23-مارس-2020

(GettyI)

أيها العالم المسن، يا حفرة الموت وبالوعة السنين، هات ماءك وحجارتك وهواءك، هات أمراضك وكوارثك ومجازرك، هات روحك الموبوءة بالعدوى والعابثة بأرواحنا، وهات كل آلهتك الذين ملكتهم والذين ملكوك، وقل آسف.

 

قل آسف لأنك تجاوزت حصتك من البقاء، وقسمت قليلك على كثيرنا بعد أن قضمك الخراب، لأنك ثقبت سماءك وأذبت جليدك وحرقت قلبك المليء بالجياع والبائسين، لأنك مررت على مذابح الاشجار والحيوانات والبشر، على عصور جليدية وعصور جهنمية، وعلى تآكل الأرواح والجمال والبراءة والسلام والخضار، ولم تضع النهاية لكل ذلك.

 

قل آسف لأن عينيك الواسعتين تبصران كيف ينسحب الضوء إلى جيب الظلام، وكيف تضرب الريح الشسع بالرماد، وكيف تصبح البهجة قشرة يابسة على الوجوه، والحزن لحظة طويلة جامدة.

 

قل آسف لكل طفل يموت على قرنك العاجي، لكل طفل يجلس الآن على عتبة بيته مرتديًا جلده على عظام عارية، لكل طفل أطلق في حياته الرصاص أكثر من الضحك، ولكل طفل تعثَّر بجثة أمه بدل الألعاب والحلوى.

 

قل آسف للحجارة التي رُصفت قرونًا وأسقطتها الحرب بأيام، للمدن التي ذابت كدقيق سكر في كأس سم، للبقعة التي أطلقت دمك الأول إلى سائر جسدك، والآن تفيض بدمها المطعم بشوكة الحاضر وزهرة التاريخ.

 

قل آسف لأن هواءك فاسد وضوءك نحيل، لأن كل رئة حساسة منحتك الجمال خنتها، قل آسف لي لأنني اختنق، لحبيبتي التي نامت على غصتها، للأغنية التي انتحر مغنيها، ولكل قصيدة أنبتها الحلم وأجهضتها الخيبة.

 

قل آسف وأنت تمر على نفسك، في كل حديقة ومدينة وقرية ومقبرة وخرابة وطريق وصحراء، في كل صفحة قديمة وجديدة، في كل بقعة كان فيها وجود واستوطنها الزوال، قل آسف للموت لأنك لم تكسر ذراعه، وقل آسف لذراع الحياة التي انكسرت، وقل آسف للشغف الذي لم يعد يكترث، ثم ارفع اصبعا بما تبقى من كرامتك واضغط على زر النهاية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صوت تشرين

الأرض لك