20-أبريل-2022
القصف التركي

ما لكم كيف تحكمون؟ هل يوجد أبلغ من هذا الوصف والعبارة في حكمكم أيها الساسة؟ وهل تُدركون معنى السيادة في مفهوم النظام السياسي الذي أنتم جزءًا منه؟ هل يستطيع من استطاع منكم أن يجد تفسيرًا في مخيلته لمفهوم السيادة أو تفسير معانيها؟ أكاد أُجزم أنكم لا تدركون أن للسيادة لون وطعم واحد، وأنها لا تتلون وفق الأهواء والمصالح ولا تتعدّد حسب مقتضيات المصلحة الشخصية والحزبية والفئوية.

القصف والتوغل التركي لن يكون الأخير في بلد مثل العراق تتحكم به مجموعات سياسية تتبع لهذا القطب أو ذاك الطرف

السيادة.. أيُها الساسة هي مفهوم واحد وتعريف لا يقبل القسمة على اثنين، فمحاولات السكوت وغض البصر عن التوغل والقصف التركي الذي طال القرى والمزارع في إقليم كردستان وتبرير هذا التوغل بالاتفاقيات السابقة التي عقدها نظام صدام حسين مع الجانب التركي، لا تشفع لهذا السكوت والتبرير وكأن شيئًا لم يحدث، خصوصًا مع ذلك التدمير الهائل في الثروات الطبيعية والقرى المأهولة بالسكان من جانب القوات التركية المدججة بالسلاح وهي تقتحم تلك المناطق.

في مقابل ذلك، كان الرفض والاستنكار للقصف الإيراني الذي وصل إلى حدّ مطالبة بعض الأصوات في حكومة الإقليم بتدويل قضية هذا القصف في أروقة الأمم المتحدة الذي استهدف مواقع على أرض الإقليم يجري التخطيط فيها "لأعمال مشبوهة أو معادية لطهران" حسب ادعاء الجانب الإيراني.

وبين السكوت والرضوخ والرفض والاستنكار، ما هو إلا دليل دامغ وأكيد للكيل بمكيالين لمفهوم السيادة مع الاعتراف سرًا أو علنًا من قبل ساسة الإقليم الكردي أن التوغل التركي المدجج بالسلاح والقصف الجوي الذي استهدف أرضه والسكوت والتغاضي وعدم وجود رد فعل يتناسب مع هذا الفعل، إلا محاولات كردية لنيل رضا الجانب التركي وعدم إغضابه، خصوصًا في موافقته لتصدير النفط المهرّب من كردستان عبر الأنبوب النفطي الممتد عبر الأراضي التركية إلى أماكن عديدة من بينها "إسرائيل" بأسعار مخفضّة تجذب المتهافتين عليه في ظل ارتفاع أسعار النفط العالمية.

لم تُحرك السيادة ذلك الشعور بالوطنية والانتماء للأرض وهم يسمعون تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو عام 2021 عندما قال "سنذهب إلى العراق وسوريا قريبًا سيرًا على الأقدام"، في حديث يختصر الكثير من المعاني، وهنا لا بد من التاكيد أن أي عاقل وصاحب شعور بالولاء والانتماء لبلده أن يرفض أي نوع من انواع الاعتداءات أو التهديدات لبلده سواء كانت من إيران أو تركيا أو حتى من بعض دول الخليج التي تمارس تعرضاتها اليومية على صيادين عراقيين وتحتجزهم مع قواربهم لصيد الأسماك بحجة الدخول إلى مياهها الإقليمية، لكن تفسير معنى السيادة وفق الأهواء والمصالح فهو فعلٌ من المؤكد لا يمكن تفسيره في الأنظمة السياسية الطبيعية أو الصحيحة إلا من باب الخيانات العظمى حيث لايمكن أن توصف بأقل من ذلك الوصف.

القصف والتوغل التركي الذي بالتأكيد لن يكون الأخير في بلد مثل العراق تتحكم به مجموعات سياسية تتبع لهذا القطب أو ذاك الطرف وتسكت عن تجاوزات الدول التي تأتمر بأوامرها وتأخذ النصائح منها، لا يمكن إدخالها من أبواب السياسة لأنها قريبة من خانات الخيانة والتبعية، ولا يمكن أن تشفع لهم تلك الممارسات أمام شعوبهم التي تعرف جيدًا أنهم ليسوا مؤهلين لقيادتهم، لكنها من سُخريات السياسة ليس أكثر.