16-أكتوبر-2019

أطلقت القوات الأمنية الرصاص الحي على المتظاهرين لتفريقهم (Getty)

كعادتها في كل مرة، تستغل مدينة الحسينية (شمال شرق بغداد) موقعها الجغرافي كونها عنق العاصمة الشمالي للضغط على الحكومة عن طريق خروج شبابها للتظاهر أو الاعتصام بغية تحقيق المطالب، وفي تظاهرات مطلع تشرين الأول/أكتوبر، كانت هذه المدينة من أوئل مدن بغداد المحتجة لتصعيد وتيرة الاحتجاج من موقعها تارة، ومساندة المحتجين في ساحة التحرير وسط بغداد تارة أخرى.

الطريق الدولي الذي يربط بين العاصمة والمحافظات الشمالية، يعتبره أهالي مدينة الحسينية ورقة ضغط ممتازة لإيصال صوتهم إلى الحكومة

يحاذي مدينة الحسينية طريق دولي يربط بين العاصمة والمحافظات الشمالية، يعتبره أهالي المدينة ورقة ضغط ممتازة لإيصال صوتهم إلى الحكومة حيث تم قطعه مرتين سابقًا، في المرة الأولى لتحويل المدينة من ناحية إلى قضاء ونقل سيطرة مدخل بغداد من سيطرة الشعب إلى بوابة بغداد خلف الحسينية، وفي المرة الثانية للمطالبة بتحقيق الخدمات بعد سلسلة احتجاجات داخل المدينة لم تلتفت لها الحكومة إلا بعد الضغط عليها بقطع الطريق العام وشل الحركة المرورية والتجارية.

اقرأ/ي أيضًا: قصة من "ثلاجة الصدر".. رصاص السلطة في رأس "المقاتل المحتج"!

بدأ التحشيد بين الأوساط الشبابية فجر يوم الأربعاء المصادف 2 تشرين الأول/أكتوبر، وتجمهر صباح اليوم ذاته مجموعة احتجاجية أخذت بالتوسع تدريجيًا، تميزت عن سابقاتها أنها بلا لجان تنسيقية ولا قيادة ولا شخصيات ذات انتماء حزبي ولا أشخاص كبار في السن، وكان الهتاف الأول الذي هتف به المحتجون هو "الشعب يريد إسقاط النظام".

أحمد حسين (26 سنة) شاب من المدينة اعتاد على المشاركة في جميع فعاليات الاحتجاج في الحسينية، كشف لـ"ألترا عراق"، تفاصيل التحشيد وطريقة خروج الشباب واجتماعهم، حيث قال إن "التجمع في المدينة بدأ بـ20 شابًا فقط، يجمعهم مجموعة تواصل على برنامج (ماسنجر) في الساعة الثالثة من فجر يوم الأربعاء، توجهوا نحو الشارع العام وباشروا بقطعه بشكل جزئي ونشروا على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لتجمعهم على الشارع العام ما أدى إلى خروج عدد أكبر من أهالي المدينة والانضمام إليهم".

أضاف حسين أنه "عند التاسعة صباحًا من اليوم ذاته أصبح العدد نحو 150 شابًا، حاول الجيش المتواجد في المنطقة الحوار مع المحتجين وطلب منهم اختيار من يمثلهم للتفاوض معه، لكن جميع الموجودين رفضوا، وردوا بالقول: لا يوجد من يمثلنا، هذه ثورة ضد النظام وليست لمطالب خدمية"، لافتًا إلى أن "قيادة الجيش في المدينة تواصلت مع شخصين من وجهاء المنطقة أحدهم سيد معمم والآخر أحد الشخصيات العشائرية، لإقناع الشباب بترك احتجاجهم والدخول ضمن حدود المدينة وفتح الشارع العام، لكن جوبهوا بهتاف: "شلع قلع كلكم حرامية، والشعب يريد إسقاط النظام".

فاق عدد المحتجين الألف مع حلول الساعة السابعة من مساء الأربعاء واستمر التجمهر قاطعًا للشارع العام وبتواجد كثيف ومتزايد من شباب المدينة"، بحسب حسين الذي أشار إلى أن "بعض من الشباب ذهبوا لساحة التحرير، ولكن  بقي عدد كبير منهم في المدينة لتشتيت جهد السلطة عن طريق الضغط عليها بورقة قطع الشارع العام".

في اليوم التالي استقبلت الحسينية جثة أحد شبابها الذي قُتل أثناء تظاهره في ساحة التحرير بعد فتح مكافحة الشغب النار على المتظاهرين، ما جعل تشييعه مسيرة احتجاجية أخرى انطلقت من بيت الشهيد واستقرت عند موقع الاحتجاج على الطريق الدولي، والذي أدى إلى تضاعف عدد الجماهير وزيادة سخط الشارع.

قامت القوات الأمنية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في مدينة الحسينية لتفريقهم أكثر من مرة

استمر وجود المحتجين على الشارع العام حتى الساعة الثالثة من فجر يوم الجمعة 4 تشرين الأول/أكتوبر، إلى أن وصلت قوة فوج الطوارئ التابعة للجيش العراقي وطلبت من المحتجين فتح الطريق، وعند رفضهم قامت القوة بإطلاق الرصاص الحي لتفريقهم ونجحوا بذلك وأعادوا فتح الطريق العام، وإرجاع المحتجين داخل المدينة وتفريقهم إلى أن انتهى الاحتجاج في هذا اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: عداد الموت.. حصيلة انتهاكات السلطات العراقية لحقوق الإنسان خلال انتفاضة تشرين

خلال تلك الفترة انتشرت أنباء بين المحتجين بأن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عازم على إصدار بيان يحث فيه اتباعه على الخروج بأسلحتهم إلى الشارع لإسقاط الحكومة بحسب ما تحدث به مصدر في سرايا السلام لـ"ألترا عراق"، وهذا ما سبب حالة تأهب لدى الجميع، حيث جهّز الصدريون أسلحتهم في انتظار البيان، فيما تشتت بقية المحتجين العازمين على الخروج مرة أخرى بين مؤيد لذلك البيان في حال إصداره وبين معارض.

كما توقع الناس في المدينة خطبة جمعة استثنائية من ممثل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وانتظروها بشغف كبير، وتفاوتت ردود الفعل لدى أبناء المدينة بعد خطبة الصافي بين من سخطوا بسببها معتبرين إياها بعيدة عن تطلعات الشارع واحتياجاته وأنها أعطت فرصة للحكومة وخالفت الجماهير المنادية بإسقاط النظام، وبين من اعتبرها خطوة حكيمة للتهدئة والحفاظ على الدماء في حال حدوث تصعيد أكبر بين الشعب والسلطة.

عاد شباب مدينة الحسينية للتجمع عصر يوم السبت 5 تشرين الأول/أكتوبر وسط تواجد كبير وغير مسبوق لعناصر الجيش العراقي ومعداتهم في محاولة أمنية لردع المحتجين عن قطع الشارع العام مجددًا. متظاهر من أهالي الحسينية يُدعى محمد رضا (23 سنة) كشف لـ"ألترا عراق" ما جرى بين المحتجين والجيش العراقي، حيث "بدأ تجمهر الشباب وسط المدينة وعند عدم تنفيذهم طلب ضباط الجيش بتفريق تجمهرهم، أطلق الجيش الرصاص الحي على المتظاهرين فسقط أحدهم مصابًا برصاصة في ساقه ما أدى إلى ثورة غضب جديدة عند الشباب فازداد عدد المحتجين وحاولوا تجاوز القوات الأمنية والتوجه لقطع الشارع العام".

تابع رضا أن "الزخم العددي ازداد ما أدى إلى محاولة جديدة من الجيش لتفريق المتظاهرين العازمين على الخروج باتجاه الشارع العام عن طريق استخدام الرصاص الحي، لكن هذه المرة بكثافة أكبر حيث تسبب بإصابة متظاهر آخر"، مضيفًا أن "الجيش نجح بتفريق المتظاهرين وطاردهم في أفرع المدينة ما دفع شبابها إلى نقل إطارات السيارات إلى شوارع المدينة الرئيسية وإضرام النار فيها لمنع همرات الجيش من التجول وملاحقة المتظاهرين، وبالفعل لم يبقَ أي جندي داخل المدينة وانسحبوا على حدودها من جهة الشارع العام".

تسبب انسحاب الجيش بخلق فرصة جديدة لدى شباب الحسينية بتنظيم صفوفهم من جديد وتحشيد عدد أكبر من الشباب والتوجه نحو الشارع العام مرة أخرى، وبالفعل نجحوا بقطعه دون إظهار أي محاولة لمنعهم من قبل الجيش المتواجد بالقرب من الشارع.

بعض شباب الحسينية ذهبوا لساحة التحرير وسقط عدد منهم ضحايا أثناء ضرب "القنّاص"، فيما بقي عدد كبير منهم في المدينة للضغط بورقة قطع الشارع العام

قال رضا إنه "بعد ارتفاع وتيرة القمع في بقية مناطق بغداد كالزعفرانية وابودشير وقرب مول النخيل ومدينة الصدر، وكذلك محافظات الناصرية والديوانية وبداية الشعور بانحسار التظاهرات في عموم العراق، وشيوع أنباء بين المتظاهرين بتوجه قوات مكافحة الشغب إلى الحسينية لإجبار المحتجين على فتح الشارع، وكذلك الحديث عن نية اعتقال عدد كبير من شباب التظاهر، فتح المحتجون الشارع بإرادتهم فجر يوم الأحد 6 تشرين الأول/أكتوبر وعادوا إلى منازلهم، مع الاتفاق على التجمع ثانية في عصر اليوم نفسه"، وعند العصر تجمهر عشرات الشباب بحسب الاتفاق، ولكن بسبب قلة العدد لم يحاولوا قطع الطريق فحافظوا على تجمهرهم لعدة ساعات ثم فضّوا تجمعهم بانفسهم وسط حديث واسع النطاق عن تحديد يوم آخر للخروج بتظاهرة أكبر تشمل جميع مناطق العراق.

اقرأ/ي أيضًا: متظاهرون يعاملون كـ"داعش".. ماذا تعرف عن "البو عزيزي" في واسط؟

يقول ناشط مدني من أبناء الحسينية رفض الكشف عن أسمه لأسباب أمنية لـ"ألترا عراق": "لقد تعرضنا للخذلان، في التظاهرات السابقة، كنّا مجموعة شباب لنا شعبية جيدة في المدينة نعمل على التحشيد للتظاهرات وتحفيز أهالي المدينة للخروج، مستدركًا "ولكن قبل عدة أشهر حصلت بعض التسهيلات لبعض للشباب من أجل تعيينهم في مديريات تابعة لهيئة الحشد الشعبي، وبسبب خوفهم على وظائفهم تواروا عن الأنظار خلال كل أيام الاحتجاج".

تابع الناشط "(خلف الله على أهل التكاتك)، فلولا شجاعتهم وإقدامهم على الخروج لما سُمع صوت للحسينية مع اختفاء شبابها القادة ووجهاءها، حيث تميزت هذه التظاهرات بالعفوية والروح الشبابية العالية، فكان أكبر المتظاهرين سنًا لم يبلغ الـ30 من العمر".

وبخصوص احتواء وفد ممثلي التظاهرات الذي التقي برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، على أحد شخوص مدينة الحسينية، قال الناشط إن "شباب المدينة لم يخولوا أحدًا بتمثيلهم والحديث نيابة عنهم، فهي لم تكن تظاهرات من أجل الخدمات لوجود من يفاوض الحكومة للوصول إلى حلول، بل هي ثورة احتجاج على النظام بأكمله".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحكومة تشكل لجان تحقيقٍ بقتل المتظاهرين.. وناشطون: القاتل هو المحقّق!

بورزو دراغاهي: طهران تتذوّق الدرس من احتجاجات العراق