29-سبتمبر-2019

رغم رفض بغداد إلا أن تركيا مستمرة في قصف أهداف تقول إنها تابعة لحزب العمال (فيسبوك)

لا تكاد أن تمضي فترة دون أن يمر في شريط الأخبار قيام الجيش التركي بعمليات قصف بالطائرات الحربية والمدافع الثقيلة على أهداف تقول تركيا إنها تابعة لحزب العمال الكردستاني المُصنّف إرهابيًا لدى الحكومة التركية، في الشمال العراقي.

رغم استمرار احتجاجات بغداد عبر البيانات أو مذكرات تُسلّم للسفير التركي، إلا أن تركيا مستمرة في قصف أهداف تقول إنها لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق

ورغم الاحتجاجات المتوالية من بغداد عبر البيانات أو مذكرات تُسلّم للسفير التركي، إلا أن تركيا ترى ضرورة استمرار ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي ينشط في شمال العراق ويُهدد الأمن القومي التركي كما تؤكد السلطات في أنقرة.

بغداد تستنكر!

مع تكرار القصف التركي ومطالبات إقليم كردستان لبغداد باتخاذ موقف منه، استنكرت وزارة الخارجية العراقية "ما قامت به الطائرات التركية من خرق للأجواء العراقية، واستهداف للعديد من المواقع التي أوقعت خسائر في الأرواح والممتلكات".

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن حزب العمال الكردستاني؟.. 10 أسئلة تشرح لك

عدّت وزارة الخارجية ببيانها في شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، القصف التركي "انتهاكًا لسيادة العراق وسلامة أمنه". ولتؤكد براءتها من حزب العمال، رفضت استخدام الأراضي العراقية "مقرًا أو ممرًا للقيام بأعمال تنعكس على أمن دول الجوار والأشقاء".

أنقرة تتجاهل: بقي 700 إرهابي!

في سياق هذه الضربات قال وزير الدفاع التركي في 14 كانون الأول/ديسمبر 2018 إن "المقاتلات التركية دمّرت 30 هدفًا"، فيما كشف وزير الداخلية عن عدد عناصر حزب العمال المتبقين بالقول: "لن نفسح المجال للإرهاب، بقي 700 إرهابي في الجبال، ولا داعي للقلق". ورغم احتجاجات بغداد، توعد بإطلاق "عمليات شتوية" قريبًا.

وبعد يوم من استدعاء الخارجية العراقية سفير أنقرة لدى بغداد فاتح يلدز، وتسليمه مذكرة احتجاج على "الخروق الجوية المتواصلة" من قبل تركيا للأجواء العراقية، أكدت القوات المسلحة التركية أنها نفذت غارات خلال اليومين، أسفرت عن "تحييد سبعة من عناصر حزب العمال في منطقتي الزاب وهاكورك ودمرت قواعد وتحصينات للمسلحين الأكراد".

استمرارًا لذلك المسلسل، أطلقت تركيا في أواخر أيار/مايو 2019 عملية عسكرية ضد المسلحين الكرد في شمال العراق بواسطة قوات خاصة وبدعم من المدفعية، ثم أصدرت الخارجية العراقية بيانًا "يُدين" قيام طائرتين حربيتين تركيتين بقصف مكثف في محافظة السليمانية ما تسبب بإزهاق أرواح أربعة مواطنين وجرح مثلهم آخرين.

أثناء تواجد "ألترا عراق" في قرية تابعة لـ "برواري بالا" لوحظ أن نشاط القوات التركية عبر القصف وتحليق الطيران يستمر حتى ساعات متأخرة من الفجر

تكرارًا للبيانات السابقة جددت الوزارة في 29 حزيران/يونيو "حرص العراق على إقامة علاقات استراتيجية ومنع قيام أعمال تنطلق من الأراضي العراقية ضد أمن الجارة تركيا"، كما جددت اعتبارها الأعمال الحربية المنفردة "انتهاكًا للسيادة العراقية"!

توسع تركي وقصف ليلي

تنتشر قوات تركية على الشريط الحدودي مع العراق وتتمدد داخل أراضيه، ويُلاحِظ المتجول هناك كثافة الوجود التركي فوق الجبال في المناطق الحدودية وبعمق الأراضي العراقية، لمراقبة تحركات حزب العمال الكردستاني وتنفيذ ضربات عسكرية ضده. وأخبر أحد المواطنين "ألترا عراق"، وهو من سكنة قرية متاخمة للحدود التركية، أن عناصر الحزب "تركوا مقراتهم الرئيسية بعد تكثيف التواجد العسكري التركي والعمليات التي تستهدفهم". ويُبين أن ذلك لم يَمنع من استهدافهم، الصواريخ تلاحق عناصر الحزب في الكهوف التي يختبئون فيها".

اقرأ/ي أيضًا: كردستان العراق.. عسكرة على طريق الانقسام!

وأثناء تواجد "ألترا عراق" في قرية تابعة لـ "برواري بالا" لوحظ أن نشاط القوات التركية عبر القصف وتحليق الطيران يستمر حتى ساعات متأخرة من الفجر.

زاد الجيش التركي من عديد قواته المتواجدة في تلك المناطق، وانتشر على سفوح جبال لم يكن يتواجد فيها قبل سنوات. كانت القوات تتواجد في نقاط أعلى إحدى الجبال، يصعدون لها عبر طرق معبدة، وتتبدل القوات، ينزل جنود ويأتي آخرون من خلال عربات قادمة من قضاء زاخو (يبعد نحو ساعة من هذه النقطة)، لكن النقاط الجديدة تتلقى المؤون ويتبدل جنودها عبر طائرات (هليكوبتر)، ربما خوفًا من تسلسل عناصر حزب العمال الكرد. إذ تختبئ تلك العناصر في الجبال، ويلاحظ المواطنون هناك بقايا حاجياتهم من مياه وحقائب وأطعمة.

المُتحارِبان والأهالي

يقول أحد المواطنين مشيرًا بيده إلى التلال والحقول المجاورة لمنزله: "ينام عناصر الحزب في الجبال. لديهم عقيدة يؤمنون بها، وهم يقاتلون بضراوة ولن يستسلمون للقصف". وعن تعاملهم مع سكان تلك القرى يقول: "لا شأن لهم بنا. لكن تواجدهم في المنطقة يُمكن أن يُعرّضها للقصف التركي في حال كشفت القوات المتواجدة على الجبال تحركاتهم".

يترك بعض المسيحيين بيوتهم في تلك القرى أثناء فصل الشتاء لشدة البرد هناك، ثم يعودون إليها قادمين من دهوك أو بغداد وبقية المحافظات، أثناء فصل الصيف. تروي إحدى القاطنات هناك، السيدة (ج . أ) لـ "ألترا عراق"، حادثة في هذا الصدد :"استغلت عناصر حزب العمال الكردستاني فراغ إحدى البيوت من سكنته، وكسرت أقفاله ودخلت، لكن القوات التركية كشفت أمرهم وقصفت البيت وساوته بالأرض"، إن "القصف التركي يُرعب الساكنين في هذه المناطق"، تقول السيدة.

يحتفل المسيحيون في 13 أيلول/سبتمبر من كل عام بـ"عيد الصليب" في قراهم، ويُقيمون في الليل الاحتفالات؛ لكنها هذا العام كانت مُهددة بالإلغاء بسبب القصف التركي

في سياق العلاقة بين سكان تلك المناطق وحزب العمال يقول المواطن (ك.أ) إن "مقاتلي حزب العمال الكردستاني لا يتعرضون للمواطنين، كما أن القوات التركية تستطيع التمييز بينهم وبين المقاتلين، لكنها لا تتورع عن ضرب أي موقع يتواجدون فيه". ويُكمل: "عثر مواطنون مسيحيون قبل عام على عنصر من حزب العمال جريحًا جراء قصف للقوات التركية، قاموا بمعالجته في مستشفى تابعة لقرية تدعى (دوريه) لأسباب إنسانية"، لكن "الجيش التركي لا يُمكنه تبرير ذلك الفعل"، حسب تعبيره.

يُضيف: "هناك حديث عن نزول الجيش التركي من الجبال لتفتيش المنازل والوديان، في الأول من تشرين الأول/اكتوبر، بحثًا عن الأسلحة، فضلًا عن عناصر الكردستاني".

اقرأ/ي أيضًا: بالخرائط.. تركيا تستعيد الإمبراطورية العثمانية

يحتفل المسيحيون صباح الثالث عشر من أيلول/سبتمبر من كل عام بـ"عيد الصليب" في قراهم التي تحتوي كنائس قديمة، ويُقيمون في الليل احتفالات داخل قاعة مُشيدة؛ لكن احتفالات هذا العام كانت مُهددة بالإلغاء بسبب القصف التركي. يُخبر (ك.أ) "ألترا عراق" عن إحدى عمليات القصف التي قامت بها القوات التركية خلال الأشهر الماضية، حين استهدفت مدفعية تركية عناصر الحزب في إحدى الجبال، أدت لاندلاع حريق في الحشائش استمر لمدة سبعة أيام، وامتد الحريق حتى وصل لمناطق قريبة من سكن المواطنين. ويُردف القول: "كنّا في أحد الأيام جالسين في نادٍ ترفيهي، ونَفّذ الحزب عملية استهدف فيها الجيش التركي في ساعات متأخرة من الليل، ورد الجيش بقذائف الهاون. عشنا لحظات من الخوف ونحن نُشاهد عنصرين من حزب العمال يهربون والقوات تتعقبهم بالنار. تمكّنا من الفرار إلى بيوتنا بسلام".

الإقليم والحزب: لا قتال رغم التوتر

ليست العلاقة بين إقليم كردستان وحزب العمال الكردستاني بالعلاقة الواضحة المعالم، فالكثير من تصريحات المسؤولين في الإقليم، والتي تُدين القصف التركي، تحمل معها إدانة لما يفعله حزب العمال، بل كان رئيس أركان قوات البيشمركة، جمال ايمينكي، قد اتهم حزب العمال بمساعدة كل من سوريا وإيران والحشد الشعبي لإكمال الهلال الشيعي في المنطقة.

كما دعا الناطق باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني محمود محمد حزب العمال ومقاتليه إلى احترام خصوصية الإقليم وبلدة سنجار، التي ارتبط بها الحديث عن تخادمٍ بين حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي.

كما قامت قوات "الأسايش" في محافظة السليمانية بحملة خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2018 لإغلاق مقار ومكاتب حركة "حرية المجتمع الكردستاني" داخل المدينة وخارجها، وهي فرع من حزب العمال الكردستاني، وجاءت تلك الخطوة بالتزامن مع محاولات من جانب الاتحاد الوطني لافتتاح ممثلية له في تركيا.

 يقول إعلام كردي إن الخلافات بين حزب العمال وباقي الأحزاب الكردية نشأت منذ أن منعت قوة تابعة لـ"العمال الكردستاني" بمنع انتشار قوات البيشمركة في منطقة خانسور التابعة لقضاء سنجار شمال غرب الموصل.

تحدث شهود عيان لـ"ألترا عراق" عن مشاهدتهم عجلات حزب العمال وهي تمر دون مشاكل، من نقاط التفتيش التابعة لحرس الحدود العراقي

في تلك الأثناء، قال الحزب الديمقراطي الكردستاني إن حزب العمال "وضع يده بيد مخابرات الدول الإقليمية، وأصبح جزءًا من مؤامرات خارجية ضد الشعب الكردي ومحاولات الاستقلال"، وذلك قبل أشهر من استفتاء الانفصال الذي أجرته سلطات الإقليم وأجهضته بغداد.

اقرأ/ي أيضًا: تجدّد الاشتباكات بين أنصار حزب العمال والجيش العراقي

وبعد فشل الاستفتاء، تحدثت صحيفة عراقية شبه رسمية في بداية 2018 عن اتفاق سري أجراه الحزب الديمقراطي مع أنقرة لإقامة منطقة عازلة على حدود الإقليم مع تركيا، يُتيح للأخيرة الحد من نشاط حزب العمال الكردستاني. وتشير الصحيفة إلى أن ذلك يأتي بهدف أن "تسعى أنقرة للضغط على بغداد لفتح الباب أمام حوار جديد مع حكومة الإقليم"، ذلك قبل أن يصل عادل عبد المهدي المقرّب من الكرد، إلى رئاسة الوزراء.

مع ذلك، ورغم انتشار قوات حرس الحدود العراقية في المناطق المتاخمة لتركيا، وتصريحات مسؤولي الإقليم التي تُدين حزب العمال، وزيادة عديد القوات التركية ونقاطها في الشمال العراقي، ما زال "العمال" يُهدد ويضرب الأهداف التركية. وتحدث شهود عيان لـ"ألترا عراق" عن مشاهدتهم عجلات حزب العمال وهي تمر دون مشاكل، من نقاط التفتيش التابعة لحرس الحدود العراقي، والتي يبدو أن مهمتها ضبط عمليات التهريب فحسب. أما من جانب السلطات في الإقليم فلا وجود لعمليات جادة تستهدف عناصر "العمال".

أحد أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة دهوك، رفض أثناء حديث لـ"ألترا عراق"، الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته، لخّص هذه العلاقة بالقول: "المسؤولون في إقليم كردستان متورطون بحزب العمال الكردستاني"، مستدركًا: "لكنهم يعتقدون أن الكرد يجب ألّا يقتلوا الكرد".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حزب العمال الكردستاني.. سكينٌ في الخاصرة السورية

عبد المهدي والكرد.. "صداقة" قديمة و"تفريط" قد يؤدي إلى حرب!