20-مارس-2020

زوار كانوا ذاهبين للإمام الكاظم في بغداد بعد فرض حظر التجوال بسبب فيروس كورونا (Getty)

بعض المتدينين وبسرعة البرق اكتشفوا، أن مناشدة الزوار من تأجيل زيارة الإمام الكاظم في بغداد هي نظرة مادية! واكتشفوا أيضًا أنها علاقة روحية لا يجوز المساس بها. بمعنى أن توضيح خطورة العدوى والحث على تجنبّها مكيدة مادية يستثمرها الملحدون لضرب عقائد الناس. بينما توجد في التراث الديني أحاديث تحذر الاقتراب من المجذوم. وما تحفظه ذاكرتي هو حديث نبوي يقول "ابتعدوا عن المجذوم مسافة رمح".

 الديانة الشعبية تحاول فرض أساطيرها ولا معقوليتها ضد كل صوت عقلاني بحجة محاربة العقيدة

 لا أعرف ما هو الربط بين تجنب الآفات والتدخل بعقائد الناس. ما أعرفه أن الديانة الشعبية تحاول فرض أساطيرها ولا معقوليتها ضد كل صوت عقلاني بحجة محاربة العقيدة! وهذه الديانة لا تلتزم برأي الشريعة ولا بنصائح الفقهاء وفتاواهم، ولذلك يتعمدون العناد والتحدي بجهل فاق كل التوقعات.

اقرأ/ي أيضًا: الهوية والحرية

في السردية الشيعية الإمامية أن الأئمة الأ ثني عشر قضوا كلهم بالسم؛ لقد تقطع كبد الإمام الحسن أثر السم الذي دسته له جعدة بنت الأشعث، وهنالك رواية تذهب على أن النبي مات مسمومًا. شيء يدعو للمفارقة والدهشة حينما تجهد نفسك لتقنع الناس بالبديهيات! تقنعهم بتجنب الوباء. علمًا أن العراق كانت حصته من الأوبئة كبيرة جدًا. واليوم نكتب لنقنع بعض المتدينين ثمّة فيروس واسع الانتشار ولا علاقة له بالعقيدة، لا علاقة له بالإلحاد والدين، هذا وباء فتاك لا يميز بين المتدين والملحد، بين الشريف والوضيع. فالعاصفة حينما تهب لا تميز بين الحجر والشجر.

لقد هددت الأوبئة سير الحضارات البشرية، وتركت الإنسان يسارع الزمن لصياغة الأسئلة الكبرى للبشرية: إنها تستفز الشعور الأكبر في حياتنا، وهو الشعور بالوجود. لقد كانت هذه الأوبئة قوة غير منظورة تساهم في تهديد إمبراطوريات ضخمة، والتهمت الملايين في العالم.

في تقريره الذي نشره موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي، نقلًا عن موقع الجزيرة، قال الكاتب رايدر كيمبول "إن تفشي الطاعون الدبلي وضع حدًا لفترة حكم إمبراطور بيزنطة في القرن السادس جستنيان الأول. وقتل هذا الوباء الذي يعرف في الوقت الراهن باسم "طاعون جستنيانما" بين 30 إلى 50 مليون شخص، أي ربما ما يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت". ثم يذكر الأوبئة العالمية الفتاكة بالتسلسل: طاعون جستنيان (541 - 750م)، الموت الأسود (1347 - 1351م)، الجدري (القرنين 15 و17)، الكوليرا (1817 - 1823)، الإنفلونزا الإسبانية (1918 - 1919)، إنفلونزا هونع كونغ (1968 - 1970)، المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (2002 - 2003)، إنفلونزا الخنازير (2009 - 2010)، إيبولا (2014 - 2016).

لم تستثنِ هذه الأوبئة الخطيرة الجاهل والعالم أو الحضارات "المادية" أو "الروحية". والناجي بلعبة الموت هذه هو من يتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

 طبقًا للمعلومات التي وثّقها مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء، فلقد كانت حصة العراق من هذه الأوبئة كبيرة جدًا، وتاريخه الوبائي خير دليل على ذلك، بل الكثير من العراقيين لا يجهلون هذا التاريخ المرعب. ودائمًا ما كان هذا التاريخ يسجّل عجزًا واضحًا في استيعاب الحالات المرضية وتفشل السلطات في احتواء الأزمة.

 لو تخلصنا من هذا الوباء الجديد، فمن الذي يمكنه تخليصنا من وباء الديانة الشعبية القاتل؟

 وفي القرن السابع عشر( الأعوام: 1619، 1635، 1638) اجتاح الطاعون بغداد واغتال وسبب بالكثير من الوفيات. وعاود الظهور في القرن الثامن عشر (الأعوام: 1718، 1737، 1739)، واجتاح النجف وبغداد والموصل، وكانت ضحاياه ألف إنسان في ذلك الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: في العدمية السياسية

ثم عاود الظهور بشكل أكثر شراسة في القرن التاسع عشر( الأعوام: 1801، 1804، 1820) وكانت ضحاياه في البصرة سبعين ألفًا. وفي القرن العشرين اجتاحت الكوليرا المدن العراقية الأعوام: 1916 ،1917 حيث سقط في مدينة الموصل وحدها عشرة آلاف ضحية.

لو تخلصنا من هذا الوباء الجديد، فمن الذي يمكنه تخليصنا من وباء الديانة الشعبية القاتل؟ للأسف الشديد لازال هذا الوباء الفتاك يجتاح بعض العراقيين، ولم يتوفر بعد العقار اللازم للقضاء عليه، ويبدو أن هذا البلد قد وقع عقدًا مفتوحًا مع العدمية والموت.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

شيعة العراق.. القبيلة والمذهب والسياسة

عن وثنيتنا المعاصرة