17-يوليو-2021

بين الهاشمي والحريري.. القصاص النافع القاصر (فيسبوك)

إذن، وبعد قرابة العام، أعلنت الحكومة العراقية القبض على قاتل الخبير الأمني هشام الهاشمي الذي اغتيل في بغداد على يد مسلحين يستقلون دراجتين ناريتين. ولم يكن ذلك الاغتيال خبرًا هامشيًا كعادة الاغتيالات في العراق لما يحظى به الهاشمي من علاقات متشعبة وظهوره المتكرر على شاشات التلفاز المحلية والعربية.

تُركت الأمور لتفسيرات الناس في مواقع التواصل حتى صار المدونون خبراء أدلة جنائية وذهب بعضهم لتبرئة القاتل رغم اعترافه تشكيكًا بالرواية الحكومية غير المتكاملة

ولهذا السبب ولغيره، كان الإعلان شغل الناس الشاغل في الساعات التي تلت بث تلفزيون الدولة الرسمي اعترافات (إنْ صح التعبير) القاتل وهو ضابط منتسب لوزارة الداخلية كشفت تقارير عن ترقيته قبل أيام من اعترافاته المصوّرة.

اقرأ/ي أيضًا: اعترافات قاتل هشام الهاشمي.. جواب "يفجّر" 3 أسئلة محورية

كان مشهد القاتل المعترِف يشبه إلى حد ما لناحية التفاصيل حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري. لقد أدانت محكمة لاهاي القاتل وفق الأدلة المتوافرة لكنها لم تستطع إدانة الحزب والدولة اللذان يُشار لهما بأصابع الاتهام من قبل البعض منذ الحادث. وهذا عمل قانوني بحت.

تركت المحكمة التفسيرات للمجتمع والسياسيين وساد جدل حول ما إذا كانت المحكمة برّأت الحزب والدولة المعنيان أم أعطت الخيوط الممهدة لاتهامهما. وبذلك، لم تحسم المحكمة الجدل لاعتبارات قانونية لا شأن لها في السياسة، وليس من واجبها أن تحسم جدلًا سياسيًا دون ما يعزز ذلك بالقانون.

الآن، فعلت الحكومة العراقية الشيء ذاته حين كشفت عن جهة انتماء الضابط القاتل وأماكن تحرّكه دون الإفصاح عن المزيد من أسباب ومبررات القتل والجهة الدافعة أو الداعمة أو المحرّضة، وتركت الأمور لتفسيرات الناس في مواقع التواصل حتى صار المدونون خبراء أدلة جنائية وذهب بعضهم لتبرئة القاتل رغم اعترافه، تشكيكًا بالرواية الحكومية غير المتكاملة.

وفي أجواء كهذه، للناحية المنطقية، يُمكن للجدل أن يتسع ويأخذ مديات معقولة وغير معقولة، فاتهام جهات مسلحة معروفة بالوقوف وراء القاتل استنادًا إلى منشورات له مؤيدة للحشد الشعبي وقياداته يُمكن أن يُقابل باتهامات لوزارة الداخلية التي ينتمي لها الضابط، أو شارع المتنبي الذي يزوره، أو حتى الشاعر الذي اقتبس له القاتل في أحد المنشورات، طالما أن القضية تُركت لتفسيرات رواد مواقع التواصل، وفي دولة مضطربة كالعراق كل ما غير معقول فيها مقبول.

لم تتهم الحكومة العراقية كما المحكمة الأممية جهة محددة بالوقوف وراء حادثتي الاغتيال؛ لكن الحكومة، بلا شك، فعلت ذلك مع توافر الأدلة، بعكس المحكمة. لقد أظهر المقطع التحقيقي من أين جاء القاتل ومن معه وأين ذهبوا وإلى أين انسحبوا. وثمة فارق آخر يتعلق بالأوصاف والمهام، فالمحكمة جهة قضائية ليس مطلوب منها دائمًا أن تتحدث أكثر مما موجود على الورق، عكس الحكومة – الجهة التنفيذية – المُطالَبة بالكشف عن دوافع الجريمة وخصوصًا السياسية. إلا أنها وبخشيتها المعتادة غير المفاجِئة لم تكشف الأدلة أو الاعترافات كاملةً، بل وبحسب رأينا لم تكن لتنشر الاعتراف المجتزء لولا الضغط الناجم عن مسلسل الحرائق واستهداف منظومة الطاقة الكهربائية وصولًا إلى حركة زعيم التيار الصدري الأخيرة.

مرةً أخرى: يكمن الفارق بكون المحكمة الدولية اكتفت بالحكم استنادًا إلى الأدلة، فيما اكتفت الحكومة العراقية بالمشهد الذي عرضته استنادًا إلى معطيات وأسباب أخرى لا تتعلق بالأدلة أو بالعمل التحقيقي، وما كان انتشار العجلات العسكرية في مقتربات المنطقة الخضراء فور الإعلان عن القاتل إلا صورة واضحة عن الحال الذي تعيشه هذه الحكومة.

اكتفت الحكومة العراقية بالمشهد الذي عرضته استنادًا إلى معطيات وأسباب أخرى لا تتعلق بالأدلة أو بالعمل التحقيقي

وعلى أية حال، كلُ قصاصٍ من قاتلٍ نافعٌ، وإن كان قاصرًا، على أمل تحقيق العدالة أولًا بالقصاص من الجناة المباشرين، وأمل ردع الآخرين الذين لا ينوون الكف عن سفك المزيد من الدماء.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الكاظمي يعلن اعتقال "قتلة" هشام الهاشمي

عام على اغتيال الهاشمي.. متحمس لبناء الدولة تلقى الخُذلان بهيئة رصاصات