجوم، فتُعاد صياغةُ أقدم دين توحيدي كوثنيين ومتعاطين بالسحر والشعوذة.
  • النظر إلى أيزيديي العراق بوصفهم (عبدة أبليس)، أو عدهم على الأقل فرقةً إسلاميةً مهرطقة، فيصبح قتلهم واجبًا دينيًا، كذلك الأمر بالنسبة إلى الكاكائيين.
  • استمرار التمييز الاجتماعي ضد العراقيين، من أصول افريقية بوصفهم (عبيدًا) وبشرًا بدرجة أدنى؛ بسبب لون بشرتهم.

ومن ثم يتطرق السيد في ذات المحور إلى موضوع بناء الدولة والهوية الوطنية، وما هي المعوقات الاجتماعية والسياسية التي تعرقلها، حيث يذكر السيد رأيًا للفيلسوف (التوسير) والذي يرى أنّ "الدولة تقوم بصناعة الأمة من خلال طريقين إيديولوجيين، الأول العنف الثقافي والذي يشمل الآداب والفنون والنشيد الوطني، والإعلام والأزياء، حيث تقوم الدولة بصهر الناس المختلفين في أتونٍ مجتمعي واحد. أمّا الطريق الثاني: فهو العنف العاري، والذي يشمل السجنَ، والجيشَ والمخابرات والجوانب العسكرية للسيطرة على المجتمع وترويض الخارجين على القانون"، وفي هذا السياق يؤكد السيد أن "مشكلة العراق طوال تاريخه، أنه أهملَ العنصر الأول (الثقافة) وركَّز على العنصر الثاني وهو عنصر لم ينتج دولة"، وعن هيمنة الميليشيات والعشائر وسلاحها المنفلت يرى السيد أنَّ بناء الدولة وفرض القانون، لن يتحقق إلا بإنهاء وجود القوى المسلحة الموازية سواءً أكانت عشائرية أم دينية، وأن بقاء هذه المؤسسات التقليدية وهيمنتها على المجتمع المدنيّ أو تراجعها رهينُ وجود إرادة سياسية وطنيةٍ لا تفكر بمجاملة العشيرة من أجل كسب أصواتها".  

المثقف في العراق

تحت هذا العنوان، من المحور الرابع، يحاول الباحث تحليل المكانة التي يشغلها المثقفون لكل مجتمع، والشعبية التي حصلوا عليها في البداية، والتي سرعان ما تبخرت في أول مواجهة جدية مع منافسيها السياسيين، وكيف صعدت النخبة البيروقراطية والعسكرية والمدنية على حطام النخبة المثقفة.

وحاول الباحث كذلك تشخيصَ ووصف أنماط المثقفين في الساحة العراقية وذلك عبر الملاحظة الوصفية:

  • المثقف الشبكي: هو المستخدم المنتج في الشبكة، المؤثر في أفرادها، والمغُني في محتواها.
  • مثقف التمايز: وهو المثقف الذي يحاول الابتعاد عن العامة. ويستعرض خبراته وقدراته على فك رموز اللغة والفن، ويحاول دائمًا أن يتخذ لنفسه منطقة متميزة لا يدخلها العامة.
  • مثقف الإعلام: تتغير مواقف هذا المثقفُ وفقًا لإيديولوجيّة القناة وسياستها، خطابه متشابهٌ، يتكلم كثيرًا ولكنه لا يقول شيئًا، يتكلم دائمًا في العموميات لكيلا يُغضبَ أحدًا... الأحزاب ورجال الدين خطٌ أحمرُ لا يقترب منه.
  • المثقف الأكاديمي: ويكتفي هذا المثقف بدوره الأكاديمي، ونادرًا ما يحاول النزول إلى قضايا المجتمع والشارع.
  • مثقف البيئة التطوري: تتحكم البيئة وإكراهاتها، ومواقفُها بعقلية هذا النوع، تراه ينطلق بمواقفه من لحظات انفعال، ليس لديه مبادئ عامة فالشارع يحدد الموقف.
  • مثقف الطائفة: يعمل على صبغ لغته وأفكاره بهوية الطائفة ومفاهيمها الرمزية، يظن أنّه مثقفُ الجماعة حسب تعريف (مانهايم) ينسى بشكل مُتعمّدٍ مشاكل الطائفة الاجتماعية والاقتصادية، هدفه الوحيد هو مهاجمة الآخر والدفاع عن الهوية وتمثيل دور المظلوم دائمًا، مستفيدًا من مكتسبات الطائفة والمحاصصة على المستوى العملي.
  • المثقف الملتزم: وهو الذي ينطلق من مبادئ تنويريةٍ، يعمل على تفكّيك أسس الفساد، ومبرراته السياسية والطائفية. يوظف العلم لفضح الهيمنة وخدمة المجتمع وتنويره، ونقد الفوضى والدفاع عن دولةٍ مدنيةٍ يحكمها القانون.

وحول حياد المثقف يقول السيد إنّ "المثقف يجبُ أن لّا يكون محايدًا، ولكن متى يحدثُ هذا الأمر؟، يجيب السيد "حينما يتعلق بموقفه من قضايا المجتمع، عليه أن ينحاز للناس و أن لا يقف وسط منطقةٍ ضبابية". 

يرى السيد أنَّ بناء الدولة وفرض القانون، لن يتحقق إلا بإنهاء وجود القوى المسلحة الموازية سواءً أكانت عشائرية أم دينية

واندرج المحور الخامس والأخير تحت عنوان "المرأة في المجتمع العراقي" وفيه يتطرق الباحث إلى موضوعات عدة تخص أوضاع المرأة العراقية منها (ظاهرة الترشيح النسوي ومجتمع الاحتقار) إذ يسلط الضوء على الممارسات التي تحط من قيمة المرأة (جسدًا ومكانة ودورًا) والوقوف على أسبابها، كذلك يبحث في موضوع (المرأة وصناعة الجمال) وفيه يتطرق إلى استخدامات الجسد الأنثوي، ثم ينتقل إلى موضوع (التحرش) إذ يحاول تحت عنوان (التحرش مرضٌ اجتماعيٌّ مزمن!) تعريف مفهوم التحرش باعتباره شكلًا من أشكال العنف ضد المرأة.  ثم يقوم بتصوير جسد المرأة في المخيلة الشعبية العربية. أما عن الكيفية التي نواجه فيها تلك الظاهرة فيطرح الباحث آليتين إحداهما آنية وأخرى بعيدة المدة، تتمثل الأولى في "المواجهة القانونية الصارمة لكل صور التحرش وتشديد العقوبة على مرتكبيها"، أما الثانية (بعيدة المدى) "وضع برنامج اجتماعي شامل لتنمية فكر وثقافة احترام المرأة وتغيير نظرة المجتمع إليها، ومحاصرة القيم الاجتماعية الجديدة التي تختزل المرأة في الجسد العضوي، وتطوير الخطاب الديني وتعميقه وإعادة الأسرة لدورها الريادي في التنشئة الاجتماعية، وتلقين الأجيال الجديدة كل القيم الإيجابية المتعلقة بالمرأة باعتبارها كائنًا اجتماعيًا وإنسانيًا يشارك بقوة في نهضة الأمة"، وعن ظاهرة الكاتبات الجدد والتي تتمثل بازدياد عدد الكاتبات النسويات في مجال الأدب والرواية، يعتقد الباحث أنهن يشكلن حركة اجتماعية جديدة، تحاول أن تقدم خطابًا نسويًا يمثل المرأة، ويقلل من سطوة الخطاب الذكوري المسيطر على الحقل الثقافي والإبداع".  ويربط الكاتب ظاهرة الكتابة النسوية أو الأنثوية بعدة مؤشرات أهمها: قلق المكانة والسعي لإثبات الوجود، في ظل بطالة مستفحلة وتأخر في سن الزواج، والتنافس الأنثوي الداخلي وهو تنافس شرس له قواعده الخاصة. إذ إنَّ السعي إلى الفوز بالحب والشهرة والمكانة يشكّل هدفًا أساسيًا للإنسان الحديث. كما أنها تمثل الدعوة إلى التحرر من القيود الاجتماعية وهي من أبرز ملامح هذه الكتابات، أما عن انتمائهنَ فيلاحظ الباحث أن "انتمائهن يكون للطبقة الوسطى العليا في المجتمع العراقي وهي طبقة تقدم لأبنائها رأسمالًا جيدًا وتساعدهم على الصعود الاجتماعي".  

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نضال التغيير ضد حماة "الأعراف المقدسة"

الحرية بوصفها مشكلة اجتماعية