18-فبراير-2020

مع تراجع زخم التظاهرات يقف المحتجون عند مفترق طرق (Getty)

الترا عراق - فريق التحرير

سلط تقرير صحافي، عبر "قصة حب" ولدت في ساحة الاحتجاج، الضوء على التغيرات المجتمعية التي نجحت التظاهرات الشعبية العراقية بتحقيقها، مشيرًا إلى أن الاحتجاجات تقف اليوم أمام مفترق طرق.

أحدثت مشاركة النساء في التظاهرات وهتاف المحتجين ضد رجال دين صدمة بين العراقيين 

ويرى التقرير الذي نشرته وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس، أن "دوامة العنف" أدخلت الجيل الشاب في غيبوبة لسنوات طويلة، لكن الاستقرار الممتد لفترة وجيزة، "فتح أعينهم" على حقيقة أن هناك أكثر من النجاة من الموت، كالعيش بكرامة في مجتمع مدني، وكسر التزمت الاجتماعي، ووقف سطوة الأحزاب الدينية.

وفيما يلي نص التقرير:


كاد علي لا يصدّق عندما أعلن صديقه فجأة أمام متظاهرين في بغداد خطوبته على فتاة تعرّف عليها خلال الاحتجاجات التي، إن عجزت حتى الآن عن إحداث تغيير سياسي كبير، لكنّها نجحت في كسر محرمات اجتماعية عدة.

ويرى علي خريبيط (28 عامًا) الذي حضر حفل الخطوبة العفوي، أنّ المتظاهرين سجّلوا "هدفًا واحدًا" في مرمى السلطة مع استقالة حكومة عادل عبد المهدي. لكن تمّ تكليف شخصية من النظام نفسه بتشكيل حكومة جديدة. لكن اجتماعيًا "حققنا الكثير".

اقرأ/ي أيضًا: المرأة العراقية في الاحتجاجات.. مسعفة ومتظاهرة ومهدّدة

في المجتمع المحافظ الذي تسيطر عليه إلى حد كبير أحزاب دينية، أحدثت مشاركة النساء إلى جانب الرجال في التظاهرات، وهتاف المحتجين ضد سياسيين بينهم رجال دين، صدمة بين العراقيين الذين لم يكن من الممكن أن يتصوّروا ذلك قبل احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر.

وغصّت ساحات الاعتصام خلال الأشهر الماضية بنساء تظاهرن وأسعفن مصابين وكتبن على الجدران ورسمن وشومًا على أكتاف وأذرع الشبان وشاركن في حلقات نقاش وحلقات موسيقية.

وتردّدت عبارات "إلغاء الطبقية" و"إزالة الفوارق" على ألسنة المحتجين وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت صور الشبان والشابات من مختلف الفئات الاجتماعية وهم يسيرون جنبًا إلى جنب ويذرفون الدموع معًا بعد فقدان زملاء لهم في مواجهات قتل فيها المئات.

كاد علي لا يصدّق عندما أعلن صديقه فجأة أمام متظاهرين في بغداد خطوبته على فتاة تعرّف عليها خلال الاحتجاجات

ويلخّص أحد مستخدمي "تويتر" واقع التظاهرات في بغداد بالقول "ساحة التحرير تجعلنا نحلم"، وذلك تعليقًا على وقوع صديقه، سائق عربة التوك التوك، في حب مسعفة تنتمي إلى عائلة مرموقة.

-غيبوبة العنف -

واندلعت التظاهرات احتجاجًا على الفساد والبطالة في بلد غني بالنفط يعاني نحو 20 بالمئة من سكانه من الفقر بعد عقود من الحروب والاضطرابات. فقد دخل العراق بعيد وصول صدام حسين إلى السلطة عام 1979، نفقًا طويلاً من النزاعات التي عزلته عن العالم ودفعت بالآف من جامعييه ومفكّريه إلى الهجرة.

ويعتبر عراقيون الفترة الممتدة بين إعلان الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية نهاية 2017 وانطلاق التظاهرات، مفصلية في حياتهم كونها أتاحت لهم فرصة اختبار العيش في ظل استقرار نسبي للمرة الأولى منذ أربعة عقود.

وبحسب أحمد الحداد (32 عامًا)، فإنّ دوامة العنف أدخلت "الجيل الشاب في غيبوبة لسنوات طويلة، لكن الاستقرار فتح أعينهم على حقيقة أن هناك أكثر من النجاة من الموت، كالعيش بكرامة في مجتمع مدني، وكسر التزمت الاجتماعي، ووقف سطوة الأحزاب الدينية".

ولم يكن العراق مرادفًا للتشدد دومًا. غير أنّ الثورة في الجارة إيران عام 1979، والقمع في الداخل حيث لم يكن يحق للمواطنين حتى امتلاك جهاز بث فضائي، ثم الحروب المذهبية والتطرف، دفعت شريحة واسعة من البلاد نحو التزمت، بحسب متابعين.

فتح الاستقرار أعين العراقيين على حقيقة أن هناك أكثر من النجاة من الموت كالعيش بكرامة ووقف سطوة الأحزاب الدينية

وغالبا ما ينشر عراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا للجامعات العراقية وأماكن العمل خلال سبعينات القرن الماضي تظهر فيها نساء يرتدين ملابس متحرّرة برفقة رجال.

- "متحضر لا رجعي" -

وفتحت التظاهرات الأخيرة الباب أمام ما يشبه الانقلاب الاجتماعي، خصوصًا في مدن الجنوب الزراعي المحافظة ذات الغالبية الشيعية.

في الديوانية (200 كم جنوب بغداد)، لم تتخيّل المرشدة التربوية هيّام شايع طوال أعوامها الخمسين أن تكون قادرة يومًا على الاختلاط والتعبير عن رأيها في مدينة قلّما تُشاهد فيها المرأة خارج المنزل.

وتقول شايع وهي تقف بالقرب من متظاهرين مرتدية عباءتها الجنوبية السوداء "تغيّرت قضايا اجتماعية كثيرة بشكل مفاجئ وكبير".

بالنسبة لها، فإن المتظاهرين الذين قتلوا في حملة قمع أودت بحياة 550 شخصًا، ضحّوا "من أجل وطن متحضر ومدني، لا متخلّف ورجعي".

فتحت التظاهرات الأخيرة الباب أمام ما يشبه "الانقلاب الاجتماعي" خصوصًا في مدن الجنوب المحافظة ذات الغالبية الشيعية

ولم تأت هذه التغييرات دون مقاومة من سياسيين وحتى مواطنين هاجموا مسألة الاختلاط، واتّهموا المتظاهرين بتعاطي المخدرات وشرب الكحول.

- ماذا الآن؟ -

وشجّعت التظاهرات كذلك شخصيات على الدعوة إلى إنهاء نظام المحاصصة بين المذاهب الذي ولد بعيد سقوط نظام صدام حسين، ومن بينهم لاعب كرة القدم السابق عدنان درجال الذي طالب بعدم "اعتماد الطائفية والمناطقية" في اللعبة الأكثر شعبية.

ووفقا لخالد حمزة، وهو مدير مركز أبحاث في بغداد، فإن الاحتجاجات قادت أيضًا إلى إنهاء "قطيعة كبيرة" بين جيل قديم عايش الحروب والحصار، وجيل شاب يستعجل التغيير والتقدّم في بلد تبلغ فيه نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة نحو 60 بالمئة من 40 مليون نسمة.

ويقول الرجل الستيني "نحن بصدد حراك تلقائي (...) من شريحة من الشباب لم يُتوقع سابقًا أن تنهض بهكذا مسؤولية (...) لتنجز مهامًا كانت أجيالنا غير قادرة على إنجازها".

أمّا هبة التي شاركت في تظاهرات البصرة في أقصى الجنوب، فتعتبر أنّ الاحتجاجات نقطة تحوّل اجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: إصرار في مواجهة السلطة والعوائل.. طالبات العراق في الاحتجاجات

 

وتقول الشابة وقد غطت نصف وجهها بوشاح خشية التعرّف عليها وملاحقتها، إنّ الحركة الاحتجاجية "قوّت شخصيتنا وجعلتنا نميّز بين الصح والخطأ ونطالب بحقوقنا".

ومع تراجع زخم التظاهرات في الأسابيع الأخيرة، يقف المحتجون عند مفترق طرق.

يرى متظاهرون شبان أن الوقت الآن هو للعمل على تحقيق الوحدة تحت مظلّة رؤية جديدة وخطة تستجيب لاحتياجات العراقيين 

ويرى محمد العجيل أن الوقت الآن هو للعمل على تحقيق "الوحدة تحت مظلّة رؤية جديدة وخطة تستجيب لاحتياجات العراقيين"، وإن تطلب ذلك "سنوات".

ويضيف "ما يحصل كبير جدًا، لكنه في الوقت ذاته جديد علينا. لا يمكن أن نتوقع أن يحدث كل شيء بين ليلة وضحاها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إضعاف "ثورة القمصان البيض".. حملات لإطلاق رصاصة الرحمة على الاحتجاج

ماذا يفعل "مسلحو الداخلية" في مدارس البنات غير إبداء "النصائح"؟