29-أغسطس-2021

من مسرحية "ضيعة تشرين" (فيسبوك)

في عام 1974 أنتج الشاعر والكاتب السوري الساخر محمد الماغوط مسرحية من الأدب السياسي أسماها "ضيعة تشرين"، على غرار المنعطفات السياسية والأحداث التي صادفت في شهر تشرين الأول/أكتوبر من أحداث عام 1970 إلى حرب عام 1973، وهي منعطفات أحدثت تغييرات كبرى في التاريخ السياسي الحديث لسوريا. 

بعض المشتغلين في حقل الثقافة والمجال العام ينتقدون العملية السياسية وأحزابها في العراق لكن بصورة عائمة ودبلوماسية محيرة 

 وقتها، وجه الماغوط نقدًا سياسيًا ساخرًا انتقد فيه التخبط السياسي والتسلّط الحزبي للفئة الحاكمة، وبنفس الوقت؛ انتقد كثرة الانقلابات العسكرية التي كانت بشكل غير طبيعي في سوريا، والغريب أن هذا العمل الذي تحوّل إلى فرقة مسرحية سميّت بـ"فرقة تشرين"، والتي كانت تضم فنانين بارزين منهم؛ دريد لحام وصباح الجزائري وياسر العظمة ونخبة من الفنانين الآخرين، لكنهم كانوا ويا للأسف، أداة بيد السلطة التي كانت تدعمهم من أجل التنفيس بطريقة ساخرة على المسرح وامتصاص النقمة والسخط الشعبي الذي يصنعه الاستبداد في الناس، مستغلين شهرتهم في الفن. 

اقرأ/ي أيضًا: جدلية المثقف والجمهور

إن تخادم المسرح والسلطة والمثقف والسلطة، قدم فائدةً للنظام البعثي المستبد في سوريا، فبعد الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، الكثير منهم انكشف عنه الغطاء، فمنهم من استمر بدعم النظام مثل دريد لحام وآخرين كثر، ومنهم من قفز من القارب قبل أن تغرق به سفينة التطبيل للنظام، مثل ياسر العظمة الذي كان يقدم عملًا دراميًا باسم "بقعة ضوء". هذا المشهد رأيته في بعض النخب والكتاب والمثقفين وأصحاب الشهادات العليا العراقيين، الذين كانوا ينتقدون العملية السياسية وأحزابها في العراق، ويوجهون سهامهم نحو الفشل بشكل عمومي وبصورة دبلوماسية واضحة ومحيّرة لا يريدون فيها الاشتباك مع جذور الأزمة العراقية، وهو ما يفسّر حصول الكثير منهم على مناصب في الوزارات وترشيحهم كوزراء، فضلًا عن تعيينهم كمدراء عامين ومستشارين لدى الأحزاب التي كان بعضهم ينعتها بـ"الفساد"، حتى جاءت ضيعتهم (ضيعة تشرين العراق) التي سحبت منهم القلم العائم ونادت بالإزاحة لهذه السلطة التي كانت تتخادم معهم، فما هو الفساد أمام الكاتم والقناص والاختطاف والتسقيط الأخلاقي؟! 

ويبدو أن نقدهم قبل تشرين للعملية السياسية، كان بنفس الهدف، وهو التنفيس عن الناس لكن عدم الوصول إلى مناطق حمراء في النظام كما وصلت انتفاضة تشرين لذلك. كان سكوتهم مطبقًا واصطفافهم واضحًا، فهذه ضيعة لهم ولوجودهم ولانتهازيتهم، ودخلوا في معارك ضارية حتى يعيدوا الأمور إلى نصابها بـ"حجة العقلانية"، ويعودون إلى الوضع الذي كانوا فيه، نقد دون إزعاج، إذ يعرفون القاتل، لكنهم يغيبونه أحيانًا، ويتزلفون له في أحيان أخرى لأجل منصب ومال، وهذا التخادم نراه عند كل مناسبة تتعلّق بالبلد والدول الأخرى، كاجتماع قمة بغداد الذي كان فرصة للمتصالحين مع السلطة التي سلبت حتى كرامة الإنسان العراقي أن يبثوا فيها التفاؤل بالنظام السياسي الذي لا يزال دم الشباب يقطر منه ولم يقدم على أي إصلاح سياسي جذري أو غير جذري. كلّنا رأينا حجم الإجرام والفساد الذي قدمته السلطة وميليشياتها، فهل بانعقاد هذه الاجتماعات ستنهض بالبلد واقتصاده المنهار ومواطنه المغتال؟! 

وبالعودة لمسرحية الماغوط، فإن دريد لحام في يوم عرض المسرحية ذهب للسوق واشترى أريكة مخصّصة لحافظ الأسد لكي يجلس عليها، ويترك الناس يجلسون على مقاعد تأكل مؤخراتهم، ولا يزال كثيرون من المشتغلين بالثقافة في البلاد السورية لا يستطيعون انتقاد البراميل التي يوجهها بشار الأسد للشعب السوري ويعتقدون أنه المخلّص، كما أمثالهم في العراق الذين يقدمون الراحة للزعامات القاتلة ويتولون الدفاع عنها بطرق غامضة، وحين يريدون أن يكونوا "ثوريين" سيقولون إن "الكل فاسد ومرتشي"، وهذا يعني، لا يوجد فاسد في النظام ما دمت لا تشخص ولا تقول للقاتل أنت قاتل. 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المثقف العراقي.. من الاستبداد إلى الاحتلال الأمريكي

مسؤولية المثقف.. بين حاجة المجتمع وإغراءات السلطة