17-يوليو-2018

لؤي حمزة عباس (فيسبوك)

حين أعلن الكاتب والباحث العراقي لؤي حمزة عبّاس (1965) عن مجموعته القصصية الأولى "على درّاجة في اللّيل" عام 1997، لفت الانتباه إلى لغته الخاصّة وقدرته على تكثيف اللّحظة، بما جعل الكتابة لديه نوعًا من تقطير الألم المُفضي إلى ابتسامة شبيهة بصرخة الجنين عند التحاقه بالحياة. لقد كان خيارًا فلسفيًا منح نصّه عمقًا وجوديًا انتشله من النّزعة الرّومانسية المهينة على تجارب قصصية عربية كثيرة.

يراهن لؤي حمزة عباس على اليأس بصفته حافزًا وملهمًا ودافعًا إلى إرادة الخروج من القوقعة

تجلّى هذا الخيار في أعماله القصصية اللّاحقة، "العبيد" عام 2000، و"ملاعبة الخيول" عام 2003، و"إغماض العينين" عام 2008، و"صاحب المظلّة" عام 2015، و"قرب شجرة عالية" عام 2017. وفي رواياته التي رصدت اللّحظة العراقية والإنسانية، في محاولاتها المتعثّرة لتوليد إنسان إيجابيّ من إنسان محطّم ومنخور بالعجز. حدث ذلك في "الفريسة" عام 2005، و"مدينة الصّور" عام 2011.

اقرأ/ي أيضًا: ناجي رحيم: العالم أرجوحةُ فُقدان

قبيل الأحداث الحالية التي تشهدها مدينة البصرة، أطلق لؤي حمزة عبّاس سلسلة تدوينات فيسبوكية تحت مسمّى "قوّة اليأس"، أعلن فيها مراهنته على اليأس بصفته حافزًا وملهمًا ودافعًا إلى إرادة الخروج من القوقعة، "علينا أن نتحلّى بقوّة اليائسين، وصلابتهم، وعمق بصائرهم، ونُفهم أنفسَنا، بصراحة ووضوح، بأنّ الحياة في العراق بلغت حدًّا لا يمكن أن توصف معه إلا بكونها ليست جديرة بالحياة".

"الاستسلام للأمل الخادع جريمة بحقّ أنفسنا وأبنائنا، طالما صدّرها المنتفعون أرباب الفساد، وأرباع المثقفين، وهي ليست سوى مدعاة للسّخرية من العقول، التي أودت بنا وبوطننا إلى هذا المصير، فسلّمنا قياد أملنا بحياة كريمة يسودها القانون، لمن لا يؤمن بالكرامة ولا يعبأ بالقانون، وقبلنا بدستور كتبه أفّاقون هو بوّابة الظلام، وبانتخابات هي الخراب بعينه، لم يُرشّح لها إلا الفاسد والدّجال، فمن يقبل أن يكون مفصلًا جديدًا في آلة لا تنتج غير الخراب لو لم يكن طامعًا كذوبًا؟".

ويُؤكّد لؤي حمزة عباس، صاحب جائزة الدّولة في الإبداع القصصي عام 2008، على أنّه "لن ينقذ العراق غير جيل مؤمن بقوة اليأس، قادر على رفض سلطة اللّصوص وساداتهم، ولو بالعصيان المدني، وهو أضعف إيمانكم بالدفاع عن حاضركم ومستقبلكم". ثمّ يسأل: "لماذا علينا أن نخبّئ شعورنا باليأس كما لو كان عارًا، أو سلوكًا معيبًا مخلًّا بالشّرف؟ لماذا علينا أن نتحدّث عن الجوّ بينما بيوتنا تحترق، وأرواحنا تحترق، ومستقبل أبنائنا يحترق في وطن لن يؤدّي إلى غير الهشيم؟ لماذا لا تدعونا الشّجاعة لأن نبصق على كلّ ما أودى، ومن أودى، بحياتنا إلى الكارثة؟ لماذا لا نشجّع أبناءنا على البحث عن سبل الحياة خارج هذه المهلكة التي يسمّونها الوطن؟".

ذلك أنّ اليأس، بحسب لؤي حمزة عبّاس، لا يتقاطع مع العزيمة ولا ينفيها. فهو ليس بالتّشاؤم ولا الإحباط، إنّما هو حصيلة نظر عقلي لخراب حياتنا بمسبّباته الفادحة، وهو رفض لكلّ أمل خادع يُطيل أمد الكارثة. "دعوا عنكم دجل السّاسة، وأوهام مدّعي الثّقافة، صانعي الوعي المزيّف، وعهر رجال الدّين، لا سماء تنقذنا ولا أرض تنجينا، تنتظرنا حروب طاحنة مريرة، وكوارث أقرب إلينا من حبل الوريد، ثقوا بيأسكم، بقوّته التّي تفعل المستحيل".

لؤي حمزة عباس: لماذا علينا أن نخبّئ شعورنا باليأس كما لو كان عارًا، أو سلوكًا معيبًا مخلًّا بالشّرف؟

هنا، يُفرّق الكاتب بين اليأس الفعّال واليأس الجاهل بالقول: "ليس اليأس مخيفًا. المخيف هو الإفراط في الأمل. الإفراط في الإيمان بوعد التاريخ في تحقيق العدالة. أفضّل صفة يائس على فاشي، يائس على رجل يمرح بسلاحه القاتل، يائس على طائفي يمشي في الأرض مرحًا، يائس على لصٍّ يسرق الدّولة. اليأس يتضمن – لو يدرون - موقفًا فكريًا تحليليًا. إنّه ليس ضدّ الفاعلية السّياسية، وليس ضدّ الأمل".

اقرأ/ي أيضًا: سنان أنطون: تركت العراق لكنه لم يتركني

يختم لؤي حمزة عباس: "كلما كثرت الخسائر التّي لا يجري تحليلها، والتّراجعات الغثّة النّاتجة من عبادة الأفكار والأشخاص والتّحاليل الفقيرة، التّي لا تساوي الورق الذّي تكتب عليه، زادت نسبة اليأس العادي والجاهل. هناك فرق بين يأس جاهل ويأس متفكّر. إنّني من المؤمنين بوجود هذا الفرق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ميثم راضي.. باكورة النّار

شاكر الأنباري.. سرد على جسر بزيبز