30-أغسطس-2019

أشياء تصنع في الصين وتضع شركات وزارة الصناعة عليها "لصيقة" (فيسبوك)

تتشابك ملفات الفساد والمشاريع المتلكئة والمصانع المتوقفة في وزارة الصناعة، مع إشارات لصفقات بيع وشراء للمناصب العليا في هذه المؤسسة التي يُجمع الكثير من المراقبين على ضعف أدائها منذ عام 2003 حتى اللحظة. وتُثار أحاديث عن هدر في المال العام، وفساد في الشركات التابعة لوزارة الصناعة، كما يُشير مسؤولون ومراقبون إلى تدخلات خارجية تمنع تقدم الصناعات العراقية لدوام الاستيراد والتصدير بين العراق والدول الأخرى.

مناصب للبيع: 480 مليون دينار

ورغم الحديث الدائم من مسؤولي كافة الوزارات تقريبًا عن ضعف في التخصيصات المالية، إلا أن متخصصين ومطّلعين يتحدثون عن أموال تُصرف في شركات وزارة الصناعة دون إنتاج يُذكر، بالإضافة إلى اتهامات موجهة لوزير الصناعة بابتزاز المرشحين لشغل المناصب العليا في الوزارة.

هناك أموال تُصرف في شركات وزارة الصناعة دون إنتاج يُذكر، بالإضافة إلى اتهامات موجهة لوزير الصناعة بابتزاز المرشحين لشغل المناصب العليا في الوزارة

أثار مقطع فيديو لأحد المرشحين لمنصب مدير عام شركة الصناعات النسيجية والجلدية، يدعى فؤاد وتوت، قال فيه إنه "تعرض لابتزاز من أحد موظفي مكتب وزير الصناعة، طلب منه نحو 480 مليون دينار عراقي مقابل شغله منصب معاون مدير عام في الوزارة".

اقرأ/ي أيضًا: الزراعة والصناعة.. شاهدان يكشفان "جرائم" الاحتلال الأمريكي بالأرقام!

ردت الوزارة ببيان، نفت فيه ادّعاءات فؤاد وتوت، مبينة أن "المناصب العليا في الوزارة تتم وفق التدرج الوظيفي الذي يستحقه، في حين أن وتوت لا ينتسب إلى مركز وزارة الصناعة أو التشكيلات العامة التابعة لها، متعهدة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية الصارمة بحقه وإقامة دعوى قضائية ضده".

علق فؤاد وتوت على بيان الوزارة في تصريح لـ"ألترا عراق" أن "كتاب ترشيحه لمنصب مدير عام شركة الصناعات النسيجية والجلدية صادر من رئيس الوزراء"، مبينًا أن "لديه الكتب والوثائق التي تثبت ذلك".

هل عبد المهدي على علم؟

في 25 تموز/يوليو الماضي أظهرت وثيقة انتشرت في وسائل الإعلام، صادرة من مكتب رئيس الوزراء، توجيهًا من عبد المهدي إلى وزير الصناعة يقضي بـ"عدم قيام وزير الصناعة بإصدار أية أوامر وزارية بشأن إعفاء أو تكليف أو تدوير المديرين العامين، وأصحاب الدرجات الخاصة في وزارة الصناعة".

وألزم البيان "إلغاء كافة قرارات الإعفاء والتكليف والتدوير الصادرة من وزارة الصناعة بحق المشموملين بالوصف".

رد وزير الصناعة صالح الجنابي على قرار رئيس الوزراء ببيان في 1 آب/أغسطس طالب فيه عبد المهدي بـ"التعامل المتوازن مع جميع مفاصل الحكومة وعدم التمييز بين وزارة وأخرى"، مبينًا أن "قرار تحديد صلاحيات وزير الصناعة سينعكس سلبًا على أداء الوزارة، وسيؤثر حتمًا على قرارات الوزراء، وسيثير الشكوك بسبب خصوصيته تجاه وزارة دون أخرى".

يقول الجنابي إن "القرار مبهم ولم يتناول الأسباب الرئيسية التي دعت لاتخاذه ضد وزارة الصناعة"، مضيفًا "لا يجوز إعطاء صورة قاتمة عن وزارة معينة دون أدلة واضحة وغض الطرف عن وزارة أخرى لأسباب قد تكون حزبية أو فئوية مما يعود بالضرر على الرؤية الكلية للحكومة عند أبناء الشعب".

فؤاد وتوت: وزير الصناعة لا يعرف شيئًا في الوزارة. لقد اشترى المنصب بمبلغ 150 مليون دولار، وما يهمه هو استعادة المبلغ الذي دفعه مقابل شراء منصب الوزير

كما رأى النائب مثنى السامرائي أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تتعامل بـ"ازدواجية" مع ملف الدرجات الخاصة. فيما وصف رئيس كتلة الحل محمد الكربولي قرار عبد المهدي بالمزاجية، متسائلًا: "ترى ما الداعي لوجود الوزراء إذا كانت الصلاحيات تُسحب أو تبقى تبعًا للمزاج؟".

"وزارة للإيجار" لصاحبها أبو مازن!

مع الإشارات العديدة عن بيع وشراء المناصب التي تبدأ من الوزارات حتى الدرجات الخاصة، يتحدث العديد من النواب عن سطوة لمكاتب الوزراء في الوزارات الجديدة، وأن مديري المكاتب هم من يقودون الوزارات، إلى الحد الذي دعا القيادي في تحالف القرار طلال الزوبعي في تصريح تلفزيوني إلى وصف حكومة عبد المهدي بـ"حكومة مدراء المكاتب".

اقرأ/ي أيضًا: عبر سلم "الدماء والأموال".. "عراب" بيع المناصب في كركوك والأنبار!

وسبق للنائب عن تيار الحكمة ستار الجابر قد أشار في تصريح صحفي تابعه "ألترا عراق"، إلى أن "الكثير من الوزارات تُدار من قبل مكاتب الوزراء التابعة إلى جهات سياسية لحمايتهم من الاستجواب، بالإضافة إلى المديرين العامين التابعين أيضًا إلى جهات سياسية، وهم يتحكمون ببعض الوزراء".

يقول فؤاد وتوت إن "وزارة الصناعة لا تُدار من شخص الوزير، وأن مدير مكتبه (يُدعى أبو شمس) هو الوزير الحقيقي"، وهو مدعوم من النائب أحمد الجبوري (أبو مازن). ويكشف وتوت في حديث لـ"ألترا عراق" أن "وزير الصناعة لا يعرف شيئًا في الوزارة. لقد اشترى المنصب بمبلغ 150 مليون دولار، وما يهمه هو استعادة المبلغ الذي دفعه مقابل شراء منصب الوزير".

"وزير الصناعة صالح الجنابي استأجر الوزارة من أبو مازن"، يقول فؤاد وتوت، كما كشف أن "المدعو أبو شمس تعيّن في ملاك الوزارة بصفة عامل أجر يومي براتب 150 ألف دينار من قبل النائب أبو مازن من أجل إدارة الوزارة وتعيين المناصب العليا وغيرها، وهو يملك الحل والربط في كل مفاصلها".

فساد الداخل وتآمر الخارج

يُعاني القطاع الصناعي من تدهور كبير منذ سقوط النظام السابق عام 2003، وشهدت البلاد إغلاق العديد من المصانع العامة والخاصة، ما تسبب في شلل تام في الصناعات الوطنية.

ويرى مراقبون أن المسألة أكبر من أن تُحصر في ملف الفساد فحسب، فهناك جهات تمنع أية نهضة صناعية في البلاد من شأنها أن تعرقل عملية الاستيراد من بقية الدول، كما يُشير النائب جواد الساعدي إلى أن هناك "عملية إرضاء لبعض التجار على حساب الصناعة الوطنية وعملية الانتاج".

تكلفة إنتاج سلاح (مسدس طارق) محليًا هي 800 دولار لكن الوزارة تستورد المسدس من إحدى الدول بتكلفة 2000 دولار

مثالًا على تلك الحالات، قال مصدر مطلّع في إحدى التشكيلات التابعة لوزارة الصناعة، رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته، إن "تكلفة إنتاج سلاح (مسدس طارق) محليًا هي 800 دولار"، مستدركًا: "لكن الوزارة تستورد المسدس من إحدى الدول بتكلفة 2000 دولار في ظل عقد تورد فيه المسدس للوزارت الأمنية".

اقرأ/ي أيضًا: الكشف عن صفقة انتخاب محافظ نينوى "المدعومة إيرانيًا".. "ذئب الصفقات" خلفها!

يُشير المصدر في حديث لـ"ألترا عراق" إلى أن "الفارق الذي يبلغ 1200 دولار يذهب في جيوب الفاسدين عبر عملية الاستيراد والبيع، بدلًا من الانتاج المحلي الذي فضلًا عن توفيره لهذا المبلغ فأنه يُعزز الصناعة الوطنية ويُشغّل المزيد من العاملين".

كان وزير الصناعة السابق محمد صاحب الدراجي قد وصف في عام 2017 ما يحدث في وزارة الصناعة بـ"الأمر المضحك". يقول الدراجي إن "الفساد في وزارة الصناعة ليس في موضوع (الكوميشن)، بل في عدم وجود الإنتاج، بمعنى آخر: أنت لا تنتج، وهناك جهات تعطيك فلوسًا لمجرد أن تتوقف المعامل".

وفي تعليقه على سحب صلاحيات الوزير، علّل المتحدث باسم وزارة الصناعة عبد الواحد الشمري ذلك بـ"وجود دولة عميقة تُحارب الصناعة ولا تريد ظهور منتوج وطني"، ويضرب مثلًا بمنتج القيمر المحلي، حيث "سحبت شركة تُصدر الألبان إلى العراق، وهي تابعة لدولة مجاورة، كمية المنتوج من الأسواق ثم أعادت توزيعه بعد انتهاء صلاحيته".

من جانبه، تحدث جواد الساعدي، وهو عضو في لجنة النزاهة النيابية، عن ملفات فساد كبيرة في الشركات التابعة لوزارة الصناعة، من بينها أن "شركة تابعة للوزارة لديها عقد مع وزارتي الدفاع والداخلية بتجهيز مستلزمات وملابس عسكرية مثل الأحذية والأحزمة (النطاق)"، مضيفًا "تسورد الشركة المواد المُفترض إنتاجها ذاتيًا من الصين، ثم تورّدها للوزارة، بعد أن تضع لها (لصيقة) الشركة".

وبينما يُشير الساعدي إلى أن موضوع الاستيراد متكرر في أكثر من شركة، يتعهد مدير عام الدائرة الفنية في وزارة الصناعة ناصر المدني بفتح هذه الملفات وتشكيل لجان تقصي في الشركات المذكورة من قبل عضو النزاهة.

هناك شركة تابعة للصناعة تجهز وزارتي الدفاع والداخلية ملابس عسكرية، وتسورد الشركة المواد المُفترض إنتاجها ذاتيًا من الصين، ثم تورّدها للوزارة، بعد أن تضع لها (لصيقة) الشركة!

وفي ظل تصاعد الاتهامات ضد وزارة الصناعة، يكشف مصدر مطلع لـ"ألترا عراق" عن حراك قريب لموظفين في الوزارة بصفة (عمّال)"، مبينًا أن "المسؤولين المقربين من الوزير بدأوا بالتنصل من مسؤوليتهم معه لشعورهم بالخوف من الضغوط الإعلامية".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تعرف على المحاصيل والمنتجات التي حقّق فيها العراق اكتفاءً ذاتيًا

قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!