25-يونيو-2022
سجاد العراقي

لا دليل إلى الآن على أنه حي أو ميّت (فيسبوك)

مع اقتراب الذكرى الثانية لاختطافه أثناء احتجاجات تشرين 2019، وقرب إحياء اليوم العالمي للإخفاء القسري، عقدت عائلة المغيّب "سجاد العراقي" مؤتمرًا خاصًا للمطالبة بالكشف عن مصيره تحت عنوان "الحرية لسجاد العراقي" بحضور عدد من النواب المستقلين وممثلي الكيانات السياسية الناشئة، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الصحفيين والناشطين والفاعلين في الحراك الاحتجاجي.

لم تقدم حكومة الكاظمي أي دليل بخصوص سجاد العراقي وما إذا كان حيًا أو ميتًا

وسجاد العراقي، هو ناشط في احتجاجات تشرين، اختطف في أول شهر أيلول/سبتمبر 2020، وبحسب شهادة باسم فليح، الذي كان برفقته ليلة الاختطاف، فإنّ "مجموعة من السيارات رباعية الدفع قد حاصرت سيارتهم في منطقة آل أزيرج في ضواحي مدينة الناصرية وأجبرت العراقي على مرافقتهم"، وفليح كان قد ذكر أيضًا في شهادته أمام الجهات الأمنية والقضائية أنه "استطاع تمييز أحد الخاطفين وأنه أحد عناصر فصيل مسلح مرتبط بالحرس الثوري الإيراني".

الكاظمي و"لعبة المماطلة والتسويف" 

عائلة سجاد العراقي، ورغم تجربتها على مدار السنتين الماضيتين مع الوعود الحكومية بكشف حقيقة القضية، أصرّت مرّة أخرى على عدم قناعتها بكل الروايات الرسمية حول مصير ابنها الذي مضى على اختطافه أكثر من 664 يومًا، حيث ذكرت والدة المختطف، في كلمة مقتضبة خلال المؤتمر الذي حضره "ألتراعراق" أنّ "الحكومة بكل أجهزتها الأمنية لم تقدم دليلًا واحدًا على حياة أو موت سجاد، رغم أنّ كل ملابسات القضية معروفة والجهات المسؤولة عن اختطافه مشخصة من قبل الجهات الأمنية والقضائية". 

وكان سجاد العراقي قد ظهر في مقطع فيديو قبيل اختطافه بأيام ليكشف عن تعرّضه لـ"تهديدات بالقتل من قبل ميليشيات مسلحة نافذة في محافظة ذي قار"، كما يؤكد أصدقاء سجاد العراقي أن آخر منشور لصديقهم المختطف على حسابه الشخصي على "فيسبوك" كان قد هاجم فيه مسؤولون بمكتب رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، واتهمهم بـ"التعاون مع فصيل عصائب أهل الحق".

ولكنّ حكومة الكاظمي واصلت ما وصفه شقيق سجاد العراقي، خلال كلمته في المؤتمر، بـ"المماطلة والتسويف"، عبر إرسال لجان تحقيق، كان أبرزها لجنة كشف الحقائق برئاسة مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي الذي زار منزل عائلة سجاد العراقي، ومن ثمّ "تخدير" القضية عبر وعود تعهد بها الكاظمي خلال لقائه والدة سجاد العراقي بعد مرور ثلاثة أسابيع على الحادث، بحسب شقيق الضحية.

واتهم شقيق سجاد العراقي، خلال كلمته، حكومة الكاظمي بـ"الرضوخ لسلطة الجهات الخاطفة"، معتبرًا أنّ "انسحاب قوات مكافحة الإرهاب والقوة العسكرية البرية والجوية المرافقة لها من مكان اختطاف سجاد بعد حصاره ليومين متتاليين، دليلًا قاطعًا على رضوخ الكاظمي للخاطفين".

ولم يكن أهل وأصدقاء المغيّب وحدهم من وجه الاتهام للحكومة الحالية، ففي تصريح سابق لمستشار محافظ ذي قار السابق لشؤون الجرحى والشهداء، علي مهدي عجيل، اتهم فيه حكومة الكاظمي بالعمل على" تسويف القضية"، وكشف عجيل الذي استقال من منصبه لاحقًا، عن تهريب "الأشخاص المتهمين باختطاف سجاد إلى دولة جارة رغم صدور منع سفر بحقهم". 

وشهدت فترة الإخفاء القسري لسجاد العراقي المستمرة إلى اليوم عدّة حراكات احتجاجية للضغط على حكومة الكاظمي للكشف عن ملابسات القضية، حيث كان أبرزها حراك "أُمهات ساحة التحرير" أواسط شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي بمشاركة منظمة "إنهاء الإفلات من العقاب"، و"اتحاد طلبة بغداد"، و"اتحاد العمل والحقوق"، و"جمعية الدفاع عن الصحافة"، و"مرصد أفاد"، ولكن هذه الفعاليات الاحتجاجية لم تفض إلى دفع السلطات لتبيان الحقائق.

تحذير للنواب المستقلين و30 يومًا للجهات المعنية 

 "لا تنسوني" بهذه الكلمة المنسوبة لسجاد العراقي أثناء مهاجمته من قبل الخاطفين، افتتحت فقرات المؤتمر الداعي للكشف عن مصير الناشط في احتجاجات ذي قار بعرض فيلم قصير يوثق عدة حالات الإخفاء القسري للناشطين المدنيين والصحفيين، تلاها كلمة ألقاها نيابة عن الفاعلين في الحركة الاحتجاجية الناشط نشوان الناهي، والذي استهل كلمته بالسؤال: "هل ستقف قافلة المغيبين عند سجاد العراقي؟"، كما خاطب الناهي في كلمته النواب المستقلين بالقول إنّ "جلال الشحماني ومازن لطيف وعلي جاسب وباقي قائمة المغيبين لن يرضوا بالسكوت عن الحقيقة ويطالبونكم بالتحرك ما استطعتم لكشفها وإدانة الجهات المسؤولة عن تغييب الأصوات الحُرة". 

وفي ختام كلمة الفاعلين في الحراك الاحتجاجي، حذّر نشوان الناهي النواب المستقلين المحسوبين على احتجاجات تشرين من مغبة إهمال ملف المغيبين، كما ذكر أنّ "المحتجين لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا ما أُهمل ملف المغيبين، فكما وقفنا بوجه نواب القوى السياسية الحاكمة، سنمتلك الشجاعة للوقوف بوجوهكم أيضًا". 

يتهم شقيق المغيّب سجاد العراقي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بـ"الرضوخ للخاطفين"

وللتغييب القسري سجل طويل مع حركة الاحتجاج في العراق، حيث افتتح الناشط المدني جلال الشحماني قائمة المغيبين والذي اختطف مع اندلاع موجة احتجاجات صيف 2015، تلاه في ذات الفترة، اختطاف الصحفي والمحامي واعي المنصوري، دون أن يتمّ الكشف عن مصيرهما رغم مرور أكثر من 6 سنوات على اختطافهما.

ولكنّ قائمة المغيبين لم تتوقف عند الشحماني والمنصوري، حيث تم اختطاف المعلّم فرج البدري بالتزامن مع احتجاجات البصرة 2018، إضافة إلى المحامي علي جاسب الذي اختطف مع اندلاع الموجة الأولى لاحتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، والذين لا يزال مصيرهما مجهولًا حتى اللحظة، ليلتحق بهما الصحفيان مازن لطيف وتوفيق التميمي.

وبعد توزيع استمارة استبيان رأي حول وجهات نظر الحضور إزاء قضايا الإخفاء القسري، والتي  وزعها أكاديميون شاركوا في المؤتمر، أنهى المؤتمرون فعاليات المؤتمر ببيان ختامي طالبوا فيه النواب الذين يوصفون بـ"المستقلين"، بـ"توحيد صفوفهم إزاء القضايا المتعلقة باحتجاجات تشرين ولا سيما عمليات الإخفاء القسري للناشطين والصحفيين"، مع إمهال الحكومة العراقية، ولجنة تقصي الحقائق والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الإنسان النيابية، واللجنة البرلمانية الخاصة بضحايا احتجاجات تشرين، مدة 30 يومًا لتقديم تقرير مفصل ومدعم بالأدلة عن مصير الناشط سجاد العراقي.

ورغم الجهود المبذولة لإعادة قضية سجاد العراقي إلى الواجهة مرة أخرى لمواصلة الضغط على الجهات المعنية، لا تبدو القضية في طريقها إلى الوصول لمعالجات تحسم الملف وسط استمرار ما يسمى بـ"الانسداد السياسي" الذي انعكس سلبًا على عمل غالبية مؤسسات الدولة المعنية بمثل هذه القضايا.

من جهتها، وفي معرض إيضاح موقف المفوضية العليا لحقوق الإنسان، كشفت عضو المفوضية فاتن الحلفي عن وجود معوقات قانونية تمنع المفوضية من تقديم أي تقرير عن وضع سجاد العراقي أو ملف المغيبين قسرًا بشكل عام. 

وتقول الحلفي لـ"ألترا عراق"، إنّ "دورتنا كأعضاء مجلس مفوضين انتهت ولا نملك أي غطاء قانوني للتعامل مع القضايا المطروحة إلى حيث انتخاب أعضاء جدد لمجلس المفوضين". 

وكشفت الحلفي عن أن انتخابات مجلس المفوضين مرتبطة بتشكيل الحكومة، حيث "جرى السياق في الدورات السابقة على إحالة الحكومة لملف انتخاب المفوضيات المستقلة إلى مجلس الخبراء لتدارس المرشحين ومن ثم طرح الأسماء إلى التصويت". 

أما على الصعيد النيابي فقد حاول "ألتراعراق" التواصل مع رئيس لجنة حقوق الإنسان، النائب أرشد الصالحي، للاستيضاح حول موقف اللجنة من المهلة التي أطلقها مؤتمر "الحرية لسجاد العراقي"،  لكنه لم يرد على الاتصالات المكررة.

 لجنة متابعة قضايا ضحايا احتجاجات تشرين تتعرض للتهميش

وفي ذات السياق البرلماني، كانت الجلسة الأولى للدورة الحالية قد شهدت تشكيل لجنة خاصة لمتابعة قضايا ضحايا احتجاجات تشرين 2019 بناءً على طلب تقدم به النائب المستقل سجاد سالم، ولكن طوال الأشهر الماضية على انعقاد مجلس النواب بقي دور اللجنة غامضًا، ولم يصدر منها أي حراك بخصوص الملفات الموكلة إليها، كقضايا المغيبين والجرحى ومتابعة المتورطين بعمليات الاغتيال بحق الناشطين والصحفيين.

لم يتمّ التصويت على تشكيل اللجنة الخاصة بمتابعة ضحايا احتجاجات تشرين في البرلمان حتى الآن

ويكشف النائب المستقل سجاد سالم لـ"ألترا عراق" عن تعرّض اللجنة لتهميش من قبل القوى السياسية داخل البرلمان حيث لم "يتم التصويت على تشكيل اللجنة إلى الآن" ، مؤكدًا أنّ "الهيكل القانوني للجنة مكتمل أسماء النواب الأعضاء مرفوعة إلى رئاسة المجلس ولكنها إلى الآن تنتظر اكتساب الغطاء القانوني لمباشرة أعمالها بعد طرحها لتصويت المجلس".