22-أبريل-2019

يشغل السوق عشرات الباعة من أسر فقيرة يقدمون بضائع مختلفة بأسعار مناسبة (الترا عراق)

أخذ اسمه من أحداث الشيشان منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عندما أنشئ في الكوت مركز محافظة واسط، ليصبح أكبر الأسواق الشعبية في المدينة وأكثرها شهرة.

يمثل "سوق الشيشان" وسط مدينة الكوت معضلة مستمرة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، دون حل مناسب على الرغم من الحملات الأمنية المستمرة لترحيل باعته وفتحه

يمتاز سوق "الشيشان" في مدينة الكوت بباعته الفقراء الذين يفترشون الأرض ببسطات متنوعة البضائع زهدية الأثمان، لكنهم يشكلون "معضلة" تمتد منذ سنوات النظام السابق وصولًا إلى الحكومة المحلية الحالية في المحافظة، تتمثل بمحاولات السلطات فتح الشارع، كان آخرها تدخل أمني شهده السوق لإزالة البسطات، أدى إلى انكماش عدد الباعة في الشارع، لكنهم سيعودون قريبًا كما جرت العادة، مستمرًا بـ"الإضطراب والتمرد".

سوق "الشيشان" وسط مدينة الكوت 

من الإتحاد السوفيتي إلى الكوت

بالحديث عن انتقال تسمية السوق من الإتحاد السوفيتي السابق إلى الكوت، يعود اللواء الطيار السابق حسين مرواح، إلى مطلع التسعينات من القرن الماضي، سنوات الحرب على حركة طالبان المسلحة، وظهور تنظيم القاعدة كمنظمة إرهابية عالمية تقاتل لصالح الولايات المتحدة الأميركية في البداية ضد التواجد الروسي في أفغانستان.

اقرأ/ي أيضًا: قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!

يقول اللواء مرواح وهو من سكنة المدينة القدماء في حديث لـ "ألترا عراق"، إن "تلك المدة شهدت ظهور حركات إسلامية متطرفة مصدرها الدول المحيطة بافغانستان من بقايا الاتحاد السوفيتي السابق، ذات الأغلبية المسلمة، ومنها تركمينستان، أذربيجان، بلوجستان، والشيشان، وقتها ظهرت خلايا تنظيم القاعدة التي كانت تعمل ضد الحكومات الشيوعية، عندها شهدت الشيشان معارك بين الجيش الروسي والمتمردين استمرت عشر سنوات، مدمرة المدن المحيطة بالعاصمة مع فوضى عارمة وعشوائيات غير نظامية استمرت مدة طويلة"، مشيرًا إلى أن "حالة الفوضى والتمرد في الشيشيان باتت مضربًا للأمثال من ناحية الخراب والخروج على القانون وكثرة القيادات".

يضيف، أن "التسمية لازمت السوق الكبير في مدينة الكوت، الذي شهد كثرة البسطات غير النظامية والفوضى التي خلقها الباعة المتمردين على البلدية والقائممقام، وبدأ الناس يتداولون هذا الأسم (سوق الشيشان) حتى لاقى رواجًا بين أهالي الكوت، بالتزامن مع محاولات تنظيمه المستمرة حتى يومنا هذا".

يشهد اليوم، الشيشان السوق، حملات مستمرة لم تنقطع منذ النظام السابق من أجل فتحه وإزالة بسطات المخالفين كان آخرها يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي 17 نيسان/أبريل، والتي انتهت مثل سابقاتها، مع استمرار أزمة الباعة الفقراء في السوق، دون ايجاد بديل لهم على الرغم من كثرة الوعود، وسط عجز عن حل معضلة "سوق الشيشان" بشكا جذري يضمن قوت لاعوائل التي تعتمد عليه كمصدر للدخل بتوفير مكان آخر لهم.

لا مكان لا حلول.. الترحيل فقط!

يقول الناشط من الكوت، علي جبر حافظ لـ "الترا عراق"، إن "الأسبوع الماضي شهد دخول قوة عسكرية بأمر مدير بلدية الكوت والقائممقام لمنع أصحاب البسطات من مزاولة عملهم في السوق، دون بديل مناسب حتى الآن". بعد أوامر صدور أوامر بإخلاء السوق ولو بالقوة.

كسب السوق، الذي يشغله عشرات الباعة من الفقراء يبيعون البضائع المختلفة بأسعار رخيصة ومناسبة، تسميته من الشيشان التي كانت تشهد أوضاعًا مضطربة وتمردًا وفوضى آنذاك

من جانبه يقول أحد أصحاب البسطيات، لـ "الترا عراق"، رفض الكشف عن اسمه، إن "القوة دخلت السوق بالفعل مع موظفين في البلدية، وحذروا من مغبة عدم الالتزام بأمر إخلاء الشارع".

يقدر عدد أصحاب البسطات في "سوق الشيشان" بمدينة الكوت، وأغلبهم من سكنة العشوائيات، بحوالي 200 شخص يبيعون البضائع المختلفة بأسعار رخيصة ومناسبة، ما يجذب محدودي الدخل للتسوق منهم والحصول على بضائعهم.

يقول محمد قاسم من سكنة مدينة الكوت، إن "الأعوام السابقة شهدت حملات تلو الحملات لإزالة بسطات الباعة الذي يعودون في كل مرة مجبرين لعدم توفر مكان مناسب لهم"، مضيفًا أن "السوق شعبي بسيط، يرتاده الفقراء ومحدودي الدخل ولا تدخله السيارات، وليس من المنصف تهجير الباعة في كل مرة دون حلول ناجعة لمعالجة المشكلة".

وأوضح قاسم، في حديث لـ "ألترا عراق"، أن "منع الباعة وإزالة بسطاتهم تتم بصورة غير مدروسة دائمًا، وذلك بعدم توفير مكان بديل لهم، الأمر الذي شكل جولات من التهجير والعودة، مستمرة حتى اليوم"، لافتًا إلى أن "باعة السوق من الفقراء المعدومين الذي يجنون مبالغ بسيطة لإعالة أسرهم، ولا عمل لديهم سوى البسطات الصغيرة والعربات الخشبية، ومطاردتهم بهذه الطريقة قد تضطر بعضهم لأعمال غير قانونية في سبيل العيش".

إنذار شديد!

من جانبه أكد مدير بلدية الكوت، مصطفى حسن، أن الحديث عن إزالة أصحاب البسطات دون بديل مناسب هو "كذب في كذب"، مؤكدًا "تخصيص مكان لهم خلف معمل الأسماك في المدينة".

وأضاف حسن في حديث لـ "ألترا عراق"، أن "بسطات المكان الجديد فارغة، تركها الباعة وذهبوا لإفتراش السوق مرة أخرى باستثناء ثمانية منهم التزموا بالتعليمات"، مؤكدًا توجيه "إنذار شديد بضرورة فتح شارع الشيشان ومغادرة أصحاب البسطات إلى مكانهم الجديد".

تؤكد بلدية الكوت تخصيص مكان جديد لباعة "سوق الشيشان"، لكنه غير مناسب وغير كاف ما دفع أصحاب البسيطات إلى "التمرد" مجددًا على قرار الإخلاء

لكن الناشط علي جبر حافظ يقول، إن "المكان الجديد الذي خصصته البلدية لا يناسب أعمال أصحاب البسطات، فضلًا عن أنه بعيد عن السوق ولا يشهد اقبالًا من المتبضعين"، لافتًا إلى أن "البسطات المهجورة ليست لكل الباعة في السوق، فهي مخصصة لبائعي الخضار فقط، أما بقية أصحاب البسطيات فلا يمتلكون مكانًا حتى اليوم".

وحتى وقت إعداد التقرير، تشير مصادر محلية من مدينة الكوت، إلى أن بعض أصحاب البسطات عادوا واستأنفوا عملهم القديم منذ سنوات، بيع البضائع الرخصية، لتبقى  مشكلة فتح الشارع وإيجاد بديل يقنع الباعة أمرًا غير قريب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الزراعة والصناعة.. شاهدان يكشفان "جرائم" الاحتلال الأمريكي بالأرقام!

فقدان السيادة والإفقار.. اقتصاد العراق يشهد على 16 عامًا من خراب الاحتلال