29-يناير-2020

محزن أن عراقيين يتضامنون مع إسرائيل (الترا عراق)

أرجوك قل أي شيء لكن لا تقل: ما شأني بفلسطين، لأنك حينها تقول ـ دون أن تشعر ـ ما شأني بإنسانيتي!

هكذا ستكون خريطة فلسطين في صفقة القرن المضحكة التي أنزلت الفلسطينيّ من صليبه المعلّق عليه منذ قرن ودفنته ونفض الجميع أياديهم من ترابه

انظرْ إلى الصورة. هكذا ستكون خريطة فلسطين في صفقة القرن المضحكة التي أنزلت الفلسطينيّ من صليبه المعلّق عليه منذ قرن، ودفنته، ونفض الجميع أياديهم من ترابه. لكنني أعرف أن في فلسطين بالذات، كان هناك رجل ـ إله صُلب ودفن وقام في اليوم الثالث ليغير العالم.

أساي كبير أن من دافع عن فلسطين ـ لفظيًا وعنتريات فارغة ـ هم أنفسهم مضطهدو شعوبهم، من صدام إلى المقاومين الإسلاميين الجدد، شيعة وسنة، وإذا أردت أن تسفّه قضية اختر لها محاميًا تافهًا.

اقرأ/ي أيضًا: حناجر إسرائيل في بغداد.. إيقاع التطبيع المنبوذ

ونحن ـ العراقيين ـ محنتنا مع فلسطين مثالٌ على ما يمكن أن تفعله بنا الإيديولوجيا. وعيّنة حيّة على ما تأتي به الهويّات التي هي غالبًا أسماء بلا مصاديق واقعية، إذا وُضعتْ بإزاء الإنسان ـ الفرد مجرّدًا من كلّ اسم زائف.

فلسطين لم يصنعها فمُ صدام العقائديّ. فلسطينكم التي صنعتها عقيدة صدام ليست فلسطين الواقعية يا أخوة

حتى الليبراليون، أو من تربلل حديثًا بفضل الفيسبوك، يدرك أن الفلسطينيين مضطهدون منذ قرنٍ كامل، مقموعون بآلة عقائدية خارجة من أرذل ما في الكتب الصفراء من حقدٍ على الناس والأرض، ومن شاهد كيف يقتلع اليهوديّ أشجار الزيتون من جذورها يعرف مقدار الغلّ الذي تفرضه عليه مدوّنات حقده المقدسة.

العقائد تملأ كلّ شيء بحيث سدّت علينا منافذ الرؤية، فبسبب زيف عقيدة صدام كرهنا كلّ ما هتف به صدام، والمحنة الكبرى حقًا أن تتعرّف على فلسطين من نافذة صدام وحده. لدينا جيل جديد يتربلل بسرعة فائقة وليس في ذهنه عن فلسطين شيء سوى تلك اللفظة التي كان ينطق بها فمُ صدام الأعوج.

لكنّ فلسطين لم يصنعها فمُ صدام العقائديّ. فلسطينكم التي صنعتها عقيدة صدام ليست فلسطين الواقعية يا أخوة.

ثم أتى عقائديون فلسطينيون ـ كما أتى عقائديو كلّ الأمم ـ بأحزمتهم الناسفة إلينا وفضلوا أن يدخلوا الجنّة من باب العراق المفتوح على مصراعيه، فصدّقنا أن هذه هي فلسطين: أرض تنتج رجالاً بأحزمة ناسفة. خيالنا المشغول بفم صدام لم يشيطن التونسيين أو الجزائرين أو السعوديين أو السوريين الذين دفنوا أشلاءً في أرضنا بعد تفجير أنفسهم وأصبحوا سمادًا ينفع أرضنا التي ستعود خصبة كما كانت، لم يُشيطن هؤلاء لأنكم كرهتم فلسطين التي هي فلسطين صدام وفلسطين أبو حفصة، فلسطين الهويّات التي هي لا شيء، وكلّ هويّة هي بعد التمحيص لا شيء! لأنّ ما في الواقع ليس سوى الإنسان ظالمًا أو مظلومًا، يعيش كما يستحقّ أو دون ما يستحقّ لأن إنساناً آخر سلبه حقوقه.

محزن أن عراقيين يتضامنون مع إسرائيل.

أية رضّة نفسية عميقة خرّبت ذواتهم بحيث جعلتهم يرون في كلّ إنسان مجرد هويّةٍ أسبغها هو عليه ولا يرى في الإنسان دمه وحزنه وصراخه، ما الذي جعله يكذّب حواسه ويصدّق وهمه المنتج للهويات؟

إذا أردت أن تحصر الناس في هويّة فستضطرّ إلى أن تتحوّل إلى آلة كراهية لا تتوقف، ستتحوّل إلى صدام المؤمن، أو أبي حفصة الفلسطينيّ أو حاييم اليهودي.

تهنا في صحراء الهويات، ونسينا الإنسان الذي هو مجرد يد ممدودة إلى إنسان آخر.

أنا مع الفلسطينيّ لأني أراه وحده بلا اسم آخر يحفّ به أراه وهو لا يزال يحمل مفتاح بيت جدّه البيت الذي سرقه منه عقائديّ بلحية وقبّعة قبل قرن كامل

أنا مع الفلسطينيّ لأني أراه وحده بلا اسم آخر يحفّ به، أراه وهو لا يزال يحمل مفتاح بيت جدّه، البيت الذي سرقه منه عقائديّ بلحية وقبّعة قبل قرن كامل، أقف بشكلٍ أكيد حتى مع الفلسطينيّ الذي وقف مع صدام ضدي بسبب الهوية التي جعلته بعين واحدة، مع الإنسان مظلومًا ومقموعًا ومضطهدًا لأنني بلا هوية، لأنني مبصر ذو عينين!

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدعوة إلى الوهم.. هل هناك جدوى من "التطبيع"؟

الدعوة إلى "التطبيع".. أسئلة النموذج والدولة