29-ديسمبر-2018

زار ترامب العراق لأول مرة بشكل سري (تويتر)

الترا صوت – فريق التحرير

في زيارة أولى سرية إلى العراق، هبط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في قاعدة عسكرية تضم قوات أمريكية غرب بغداد، ثم غادر البلاد دون إجراء لقاء مع أي مسؤول عراقي، ما أحرج الحكومة العراقية وأثار غضبًا داخل الأوساط الشعبية والسياسية، ومطالبات بإخراج القوات الأمريكية من البلاد.

تشير المعطيات، إلى أن المحور المقرب من إيران سيسعى خلال الأيام المقبلة إلى إحراج عادل عبد المهدي بجره إلى عملية تصويت برلمانية على جدول للانسحاب الأمريكي من العراق

هبطت طائرة ترامب، التي غادرت واشنطن "مطفئة الأضواء ومغلقة النوافذ" إلى جانب حماية جوية كبيرة، بحسب موقع "إن بي سي نيوز" الأمريكي، في قاعدة "عين الأسد" الجوية في الأنبار في الساعة 19:16 بالتوقيت المحلي، وبقي فيها لنحو ثلاث ساعات ونصف، التقى خلالها القادة والجنود الأمريكيين والتقط معهم صورًا بمناسبة أعياد الميلاد.

رافق الرئيس الأمريكي في زيارته إلى ثاني أكبر قاعدة جوية في العراق، زوجته ميلانيا ترامب، ومجموعة صغيرة من المساعدين ووكلاء الخدمات السرية، ومجموعة من الصحافيين، فضلًا عن مستشاره للأمن القومي جون بولتون. ويعد الأخير أحد صقور الحزب الجمهوري المتشددين، ومن الداعمين لغزو العراق في 2003، ويتبنى استراتيجية "الحروب الوقائية لحماية الأمن القومي الأمريكي".

الصراع على تشكيل حكومة العراق.. وستمنستر على خط سيرك الطائفية!

العراق.. قاعدة أمريكية!

نفى ترامب خلال كلمة وجهها إلى جنوده في القاعدة، وجود خطط لسحب تلك القوات من العراق، مؤكدًا أن العراق هو "خط المواجهة" مع إيران، وأنه قد يتخذ منه "قاعدة لشن هجمات داخل سوريا"، وفق ما نقلته وسائل إعلام من بينها وكالة رويترز.

وقال الرئيس الأمريكي، في دفاع عن قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، إن "الكثير من الأشخاص سيقتنعون بطريقة تفكيري، وحان الوقت لكي نبدأ في استخدام عقولنا"، مشيرًا إلى أنه سبق وقال لمستشاريه "دعونا نخرج من سوريا"، لكن تم إقناعه بالبقاء قبل أن يقرر أن يعيد الجنود وعددهم 2000 إلى وطنهم.

واتخذ ترامب قراره بشأن سوريا بشكل مفاجئ متجاهلًا نصيحة كبار مساعديه والقادة العسكريين، من بينهم وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي استقال في اليوم التالي، في حين أكد ترامب خلال الزيارة أنه ليس في عجلة من أمره لاختيار وزير دفاع جديد، وأن القائم بأعمال الوزير قد يبقى في المنصب لفترة طويلة.

وتتركز قوات أمريكية في قواعد جديدة في محافظة الأنبار، من بينها قاعدتان في بلدة القائم المحاذية للحدود السورية بحسب عضو مجلس محافظة الأنبار عيد عماش الكربولي، في حين تنفي القيادة العسكرية العراقية إنشاء أي قواعد عسكرية جديد للقوات الأجنبية في البلاد.

وأكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة يحيى رسول، أن "القوات العسكرية الموجودة في قاعدة عين الأسد، تعمل ضمن إطار الاتفاق الرسمي بموافقة الحكومة والبرلمان العراقي"، نافيًا وجود تنسيق حتى الآن لسحب القوات الأمريكية من سوريا نحو العراق، فيما نفى أيضًا وجود أي قوات على الحدود العراقية السورية.

سخط عراقي

أثارت زيارة ترامب، التي جرت ليلة عيد الميلاد، بحسب البيت الأبيض، وكُشف عنها عشية 26 كانون الأول/ديسمبر، عاصفة ردود فعل غاضبة من قبل قوى سياسية ونشطاء وفصائل مسلحة قريبة من إيران، لم يقنعهم بيان مكتب رئيس الوزراء الذي أكد أنه على علم بها.

اتخذ ترامب قراره بشأن الانسحاب من سوريا بشكل مفاجئ متجاهلًا نصيحة كبار مساعديه والقادة العسكريين، من بينهم وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي استقال في اليوم التالي

وكان المكتب قد قال إن السلطات الأمريكية أعلمت السلطات العراقية برغبة ترامب بزيارة العراق، لـ"تهنئة الحكومة العراقية الجديدة ولزيارة العسكريين الأمريكيين ضمن قوات التحالف الدولي الداعمة للعراق في محاربة داعش، وأنها رحبت بالطلب"، فيما عزا عدم عقد لقاء بين عبد المهدي وترامب، إلى "تباين في وجهات النظر حول تنظيم اللقاء".

لكن حديث البيت الأبيض جاء متضاربًا مع التبرير الذي ساقه مكتب عبد المهدي، حيث قالت المتحدثة سارة ساندرز، إن الزيارة جرت عشية عيد الميلاد أي قبل يوم من الموعد الذي ذكره مكتب عبد المهدي، فيما عزت عدم لقاء الأخير إلى "إبلاغ الجانب العراقي بالزيارة قبل فترة قصيرة جدًا".

وبينت ساندرز، أن ذلك كان "ضروريًا" لضمان أمن الرئيس الأميركي أثناء الزيارة، في حين علق ترامب شخصيًا على الإجراءات الأمنية التي رافقت زيارته، مؤكدًا أنه كان قلقًا بشأن القيام بالرحلة "عندما سمع بما عليه أن يمر به".

واكتفى ترامب بمكالمة هاتفية أجراها مع عبد المهدي أثناء تواجده في العراق، فيما دعاه إلى زيارة البيت الأبيض، وهو ما وافق عليه عبد المهدي، وفق ساندرز، لكن أطرافًا سياسية طالبت الأخير برفض الدعوة ردًا على تصرف ترامب.

ويرجح أن يعقد البرلمان العراقي جلسة لمناقشة الزيارة التي عدت "خرقًا" لسيادة العراق، وفق ما أشار اليه بيان صدر عن النائب الأول لرئيس البرلمان، حسن الكعبي، وهو أحد أعضاء تحالف "سائرون" الذي يتزعمه مقتدى الصدر، دون تحديد موعد حتى الآن.

وجاء بيان الكعبي عقب دعوات لعقد جلسة طارئة وتشريع قانون لإخراج القوات الأمريكية الموجودة في البلاد، من قبل أطراف في الكتلتين الأكبر "الإصلاح" و"البناء"، فيما أكدت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان أنها ستجتمع مباشرة بعد عطلة رأس السنة من أجل مناقشة زيارة ترامب مع القادة الأمنيين ومسؤولي الأجهزة في قاعدة "عين الأسد"، وملابسات عدم علم الأجهزة الأمنية العراقية بها.

تحرك إيراني!

سارعت الأطراف السياسية المقربة من إيران والفصائل المسلحة الموالية لها، إلى المطالبة بإخراج القوات الأمريكية ورفض إنشاء قواعد ثابتة والتهديد بمهاجمتها، تحت وصف "مقاومة" استمرار وجود هذه القوات في العراق وعدم انسحابها منه.

اقرأ/ي أيضًا: هل ستشكل الإطاحة بفالح الفياض بداية الحرب بين إيران وأمريكا في العراق؟

وتمثلت أبرز المواقف في دعوة هادي العامري زعيم تحالف "الفتح" والأمين العام لمنظمة بدر المسلحة، الحكومة إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإخراج القوات الأجنبية من البلاد، حتى تلك المتواجدة للتدريب، وتهديد قيس الخزعلي زعيم حركة "عصائب أهل الحق" بطرد القوات الأمريكية بالقوة في حال عدم خروجها وفق قرار برلماني عراقي.

في نفس السياق، حملت بيانات فصائل مسلحة أخرى مرتبطة بإيران تهديدات مماثلة، فيما كشفت مصادر أمنية أن صافرات الإنذار دوت في المنطقة الخضراء، بعد سقوط قذائف هاون في محيط السفارة الأمريكية، عشية الإعلان عن الزيارة.

وانتقد نشطاء ومراقبون الزيارة وتصرف السلطات العراقية، في نفس الوقت الذي انتقدوا فيه تلك الجهات والفصائل المقربة من طهران، عادين أن موقفها "لا ينبع من دافع وطني"، مطالبين إياها بـ"الصمت كونها ساهمت بشكل مباشر بخرق سيادة البلاد، وخدمة وتعزيز النفوذ الإيراني على حساب مصلحة العراق".

أما الموقف الرسمي الإيراني فقد جاء على لسان بهرام قاسمي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، والذي سخر من اضطرار ترامب دخول "أرض إحدى دول المنطقة بصورة سریة تمامًا، أو بالأحرى بلصوصیة وتحت أشد الإجراءات الاستخباریة الأمنیة"، معتبرًا الزيارة "خارجة عن الأعراف الدبلوماسية، وتدل على عدم احترام السيادة العراقية".

وكان ترامب قد أقر بوجود مخاوف أمنية رافقت زيارته الى العراق، معربًا عن "حزنه الشديد" لحاجته إلى كل هذه السرية للقاء الجنود الأميركيين، مشيرًا إلى أنه تم إلغاء رحلته إلى العراق مرتين قبل ذلك إثر تسرب معلومات عنها.

فيما قال إنه "كان لدي مخاوف حول مؤسسة الرئاسة، وليس في ما يتعلق بي شخصيًا. كان لدي مخاوف حول السيدة الأولى". وأضاف: "من المحزن جدًا عندما تنفق 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط، ويتطلب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك، وأعظم المعدات في العالم، وأن تفعل كل شيء كي تدخل سالمًا".

ويرى مراقبون، أن حديث ترامب وتلك الإجراءات، كانت بمثابة اعتراف أمريكي صريح بقوة النفوذ الإيراني في العراق، في ظل تراجع تنظيم داعش بعد الضربات القاصمة التي وجهتها له القوات العراقية، دون استغراب عدم توجه الرئيس الأمريكي للقاء القادة العراقيين في بغداد، سيما بعد أن قرر رئيس الحكومة فتح المنطقة الخضراء التي كانت محصنة، وهو إجراء عارضته واشنطن، تحسبًا لتهديدات الفصائل المقربة من إيران.

تشير المعطيات، إلى أن المحور المقرب من إيران سيسعى خلال الأيام المقبلة إلى إحراج رئيس الوزراء بجره إلى عملية تصويت برلمانية على جدول للانسحاب الأمريكي من العراق، لتسيطر الفصائل المسلحة الموالية لطهران على الحدود مع سوريا بشكل كامل، وتكسب العراق الذي يعده ترامب "خط المواجهة" ضدها.

وبرحلته إلى "عين الأسد"، يكون ترامب ثالث رئيس أمريكي يزور العراق بعد عام 2003، بعد جورج بوش الابن، الذي زار البلاد ثلاث مرات، أشهرها الأخيرة في كانون الأول/ديسمبر 2008، حيث رشق بحذاءين من قبل الصحفي العراقي منتظر الزيدي خلال مؤتمر صحفي في بغداد.  

وكان باراك أوباما الرئيس قد زار العراق مرة واحدة في نيسان/أبريل عام 2009، خلال عامه الأول في البيت الأبيض، واستمرت زيارة أوباما أكثر من 4 ساعات، حيث ألقى خطابه داخل قاعدة النصر في بغداد.