04-فبراير-2019

عسكري عراقي يقوم بحماية مرقد الإمامين في سامراء (Getty)

الترا عراق ـ فريق التحرير

بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، شمل التغير الذي طال شكل نظام الحكم العديد من التفاصيل، كان أبرزها إلغاء وزارات واستحداث وزارات أخرى، بالإضافة إلى إطلاق مؤسسات ذات سلطات وزارية متعلقة بقضايا سياسية وإدارية وحقوقية وأمنية ودينية. وكان من بين هذه التغيرات إلغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية واستحداث كل من الوقف الشيعي والوقف السني بدلاً عنها، في خطوة تؤسس للفصل الطائفي على صعيد رسمي لتكتمل خارطة المحاصصة في النظام السياسي العراقي.

اكتملت خارطة المحاصصة الطائفية في النظام السياسي العراقي بعد فصل الأوقاف إلى وقف شيعي وآخر سني

الوقفان السني والشيعي هما مؤسستان يمتلك رئيس كل واحدة منهما صلاحية وزير، ويتم تعيينه بأمر من رئيس الوزراء، ويكون تخصص المؤسستين إدارة دور العبادة والمراقد الدينية، بعد فرزهما إلى سنية وشيعية، ولم تكن الآثار السلبية لهاتين المؤسستين واضحة للعيان قبل الحرب الأهلية التي فجرها تفجير مرقد الإمامين العسكريين التابعين للوقف السني.

ومن جملة المتغيرات التي طرأت على البلاد كنتيجة لهذه الحرب، هو تغيير ديموغرافي عزل سكان الأحياء والمدن طائفيًا لا سيما في العاصمة بغداد، فأصبح هناك أحياء سنية وأحياء شيعية، وكان أحد أكبر المشاكل بين الوقفين هو الصراع على الجوامع "السنية" والحسينيات "الشيعية" إن كان وفق التقسيم القديم قبل التعديل الديموغرافي، أو حسب ما فرضه واقع الحرب الأهلية من تغيرات.

اقرأ/ي أيضًا: تراث المحاصصة الذي لم ينته في العراق

ربما يصغر حجم المشكلة المتعلقة بمسجد صغير عندما ينتقل الخلاف حول مرقد ديني مهم وبارز كالذي أشعل فتيل الحرب الأهلية، إذ تبرز مشكلة هذا المرقد أنه يقع في مدينة سامراء ذات الأغلبية السنية، فما الذي حدث في سامراء؟

أكاديمي في جامعة سامراء، تحدث لـ"ألترا عراق" شريطة عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، عن ما جرى في المدينة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، والحرب الأهلية.

قال الأكاديمي، إن "مدينة سامراء بعد عام 2003 عاشت انتعاشًا اقتصاديًا ولا سيما بعد أن جرت زيارة كبيرة للأئمة تمكّن من خلالها أهل المدينة من الإفادة ماديًا وظهرت بوادر الاستثمار في السياحة الدينية بعد أن تطوّرت المحلات بشكل ملحوظ وكان يدور على ألسنة الناس أن هناك فنادق سترمم وستبنى"، مضيفًا "مع بداية ما أطلق عليه "مقاومة" ضد الاحتلال الأمريكي وسقوط طائرة أمريكية بشاطئ المدينة بدأت بوادر العنف تظهر، فقد جرت اعتقالات عديدة من قبل قوات الاحتلال الأمريكي تبع ذلك سيطرة تنظيم القاعدة على المدينة في عام 2004، وجراء ذلك جرى في يوم 1/10/2004 اجتياح أمريكي لمدينة سامراء أدى إلى قتل مئات المدنيين".

فيما لفت الأكاديمي إلى أن "في تلك المرحلة جرت عدة اغتيالات أخذت منحى طائفي، خاصة ضد الأشخاص الذين يسكنون في مدينة سامراء ويعملون فيها، وبقيت المدينة تعيش أوضاعًا مرتبكة ما بين هيمنة المسلحين والأمريكيين".

قام الوقف الشيعي بتطويق المدينة القديمة في سامراء بطرق عنيفة أدت إلى تهجير معظم سكانها

تجاوز الأكاديمي في حديثه تفجير الإمامين العسكريين في الـ22 من شباط / فبراير 2006 لما يمثله ذلك التأريخ من ألم للعراقيين عمومًا وسكان مدينة سامراء على وجه الخصوص، لينتقل إلى لحظة "تنازل رئيس الوقف السني آنذاك أحمد عبد الغفور السامرائي عن إدارة الإمامين العسكريين ليتحول المرقد بأمر من رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري إلى الوقف الشيعي مؤقتًا، على أساس أن يتحول لاحقًا إلى وقف مستقل"، بحسب شهادة الأكاديمي.

ويروي الأكاديمي عن فترة ما بعد تحويل المرقد من وقف إلى آخر، قائلاً إن "الوقف الشيعي قام بتطويق المدينة القديمة في سامراء أمنيًا وبطريقة عنيفة أدت من خلال التعامل السيء مع سكان المنطقة إلى تهجير معظمهم، فقد ضرب سور حول المدينة وفتحت أبواب خاصة للدخول تغلق بأمرة الوقف الشيعي مما أدى لمضايقة أهالي المنطقة فضلًا عن تأخير فتحها صباحًا لدرجة أن الموظفين والطلبة باتوا يتأخرون عن أعمالهم، أما في مواسم الزيارات الدينية فتغلق المدينة لأيام عدة حتى أن الأهالي لا تجد طعامًا ولا محلًا تتسوق منه".

أشار الأكاديمي إلى أن "جراء هذا الإغلاق خسرت المدينة أهم أسواقها (شارع البنك، سوق مريم، شارع القبلة) واضطر أهالي المحلات إلى التحول لمناطق جديدة في سامراء على الرغم من كون بعضهم ما زال يدفع إيجار المحلات التجارية، أما الفنادق فقد باتت خربة".

اقرأ/ي أيضًا: 2018 في العراق.. المحاصصة أقوى والاحتجاج أوسع

فيما لفت إلى أن "منذ عام 2006 بدأ التفاوض مع السكان على بيع الأملاك حول السور القديم وفعلا وصل سعر المتر المربع الواحد إلى 3 ملايين دينار عراقي (نحو 2500 دولار أمريكي) واستبدل سكان منطقة داخل السور بعوائل إيرانية وعوائل قادمة من جنوب العراق، وحتى الآن لا تزال المفاوضات جارية لغرض فتح الأسواق وتعويض أصحاب المحال والعمارات التي تقابل بعدم استجابة أمين العتبة العسكرية "نسبة إلى الإمام الحسن العسكري" والوقف الشيعي والتلويح ببداية مرحلة جديدة من العنف، مما اضطر رئيس مجلس محافظة صلاح الدين إلى رفع دعوى قضائية على الوقف الشيعي والعتبة العسكرية".

وحصل فريق "ألترا عراق" على نسخة من الدعوى القضائية التي رفعها رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الكريم في الـ22 من كانون الثاني / يناير 2018، والمقدمة إلى محكمة بداءة سامراء ضد الوقف الشيعي لاتهامه بغلق الشوارع والأسواق والفنادق في المدينة القديمة في سامراء.

ولا تقتصر المشاكل المتعلقة بالوقف الشيعي على محافظة صلاح الدين أو مدينة سامراء، إذ تنتقل إلى محافظة نينوى وبالتهم ذاتها التي تتعلق بالاستيلاء على الأراضي واستغلالها.

حيث اتهم مدير الوقف السني في نينوى، أبو بكر كنعان، في الـ 27 من كانون الثاني / يناير 2019 الوقف الشيعي بـ"الاستيلاء على أراض تابعة له، محذرًا من أن "هذه التصرفات تفتح ابواب الطائفية والاختلاف".

وقال كنعان في بيان له تابعته "ألترا عراق"، إنه "تم الاستيلاء على أراضي الوقف السني والتي فيها سندات ثبوتية بعائديتها للوقف السني من قبل الجهات والاسماء المذكورة في صورة الخبر (الوقف الشيعي) والعائدة لوقف النبي شيت، وهو وقف مضبوط وهذه المرة الثانية بعد ارض النبي يونس".

الأمر الذي أكده رئيس مجلس النواب الأسبق والنائب الحالي عن محافظة نينوى أسامة النجيفي في بيان آخر.

نفوذ الوقف الشيعي في العراق أقوى لأنه معزز بمجاميع مسلحة

من الجدير بالذكر، أن الوقف السني هو الآخر متهم بالعديد من صفقات الفساد والاستيلاء على الأراضي كان آخرها في الـ 27 من أيلول/سبتمبر 2018، ويعد من إحدى المؤسسات الغنية في النظام العراقي، لكن يرى مراقبون، أن نفوذه يقل عن الوقف الشيعي لعدم امتلاكه السيطرة على مجاميع مسلحة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

القطاع العام في العراق.. المحاصصة في التعليم الابتدائي أيضًا!

معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد