14-أكتوبر-2019

تتميز تظاهرات 2019 بأنها عفوية (Getty)

ربما لم يفهم جيل السياسيين الجديد مزاج العراقيين العام بعد 2003، بالرغم من ادعائهم القدرة على تقديم نموذج مقنع لشعب عانى عقودًا طويلة من احتكار السلطة. كذلك، لم يقدم هذا الجيل من السياسيين إجابات مقنعة للتخبط الذي تمر به العملية السياسية، بدءًا من الاصطفاف الطائفي المستند على اتهامات بالإرهاب والعمالة، وانتهاء بالتحالف الفجّ بين أعداء الأمس، الذي خفض مستوى المصداقية، وزاد من انعدام الثقة بين السياسي والمواطن.

لقد طالب صقور المشهد السياسي بأن تكون التظاهرات معروفة الدوافع واضحة القيادة، وإلا، فإنها ستفقد شرعية المطالبة والتفاوض

صعوبة الفهم هذه، يمكن رصدها خلال التظاهرات الأخيرة، التي أربكت جهدًا دؤوبًا لتكريس حياة سياسية على وفق أسس محددة تلاءم مقاسات الجيل السياسي المعارض سابقًا الحاكم حاليًا. لقد طالب صقور المشهد السياسي بأن تكون التظاهرات معروفة الدوافع واضحة القيادة، وإلا، فإنها ستفقد شرعية المطالبة والتفاوض.

اقرأ/ي أيضًا: خطاب "الخوف" والقطيعة

ينظر السياسيون إلى الشباب الذي يقاتل في محافظات الوسط والجنوب باستغراب، فهل تفضل مجموعة المراهقين عودة النظام البعثي؟ بل هل هم مدعومون من بقاياه؟ أم هل هم مموّلون من واشنطن ومدفوعون منها برغبة الانتقام من التعاون العراقي الصيني الأخير؟

ستظل هذه الأسئلة تدور في أذهان هذا الجيل الذي يجب عليه أن يعتزل ويتجه إلى الاعتكاف أو كتابة المذكرات، ويكف عن محاولة التبرير والتحليل، ولا سيما وأنهم لا يستطيعون ركوب موجة التظاهرات.

ما زال رئيس الوزراء يبحث عن قائد يمكن الاستماع له، أو ورقة مكتوبة بمطالب محددة وواضحة، يمكن للحكومة تنفيذها حسب ضوابط وجداول وسياقات قانونية.

يستطيع المتظاهر أن يتظاهر بشروط: أن لا يرفع صوتًا مزعجًا، وأن لا ينتقص من مسؤول، وأن يصطبر على الإساءة والعنف، وأن يثبت حسن نيته على الدوام، وإلا فإنه سيكون سببًا في الفوضى التي تقف مستعدة للانقضاض طوال 16 عامًا، وأنه سيكون سببًا لعودة الإرهاب الذي تم القضاء عليه مرارًا وتكرارًا.

تتميز تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر 2019 بأنها عفوية، ترفض الانقياد، يجمعها فكر جمعي يشعر بالغربة من التنظيم القيادي والانصياع للقرارات. هذه الفوضوية التي تراها عيون العملية السياسية هي مصدر القوة الرئيس للتظاهرات، وأي محاولات خلق قيادة بحجة التفاهم هي أول خطوات التحجيم والتفريغ من المحتوى، ثم التحول إلى عبارات صوتية توضع في الأرشيف.

تتميز تظاهرات 2019 بأنها عفوية، ترفض الانقياد، يجمعها فكر جمعي يشعر بالغربة من التنظيم القيادي والانصياع للقرارات

لم لا يفترض أصحاب القرار السياسي والأمني أن الشاب العراقي وضع قواعد جديدة للعبة السياسية، وأن هذه القواعد لا تلائمهم، ولكنها تلائمه هو؟ فهو الذي يعيش يوميًا في أزقة وبيوت وشوارع هذا الوطن، وهو الذي يشخص مشكلاته هو، بينما تعكف النخبة السياسية على محاولة البحث عن مجد حزبي، وادعاء الانتصار في معركة سياسية خاسرة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

احتجاجات العراق.. صلاة الحقوق المقدسة

جماعة العطواني.. المتظاهرون الذين عاشوا المجزرة!