08-مارس-2017

تظاهرة لأنصار مقتدى الصدر (Getty)

لا يفلح الساسة في العراق سوى بثرد الكلام. لدى هؤلاء خبرة عجيبة في وضع طست تحت أقدامهم وتفتيت الكلام فيه حتّى يضيع معناه لدى الناس. يوجّهون اللوم لبعضهم البعض، ويغمزون بأخطاء ارتكبها الخلف، ويتحدّثون عن إصلاحات يقوم بها السّلف، إلا أن حال البؤس يبقى على ما هو عليه. ويبقى سكّان العراق يحفرون بأظافرهم للخروج من الهاوية التي وضعوا فيها.

وثريد الكلام في العراق يأخذ منحى متسارعًا مع اقتراب موعد الانتخابات، وعلى هذا الأساس، صارت الطسوت مترعة. خرج نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، ونائب رئيس الجمهورية الآن، وزعيم ائتلاف دولة القانون، ليدافع عن "كونهم" رجال دولة.

يضع المالكي نفسه إلى جانب آخرين لتمرير ما يريده، إلا أنه سرعان ما يتحوّل إلى الفرديّة حين يعلن عن إنجازات في العراق المنكوب

يضع المالكي نفسه دائمًا إلى جانب آخرين لتمرير ما يريده، إلا أنه سرعان ما يتحوّل إلى الفرديّة حين يعلن عن إنجازات في العراق المنكوب لم ينعم بها أحد سوى حاشيته من الأقارب والأنسباء.

وعلى المنوال نفسه يتحدّث أسامة النجيفي، رئيس البرلمان السابق، ونائب رئيس الجمهورية الحالي، مدافعًا عن نفسه وهو يرمي باللوم، كل اللوم، على خصومه الشيعة، بينما يعلن نفسه وحزبه كرهط حملان تحيك لها "ذئاب الشيعة" الشراك، في الوقت الذي تثبت وثائق تورّطه وشقيقه محافظ نينوى المقال، بتفتيت المجتمعات المحليّة في الموصل وإفقارها.

ويحاول حيدر العبادي، رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوّات المسلّحة، وسط كل ضجيج التصريحات هذه أن يكون منافسًا، فينجرُّ إلى حفلة ثرد الكلام، رغم أنّه إلى الآن يجهل مصيره السياسي في الانتخابات المقبلة، إذ لا يعرف أحد ما الذي سيشكّله في الانتخابات على مستوى التجمّعات السياسية، على العكس من آخرين مثل المالكي والنجيفي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، الذين حسموا أمرهم.

اقرأ/ي أيضًا: أشباح تلاحق المالكي

العبادي بدا مزهوًّا وهو يتحدّث من محافظة السليمانية عن الانتصارات في الموصل، وقال "نحن لا نريد العودة إلى الدكتاتورية"، وامتدح قبلها الديمقراطية، ودعا السياسيين إلى نبذ الخلافات، وأشار إلى أن الفساد لا يقلّ ضررًا عن الإرهاب.

غير أن العبادي ذاته أوغل في كل ما حذّر منه، فقبل خطابه بأسبوع زجّ شبّان جامعيين تظاهروا ضدّه في السجن، وأجبر جامعة، بعدّها وعديدها، إلى الاعتذار منه. أما الفساد، وهو فعلًا لا يقلّ ضررًا عن الإرهاب، فقد صنّعه في الكثير من الأحيان، فإن حكومة العبادي ما زالت غارقة فيه.

بدلًا من تشخيص الأخطاء السياسية والعسكريّة التي أدت إلى سقوط ثلث البلاد بيد تنظيم "داعش"، يظل العبادي يتحدث عن "مصالحة مجتمعية"

يكفي النظر إلى مشاريع الخصخصة وما رافقها من فساد. يكفي أيضا النظر إلى النازحين الذين يفترشون العراء وتتناهب أجسادهم القذائف لأن الأموال المخصّصة لهم نهبت أمام أعين العبادي دون أن يحاسب أحدًّا، هذا بالإضافة إلى فساد السلّة الغذائية للعراقيين، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة في فترته الحكومية.

وبدلًا من تشخيص الأخطاء السياسية والعسكريّة التي أدّت إلى سقوط ثلث البلاد بيد تنظيم "داعش"، وبدلًا من محاسبة الأشخاص الذين شرّدوا نحو أربعة ملايين عراقي من منازلهم، يظلُّ العبادي يتحدّث عن "مصالحة مجتمعية"، وكأن المجتمع يقتّل بعضه بعضًا، وليس الانقسام السياسي هو من يأجج ويؤلب على الطائفية بين ظهرانيه.

والحال، فإن هذه الخطابات جميعها لا تشي باستقرار قريب للبلاد، إذ إنها تظلّ ثريدًا. ثريد يملأ الطسوت في فترات الانتخابات، لكن الخشية من أن تترع هذه الطسوت بالدم، كما يحصل مع اقتراب كل موعد انتخابات في البلاد المنكوبة والمنهوبة.

اقرأ/ي أيضًا:
الدراجات الهوائية في بغداد.. للنساء أيضًا
شوارع بغداد.. خراب وفوضى