كيف تطارد حكومة السوداني المعارضين على تيك توك وفيسبوك وإنستغرام وجوجل؟

لم تكتف حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإجراءات التضييق على وسائل الإعلام وملاحقة الصحفيين والناشطين المعارضين داخل العراق، وراحت تطارد حسابات ومحتوى منتقدي السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر فرض سيطرة مباشرة على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، بعد تهديد الشركات المسؤولة بمنع الإعلانات الممولة وإيقاف جميع أشكال التعاون المالي، بما في ذلك تعطيل إمكانيات الدفع الإلكتروني عبر بطاقات ائتمان عراقية.

 استغلت حكومة السوداني سلطة الدولة لقمع المعارضين والمحتوى السياسي المخالف على منصات التواصل الاجتماعي مقابل محاولة حماية حسابات جهات وأشخاص مرتبطين بالفصائل المسلحة

"الترا عراق" تقصى هذه الإجراءات بعد أنّ اعترفت شركة ميتا مؤخرًا أنّها استجابت لطلبات حكومية عراقية لحجب أو تقييد محتوى على فيسبوك وإنستغرام، وتوصل إلى أنّ الحكومة العراقية استخدمت هيئة الإعلام والاتصالات على مدى أشهر طويلة لفرض نمط متصاعد من الرقابة الرقمية يضمن حماية جهات وأشخاص على صلة بالفصائل المسلحة ويحاصر أي محتوى معارض تحت ذريعة "مكافحة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة"، وحماية "الذوق العام".

ماذا طلبت الحكومة في اجتماع نيويورك؟

في أيلول/سبتمبر 2024، التقى رئيس هيئة الإعلام والاتصالات العراقية السابق علي المؤيد مع بسمة عماري، مديرة السياسات العامة لميتا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على هامش قمة المستقبل في نيويورك.​

طلبات الحكومة العراقية في ذلك الاجتماع تلخصت في محورين أساسيين:

• عدم حجب حسابات فيسبوك أو واتساب "التي تتعامل مع بعض القضايا الوطنية أو تتبنى رموزًا وطنية قد تعتبرها ميتا مخالفة لسياستها". وهذا الطلب يهدف إلى حماية حسابات الفصائل المسلحة من الحجب بسبب انتهاكها سياسات ميتا المتعلقة بالمنظمات الخطرة والتطرف العنيف.​
• التنسيق المستمر بشأن "حجب الحسابات التي تروج للإرهاب وخطاب الكراهية ونشر المعلومات المضللة، وكذلك المحتوى الرقمي الذي يتعارض مع أخلاق المجتمع والذوق العام". هذه المعايير الفضفاضة تُستخدم في الغالب لاستهداف الصحفيين والناشطين ومنتقدي الحكومة.

ميتا تستجيب لضغوط الحكومة

بعد عام من ذلك الاجتماع، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، قبل أسابيع فقط من الانتخابات البرلمانية، نشرت ميتا دراسة حالة في قسم "تقييد المحتوى بناءً على القانون المحلي" في مركز الشفافية الخاص بها، تحت عنوان "محتوى مزعوم ينتهك القانون العراقي".​

وعلى الرغم من أن التفاصيل الدقيقة للدراسة لم تكن متاحة بالكامل في البحث، إلا أن مجرد إدراج العراق في هذه القائمة يعني أن ميتا استجابت بالفعل لطلبات الحكومة العراقية بتقييد أو حجب محتوى. وفقًا لسياسة ميتا، عندما تطلب حكومة ما تقييد محتوى بزعم انتهاكه القانون المحلي، فإن ميتا "تحجب الوصول إلى المحتوى فقط في البلد أو المنطقة التي يُزعم فيها أن المحتوى غير قانوني".​

حظر كامل أو حجب محتوى

هذا الاعتراف تزامن مع تقارير عدة تفيد بأن الحكومة العراقية هددت شركتي ميتا وتيك توك بحظر حسابات إعلاميين داخل العراق، وهو ما أكّده مختص تقني لـ "الترا عراق"، مبينًا أنّ عدم امتثال ميتا لتهديدات الحكومة العراقية "يعني حظر المدفوعات للشركة من العراق بالكامل".

وتحدث المختص الذي ينشط في مجال تدقيق الحقائق على مواقع التواصل، عن حالات غير قليلة من عمليات الحجب أو حجب الحسابات النشطة بمحتوى يعارض توجه الحكومة العراقية، مشيرًا إلى أنّ منصة تيك توك فرضت حظرًا تامًا على حسابات كثيرة ومنعت ظهورها في العراق بشكل كامل، فيما اقتصرت إجراءات ميتا على حظر المنشورات وليس الحسابات.

ورصد "الترا عراق" أنّ الحكومة استهدفت على تيك توك حسابات تقدم محتوى ساخر أو معارض أو أخرى تنشط في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن حساب باسم "حزب الانتشار الوطني، أحد الأحزاب الرسمية المشاركة في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2025.

وعلى فيسبوك استهدفت الحكومة منشورات ذات طابع سياسي بعينها، منها منشورات عن أمطار المياحي، وحلقة من برنامج الإعلامي قحطان عدنان نشرت في حزيران/يونيو الماضي.

آلية الحجب؟

وتكشف البيانات المسربة من داخل ميتا عن كيفية عمل نظام طلبات الحجب الحكومية (Takedown Requests - TDRs):​

1. القنوات المميزة: الحكومات لديها قنوات مميزة لطلب إزالة المحتوى تحظى بأولوية أعلى من طلبات المستخدمين العاديين، وغالبًا ما تتم مراجعتها من قبل مشرفين بشريين بدلاً من الذكاء الاصطناعي فقط.​

2. معدل الامتثال العالي: عالميًا، تزايدت معدلات امتثال الشركات التكنولوجية لطلبات الحكومات من 70% بين 2013-2021 إلى 78% بين 2022-2024. وفي حالات محددة، مثل إسرائيل، بلغ معدل امتثال ميتا 94%، مما يعني أن الحكومات تستطيع بسهولة فائقة حذف محتوى منتقديها.​

3. السرعة: في حالة إسرائيل، حذفت ميتا أكثر من 90 ألف منشور بمتوسط 30 ثانية فقط لكل منشور، مما يشير إلى أن العملية شبه آلية دون مراجعة حقيقية.​

4. التأثير على الذكاء الاصطناعي: الأخطر أن المحتوى الذي يحذف بناءً على طلبات حكومية يستخدم لتدريب خوارزميات ميتا، مما يعني أن الحذف الحكومي المسيس يعلم الذكاء الاصطناعي حذف محتوى مماثل تلقائياً في المستقبل.​

الترغيب ثم الترهيب

ولم يسبق أنّ سجل العراق إجراءات تضييق مماثلة، ما يقدم فترة حكومة السوداني بوصفها "الأسوأ" ما بعد 2003 من حيث استغلال سلطة الدولة في تكميم الأفواه، على حد تعبير المختص في مجال القانون أمير الدعمي.

ويقول الدعمي لـ "الترا عراق"، إنّ "ما تفعله الحكومة هو استغلال فاضح لسلطة الدولة على النقيض من الدستور العراقي الذي كفل حرية الرأي والتعبير، وبما يتنافى مع الآداب العامة في المادة 38 من الدستور".

ويرى الدعمي أنّ "إجراءات التضييق هذه تمثل جزءًا من ذراع البطش الحكومي بحق من لم يستجب إلى مغريات ورفض الانضمام إلى جوقة المطبلين من إعلاميين ومدونين وكتاب وفنانين وغيرهم، من الذين استأجرتهم مقابل رواتب وامتيازات مختلفة".

ويوضح الدعمي، أنّ "الحكومة استبقت هذه الإجراءات بمئات الدعاوى القضائية بحق كل من يعارض التوجهات الحكومية أو ينتقد رأس الهرم الحكومي أو الأداء الحكومي حتى وإنّ كانت هذه الانتقادات مكفولة دستوريًا وبما لا يتنافى مع الآداب العامة والنظام".

في الوقت ذاته، يؤكّد الدعمي أنّ بإمكان المتضررين من إجراءات الحجب والحظر على مواقع التواصل الاجتماعي "رفع شكوى ضد الحكومة أمام القضاء العراقي، بشرط توفر دليل واضح".

الحكومة حجبت مواد على غوغل أيضًا

وسبق أنّ وثّق تقرير "فريدم هاوس 2023"، أنّ السلطات العراقية طلبت من غوغل إزالة 13 عنصرًا في 2022، معظمها محتوى صحفي نقدي. كما وثقت منظمات حقوقية 457 انتهاكًا ضد الصحفيين في الأشهر التسعة الأولى من 2024، بما في ذلك إغلاق منافذ إعلامية ومداهمات وسجن صحفيين.​

ومنذ 2023، تستخدم الحكومة "انتهاك الآداب العامة" كذريعة لسجن صناع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا المعيار الغامض، الذي طُلب من ميتا تطبيقه، يستهدف النقد السياسي والاجتماعي كما اتضح من المنشورات المحظورة.

وتستغل السلطات غياب إطار قانوني واضح لحماية حرية التعبير والنشر، مقابل وجود نصوص ومواد قانونية من حقبة النظام السابق في قمع المعارضين، في مخالفة صريحة للدستور العراقي والالتزامات الدولية للعراق في مجال حرية التعبير، كما يؤكّد "حالف الدفاع عن حرية التعبير".

تحذير ونداء إلى الرئاسات

واستنكر التحالف في بيان اطلع "الترا عراق" على نسخة منه، الإجراءات الأخيرة الصادرة عن هيئة الإعلام والاتصالات، والتي تمثلت في محاولات فرض رقابة على مؤسسات إعلامية مستقلة، وإبرام اتفاقيات مع منصات "تيك توك" و"ميتا" (فيسبوك وإنستغرام) لتقييد أو حجب حسابات إعلاميين ومدونين.

وقال التحالف، إنّ "هذه الخطوات تمثل انتهاكًا صريحًا للدستور العراقي وللالتزامات الدولية للعراق في مجال حرية التعبير، ولا يمكن اعتبارها سوى محاولة ممنهجة لتكميم الأفواه وإسكات الأصوات المستقلة، بما يشكّل تراجعًا خطيرًا عن المكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد عام 2003"، مشددًا أنّ "الاتفاقيات المبرمة مع الشركات الأجنبية المالكة للمنصات الرقمية، لتقييد أو حذف المحتوى الإعلامي المحلي، تمثل تعديًا على السيادة الوطنية، لأن هذه المنصات تعمل وفق قوانين دولية تحظر تزويد أي جهة حكومية بحق الوصول إلى البيانات أو القدرة على الحجب من دون أوامر قضائية".

وحذر التحالف من أنّ "تحويل هذه المنصات إلى أذرع للرقابة الحكومية سيؤدي إلى خلق بيئة رقمية خانقة، ويفتح الباب أمام الرقابة المسبقة والوصاية على المحتوى الإعلامي والصحافي، ما يعني فعلياً نهاية حرية الإعلام المستقل في العراق"، مبينًا أنّ "استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى تراجع تصنيف العراق في مؤشرات حرية الصحافة وحرية الإنترنت، وسيضع مؤسسات الدولة في موقف حرج أمام المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، الذي يراقب عن كثب أوضاع حرية الإعلام في البلاد".

واعتبر التحالف، الرقابة الرقمية التي انتهجتها حكومة السوداني "وجهًا جديدًا للقمع السياسي، وهي تسعى إلى السيطرة على السردية العامة واحتكار الحقيقة وتكميم النقد المشروع، في الوقت الذي يُفترض فيه أن الدولة تحمي حرية التعبير لا أن تقمعها"، داعيًا  الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء ومجلس النواب) إلى ما يلي:

• التدخل الفوري لإيقاف الإجراءات الرقابية التي أطلقتها هيئة الإعلام والاتصالات، وإلغاء جميع الاتفاقيات المبرمة مع الشركات والمنصات الدولية التي تؤدي إلى تقييد حرية النشر.
• ضمان بيئة آمنة ومستقلة لعمل الصحفيين والمدونين ووسائل الإعلام، دون تهديد أو حجب، وبما ينسجم مع التزامات العراق الدستورية والدولية.
• تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تضم ممثلين عن القضاء، ومنظمات المجتمع المدني، لمراجعة قرارات الهيئة ومساءلة المسؤولين عن التجاوزات الأخيرة.
• التأكيد على مبدأ الشفافية والمساءلة في عمل المؤسسات التنظيمية للإعلام، ورفض أي تدخل سياسي في قراراتها أو انحرافها عن دورها المهني.

كما أكّد التحالف، أنّه "سيواصل توثيق جميع الانتهاكات بحق الإعلاميين والمدونين، ويعمل مع شركائه على رفع هذه الانتهاكات إلى المقررين الخاصين في الأمم المتحدة، وإلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في جنيف، لضمان ألا تمر هذه السياسات دون مساءلة".