07-أبريل-2019

يكتم أغلب الملحدين معتقداتهم خشية التصفية أو الملاحقة والاعتقال (Getty)

تقدم هذه الترجمة ملخصًا شبه حرفي للريبورتاج الذي قدمته شبكة NBC News الأمريكية حول الإلحاد والملحدين في العراق، على الرغم من محاولة جر النقاش ليكون مضادًا للإسلام لا ناقدًا للدين أو الأفكار الغيبية مقابل الجدل الإلحادي، إلا أن من الجدير فهم ما حاولت قوله الشبكة الأمريكية من خلال توظيف هذا العنوان. 


من مقهى في بغداد، تكلم بصوتٍ بالكاد يرتفع فوق درجة الهمس، وهو ويلقي بأنظاره يمينًا ويسارًا للتأكد من أن لا أحد يراقبه ويستمع لحديثه، فيطال الخطر أسرته على الرغم من أنها "لاتعلم أنه لا يصدق بوجود إله"، أو يقتل هو.

تشير الدلائل القصصية إلى وجود مجتمع صغير من الملحدين العراقيين، ويأخذ بالازدياد في الدولة ذات الغالبية المسلمة، لكنه مهدد بالقتل أو الملاحقة، على الرغم من أن الإلحاد بحد ذاته ليس مجرم قانونيًا في العراق

يقولُ فادي، 23 عامًا، طالبُ الطب، وهو يجلس بعيدًا عن باقي مرتادي المقهى، إن استهدافه ممكنٌ، لاعتقاده بأن الله وجميع أديان العالم "اختراعات بشرية". ولتجنب اكتشاف ما يفكر به ويعتقد، يقوم بحذف جميع عمليات البحث على جهاز الكمبيوتر والهاتف المحمول.

اقرأ/ي أيضًا: تركة التعصب إذ يرثها مجانين الحكم

مثل كل الملحدين العشرين الذين تحدثت إليهم شبكة  NBC Newsفي تقريرها التي ترجمه وتابعه "الترا عراق"، طلب فادي تحديد اسم مستعار لتفادي استهدافه من قبل الميليشيات أو الشرطة.

على الرغم من أن الإسلام هو دين الدولة وأنه من المخالف للقانون التشهير أو الإهانة لأي دين، إلا أن الإلحاد بحد ذاته ليس غير قانوني في العراق، وفقًا للخبير القانوني علي التميمي. تشير الدلائل القصصية إلى وجود مجتمع صغير من الملحدين العراقيين، ويأخذ بالازدياد في الدولة ذات الغالبية المسلمة. وكمثال على هذا التزايد، صفحة واحدة على فيسبوك بعنوان "اللاإدريون والملحدون في العراق" لديها ما يقرب من 13000 إعجاب و 17000 متابع.

القوة.. العنف والدين: مزيج سام

تم إجبار العديد من ناكري الدين في العراق على التواري عن الأنظار، في الوقت الذي يناضل فيه المتشددون الدينيون من أجل السيطرة على الديمقراطية الفتية، التي تكافح من أجل تحقيق التوازن بين مطالب كل من السنة والشيعة، بالإضافة إلى المجتمعات العرقية والدينية الأصغر.

منذ الإطاحة برئيس النظام السابق صدام حسين من قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، تصاعد النفوذ الإيراني، داخل السلطة في العراق. حيث تسيطر المنظمات الشيعية القوية على أجزاء رئيسية من الحكومة، مثل وزارة الداخلية، التي تهيمن عليها "الميليشيا" المتشددة المرتبطة بإيران، منظمة بدر.

البلد الذي مزقته الحرب يتجه نحو شكل من أشكال الحياة الطبيعية، بعد أن هزم تنظيم "داعش"، والذي غزا مساحات واسعة من أراضيه، مدفوعًا بالغضب السني الواسع من الهيمنة الشيعية. حيث قام مقاتلو الدولة الإسلامية "داعش" بمحاربة واغتصاب وقتل الآلاف. فيما كانت العشرات من الجماعات شبه العسكرية الشيعية التي تدعمها إيران حاسمة بشكل أساسي ‏ لهزيمة التنظيم الإرهابي في عام 2017، و"يُلقى عليها باللوم في عمليات الاختفاء والقتل خارج نطاق القضاء".

قال طالب الهندسة، داروين، البالغ من العمر 21 سنة، "هل سمعت يومًا عن ميليشيا شكلها الملحدون؟ لا، فقط من يعتنق الدين يشكلون ميليشيات وفرق الموت، إنهم السبب وراء تدمير الحياة وتدمير البشرية."

في عهد صدام، تم استهداف المعارضين وتعذيبهم، خاصة الكرد العراقيين وأعضاء حزب الدعوة الإسلامي المدعوم من إيران. كما اعتقل أتباعه السنة وأعضاء الجماعات الأخرى التي تحدت حكمه.

الإسلام هو المجموعة الدينية الرئيسية الوحيدة التي من المتوقع أن تنمو بوتيرة أسرع في العالم على مدار الثلاثين عامًا القادمة، وفقًا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث

داروين، الذي نشأ في عائلة شيعية متدينة في مدينة النجف الجنوبية المقدسة، شارك ذات مرة أفكاره حول العلم والدين عبر فيسبوك، حيث نشرها في حساب مزيف.  قال "اعتدنا أن نتحدث عن قضايا مختلفة، وتبادل المعلومات"، لكنه حذف هذه الصفحة منذ حوالي عام.

قال، : "سمعت أن الميليشيات بدأت بمطاردتنا، وكانوا يمتلكون تكنولوجيا خاصة، يعمل عليها أشخاص مدربون لتتبع حسابي".

في خطوة أثارت الخوف في مجتمع الملحدين الصغير في العراق، اعتقلت الشرطة في تشرين الأول/أكتوبر 2018 إحسان موسى، صاحب مكتبة في جنوب العراق. اتهموه ببيع الأعمال التي شجعت القراء على رفض الإسلام، وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية.

وقال العقيد رشاد مزيل، مسؤول شرطة محلي، إن موسى أطلق سراحه بعد أن وعد بعدم بيع الكتب المخالفة مرة أخرى. لم ترد وزارة الداخلية على طلبات التعليقات على القضية. وموسى غير متوفر للتعليق.

المفكر والباحث الإسلامي غالب الشابندر يشعر بالقلق إزاء ما يراه عددًا متزايدًا من غير المؤمنين. يقول: "موجة الإلحاد ستهزم العراق بسبب الممارسات الخاطئة للأحزاب الإسلامية، لقد أجبروا الناس على تجنب الإسلام والأديان الأخرى."

الإسلام هو المجموعة الدينية الرئيسية الوحيدة التي من المتوقع أن تنمو بوتيرة أسرع في العالم على مدار الثلاثين عامًا القادمة، وفقًا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2015. يقول الشابندر، "مع ذلك، فإن الكثير من العراقيين يرتدّون عن الله بسبب السياسيين المتدينين".

واضاف  "معظم أولئك الذين هم جزء من أحزاب إسلامية، لا يصافحون النساء في الأماكن العامة، لكنهم يفعلون ذلك سراً". مضيفًا: "آمل ألا تنمو موجة الإلحاد هذه".

انتظر الرسام أبو سامي، 52 عامًا، بعد خمس سنوات من زفافه قبل أن يعترف لزوجته بأنه لا يؤمن بالله. قال أبو سامي "في البداية رفضت البقاء معي وهددت بإخبار والديها وطلبت الطلاق".

في النهاية أدركت زوجته أنها لن تكون قادرة على تغيير معتقداته، التي ولدت خلال الطفولة كابن لعائلة شيوعية. هذه الأفكار ازدهرت بعد الغزو الأمريكي، وخلال الحرب الأهلية الطائفية التي تلت ذلك.

الإلحاد لأبي سامي هو سر مفتوح نسبيًا في منزله ببغداد، مع أبنائه الأكبر سنًا - 21 و 17 - مطلعين على رؤية والدهما. لكن الأصغر، البالغ من العمر 14 عامًا، لم يتم إخباره لأنه قد يتحدث إلى الأصدقاء ويعرض الأسرة للخطر.

تسبب سلوك الأحزاب الإسلامية التي تولت السلطة بعد عام 2003 والإرهاب بـ "ارتداد" الكثير من المسلمين عن دينهم وفق شهادات وباحثين

يستشهد أبو سامي بتصرفات داعش كمثال على النداء المدمر للدين. أضاف: "إلههم لم يخبرهم بقتل السجناء، ولم يخبرهم باختطافهم واغتصابهم، ولم يخبرهم أن يأخذوا النساء والأطفال كعبيد، هل هذا دين مسالم؟ إنه ليس كذلك على الإطلاق، ولا أريد أن أكون جزءًا من هذا الدين".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رسالة فولتير في التسامح

الدين و التديُّن.. هل للتعصب هوية؟