10-مارس-2019

أول مبادرة نسائية جادة في بغداد (الترا عراق)

بالأبيض والبنفسجي، شهدت ساحة التحرير وسط بغداد، أول مبادرة نسوية جادة في البلاد منذ 2003، بوقفة عشرات النساء والناشطات والإعلاميات والحقوقيات العراقيات، بعد تحشيد جرى عبر منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم #عدها_حق، فيما تصدر تشريع قانون الحماية من العنف الأسري مطالبهن، مع تعهدات بالاستمرار وتنظيم وقفات أخرى.

شهدت بغداد أول مبادرة نسوية جادة منذ عام 2003 دعت إليها ناشطات وإعلاميات عبر منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم #عدها_حق

الوقفة التي جرت بمناسبة يوم المرأة العالمي، الثامن من آذار/مارس، جاءت وفق بيان لمنسقات التظاهرة صدر في الثاني من آذار/مارس، دعا كافة النساء إلى وقفة حاشدة، لدعم المرأة العراقية في المطالبة بحقوقها. وكتبت الصحفية سلوى زكو على صفحتها في فيسبوك: "ليس التظاهر بطرًا ولا استعراضًا للبطولات ولا تمضية للوقت. هو جهد هائل من الإعداد والتنسيق والتحشيد والوقوف في الشارع ساعات. كونوا مع المرأة في وقفتها البنفسيجة".

اقرأ/ي أيضًا: صور| المرأة العراقية في 100 عام.. ماذا تعرف عن إسهاماتها في تطور البلاد؟

ويُقام في 8 آذار/ مارس من كل عام، احتفالًا عالميًا تحت مسمى اليوم العالمي للمرأة. وجاء الاحتفال بهذه المناسبة على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي عام 1945 في باريس.

من وراء #عدها_حق؟

تقول الإعلامية والناشطة المدنية جمانة ممتاز (إحدى مُنظِمات المبادرة) في حديث لـ "ألترا عراق"، إن "المجموعة التي تضم 12 عضوة، تكونت عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن بادرت بالفكرة إحدى زميلاتها، ثم اتصلت بالأخرى، لتتكون المجموعة"، مبينة أن "الفريق كان واعيًا جداً بأن يتصل بالمرأة المؤمنة بالقضية فقط، والمهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان أي كانت وظيفتها، لكن لاحظنا بعد تَجمُعنا أن المجموعة مكونة من إعلاميات وناشطات وحقوقيات، وربما كن مؤمنات بما يقمن به لأنهن يتعاملن مع الضحايا بشكل مباشر ويعرفن حجم معاناة المرأة أو الطفل".

كان هدف التجمع أولًا احياء يوم المرأة، لكن استثمر القائمون على المبادرة المناسبة لهدف أهم، كما توضح ممتاز، مشيرة إلى أن "قصة العنف كانت تشغلنا، لذلك اقترحنا أن تكون الوقفة مخصصة لخلق ضغط على البرلمان للمطالبة بتشريع قانون مناهضة العنف الأسري".

جانب من الوقفة التي دعت إليها ناشطات وإعلاميات تحت وسم #عدها_حق (الترا عراق)

كشفت ممتاز، عن تحديات كبيرة واجهت المبادرة، لإقناع الناس بالخروج وبضرورة أن تكون الوقفة في ساحة التحرير، لما لها من رمزية، لشعور الكثير منهم بالإحباط من التظاهرات، لكن تأثير الناشطين والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي نجح في خلق قضية رأي عام ودفع عشرات النساء إلى الخروج، كما أقنع منظمات نسوية بالتضامن مع المبادرة، على حد قولها، مبينة أن "الإقبال كان جيدًا وضم العشرات من النساء والكثير من المؤيدين الرجال".

من جانبها قالت الإعلامية حنين خليل، إحدى منظمات المبادر،: "فكرنا بفعل شيء في يوم المرأة العالمي ورأينا أن المهم هو المطالبة بقانون مناهضة العنف الأسري، كونه نوقش في البرلمان مرتين سابقًا قبل أن يُرفض ويُرحل إلى الدورية الحالية"، مبينة أن "الإقبال كان أكثر من المتوقع كون عملنا اقتصر على أسبوع من خلال الدعوات في مواقع التواصل الاجتماعي".

أكدت الخليلي لـ "ألترا عراق"، أن المطالبات النسوية كثيرة "ولن تتوقف عند هذا القانون"، لكنها لفتت إلى أن "التركيز على قانون الحماية من العنف الأسري جاء لكي لا تتشتت المطالب، خاصة وأن القانون لم يُرفض من قبل المرجعية الدينية، لكن الأحزاب الإسلامية هي من ترفضه".

البرلمان.. بين الجرائم والتقاليد الإسلامية

وشهدت الآونة الأخيرة، ارتفاع حالات الاعتداء ضد نساء وأطفال في العديد من المحافظات، وقليل منها من حظيت باهتمام الأوساط الصحيفة ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث اشتهرت حادثة الطفلة رهف التي توفيت في إحدى مستشفيات بغداد بعد أن تعرضت إلى تعذيب شديد على يد زوجة أبيها في شباط/فبراير الماضي.

بعد أيام، عُثر على جثة الطفلة فردوس العيثاوي (11 عامًا)، مقتولة بحديقة منزلها في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار، بعد أن تعرضت للضرب بالمطرقة والحرق والتعذيب الشديد. فيما قال شقيقها إن زوجة أبيه قامت بالاعتداء على شقيقته بمطرقة حديدية ومن ثم رميها بإبريق الشاي الحار وخقنها.

يرفض الإسلاميون في البرلمان تشريع قانون الحماية من العنف الأسري بحجة مخالفته للتعاليم الإسلامية والأسس الأخلاقية للمجتمع العراقي

وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان زيدان العطواني، إن "تكرار مثل هذه الحالات المقلقة وخلال فترة قصيرة في الأنبار، كما هي الحال بجريمة فردوس العيثاوي وما سبقها من جريمة أخرى قبل أيام في نفس المحافظة والذي راحت ضحيتها طفلة رضيعة بعمر سنة ونصف، وكذلك في العاصمة حيث جريمة الطفلة رهف، يدعونا كجهات رقابية ومجتمع مدني لزيادة الضغط على الجهات التشريعية والتنفيذية للإسراع بتشريع وإقرار القوانين التي توفر الحماية الكافية للطفل في العراق من الخطر المحدق به على أيدي ضعاف النفوس وفاقدي الضمير".

أما عضو مجلس النواب هدى سجاد، فقد أكدت، أن "قضايا العنف الأسري لا يمكن أن توقف وتعالج دون أن يُشرع قانون خاص بذلك، فإن قضية رهف التي أشيعت حادثتها عبر وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة والتي فارقت الحياة نتيجة لتعرضها للضرب من قبل زوجة أبيها وما يشابه هذه القضايا من آلاف الحالات، لا يمكن أن توقف وتعالج دون أن يقوم مجلس النواب العراقي بدوره من خلال تشريع قانون الحماية من العنف الأسري".

فيما يرى النائب عمار طعمة، أن "قانون العنف الأسري ينطوي على مضامين خطيرة تنذر بعواقب خطيرة على استقرار العائلة العراقية المسلمة"، مشيرًا إلى أن "القانون هو استنساخ لتجارب غربية ونقلها لواقعنا الاجتماعي، مهملًا وغافلًا عن الأسس الأخلاقية والقيمية التي تستند إليها مجتمعاتنا المسلمة".

من المضامين التي ذكرها طعمة، هو أن القانون في حال تشريعه يوفر "ملاذات آمنة للنساء المعنفات"، كما تبين الناشطة جمانة ممتاز، مؤكدة أن "ذلك لا يتعارض من الإسلام الذي يرفض العنف ويحث على احتواء النساء، فبدلًا من أن تنام المرأة في الشارع وتستغلها عصابات الاتجار بالبشر أو الإرهاب أو بيوت الدعارة سيوفر هذا القانون الملاذات الآمنة للنساء، والتي ستكون تحت إشراف الدولة وهي ملزمة بتوفير هذه الحماية وفق الدستور في المادة 29 أولًا وثانيًا، ولا نجد رفض بعض النواب منطقيًا، فمن يحمي هؤلاء النساء؟".

اقرأ/ي أيضًا: أرامل العراق.. أرقام عالية ومعاناة مضاعفة

بدورها عزت حنين الخليلي رفض القانون من قبل نواب إلى سببين "الأول توفير القانون لدور إيواء للمعنفات، والثاني إمكانية الشكوى من قبل طرف ثالث من غير المعنفات مع التحفظ على هويته"، مبينة أن "القانون ليس للمرأة فقط بل لكل معنف حتى الرجل المعنف من أهله والطفل، وتركيزنا على المرأة لأنها الأكثر من بين حالات العنف، حيث تشهد المستشفيات عشرات الحالات يوميًا ولا توجد إحصائيات حتى في المحاكم لعدم وجود قانون يعالج هذه القضايا".

المُبادِرات يَعدْنَّ بالاستمرار

تحدثت ممتاز عن الطموح القادم قائلة، إنها تأمل "رفع مستوى الوعي الجماهيري حول الحقوق وآلية عمل النظام البرلماني في العراق، فالناس تستطيع أن تخلق ضغطًا على مجلس النواب من أجل تعديل القوانين أو تشريع قوانين أخرى جديدة تخدم الصالح العام"، مبينة أن "المجموعة التي أطلقت مبادرة #عدهاـحق لن تتوقف وإنما ستواصل الضغط، وستكون لها وقفات أخرى وستتحرك لإيصال هذه المطالب إلى أعضاء البرلمان وستتصل بوسائل الإعلام وتلجأ إلى الطرق القانونية التي كفلها الدستور".

يوفر قانون الحماية من العنف الأسري الحماية للأطفال والرجال المعنفين أيضًا فضلًا عن النساء، فيما تعهد القائمون على المبادرة بمواصلة الضغط على البرلمان لإقراره

أما الخليلي، فقد أشارت إلى "تلقي العديد من الاتصالات من قبل برلمانيين لدعم الوقفة"، لكن القائمين على المبادرة رفضوا لقائهم قبل تنظيمها كي لا تحسب الوقفة لصالح طرف سياسي دون آخر، على حد قولها، مؤكدة في الوقت ذاته ضرورة "لقاء النواب بعد الوقفة كون المُشرع حسب الدستور هو البرلماني ولا بد من أن نضع يدنا بيدهم"، فيما لفتت إلى حضور رئيسة لجنة المرأة في مجلس النواب هيفاء الأمين، إلى الوقفة ووعودها للنساء المُنظِمات بإيصال مطالبهن إلى مجلس النواب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المرأة العراقية أمام "استحقاقات" الاستبداد.. حلقات من تاريخ لم يتوقف

تمثيل المرأة العراقية ومشاركتها السياسية.. رهينة الإقصاء!