09-فبراير-2020

وضعوا الصدريون مرشحهم في موقف محرج هز قدرته على تشكيل الحكومة (الترا عراق)

تمثل اللقاءات التي جرت بين بعض قادة التنسيقيات وممثلين عن مقتدى الصدر، وما يمكن أن تولده من خفض للتوتر وتفاهمات على بعض المسائل الخلافية، خطوة جيدة، لكنها غير كافية، خاصة وسط المخاوف المتزايدة من انقلابات الصدريين المتوالية في المواقف والخطط المعلنة، وإن كانت أهدافهم هي ذاتها لم تتغير "القطعة الأكبر من غنيمة السلطة وتسيد القرار بالساحة الشيعية المليئة بالمنافسين".

تمثل اللقاءات التي جرت بين بعض قادة التنسيقيات وممثلين عن مقتدى الصدرخطوة جيدة، لكنها غير كافية

النقاشات التي امتدت لساعات، وتضمنت مكاشفات، وتقديم ممثلي الصدر بعض الوعود المتعلقة بتصحيح مسارات تحركاتهم ومواقفهم، تمثل تراجعًا للصدرين خطوة إلى الوراء في سياستهم العدائية للمحتجين، ربما إدراكًا لحجم المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه دون مبرر منطقي أو دافع سياسي عقلاني، ولتحجيم الخسائر المحتملة وليس لتدارك الأخطاء وتصحيح مسارات سياساتهم.

اقرأ/ي أيضًا: الصدر وانتفاضة تشرين.. من عثر على الآخر؟

تلك السياسات التي افقدتهم الكثير من المؤيدين والمتعاطفين ووضعت جمهورهم والمتحدثين باسمهم الذين بُدُوّ كمراهقين في العمل السياسي والإعلامي، في خانة بائسة من تبريرات وتقولات يعتبر تسويقها بحد ذاته فضيحة. والتي وضعتهم في مواجهة انتقادات مباشرة وواضحة من المرجع السيستاني.

الآن من غير المنطقي رفض فكرة التهدئة والحوار مع الصدريين وهم الذين يريدون قيادة الحكومة المقبلة والوحيدون الذين أيدوا علنا رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، وهو ما يجعله مرشحهم والشخص الذي سيتفاوض معه المحتجون في جولات ونزالات الصراع السياسي والشعبي المقبلة وهي نزالات ستكون طويلة وقاسية.

الصدريون مطالبون الآن، ولوقف خسائرهم الشعبية وربما السياسية إذا فشل مرشحهم في تشكيل حكومته، بإعادة الثقة مع المحتجين التي "كادوا يقتلوها بتواثيهم"، وهو أمر يتطلب منهم ليس مجرد إعلان مواقف مهدئة للصراع أو مهادنة للمحتجين ومؤيدة لمطالبهم أو تقديم اعتذارات شكلية للضحايا الذين سقطوا في "منازلاتهم الغبية والصادمة" مع شركائهم في الساحات.

هم مطالبون بالقيام بتحركات وتنازلات حقيقية على الأرض، وليس مجرد وعود بسحب القبعات الزرق من الساحات (وهو أمر طالما أعلن وكان مجرد تكتيك تم خلاله نزع القبعات) أو تصحيح الوضع "الدعائي المخزي" للمطعم التركي بوضعه تحت إشراف أمني مشترك او حكومي. وهي تحركات يصعب أن تتحقق، وفق رؤية الصدريين الحالية التي لا تعترف بالأخطاء وتعتبر الآخر عدوا يمكن التفاهم مرحليًا معه فقط وفي سبيل تحقيق بعض الأهداف.

الصدريون مطالبون الآن ولوقف خسائرهم الشعبية وربما السياسية بإعادة الثقة مع المحتجين عبر تحركات وتنازلات حقيقية على الأرض

عمومًا حتى مع "الوعود والتفاهمات المحتملة" للتهدئة والتي لم ترتق إلى مواقف جديدة معلنة للصدريين، والتي يشك الكثير من قادة الاحتجاجات بقيام الصدريين بتنفيذها، لا اعتقد أن الصدريين يمكنهم استرجاع ما خسروه سريعًا من ثقة جزء غير صغير من الشارع وجزء غير صغير من المؤيدين والمتحدثين.

هنا نذكر أن الصدريين لم يضعفوا من خلال استهدافهم للمحتجين ومحاولة سيطرتهم على ساحات الاحتجاج، فقط موقعهم الشعبي ولا موقفهم السياسي التفاوضي مع بقية القوى السياسية، بل وضعوا مرشحهم محمد توفيق علاوي في وضع محرج هز قدرته على تشكيل الحكومة وأربك حساباته إلى حد التلويح بالاعتذار عن تشكيلها.

كما أن الصدريين بالتقلبات والمواقف غير المفهومة والأخطاء التي ارتكبوها في الأسابيع الأخيرة، جعلوا من أنفسهم المسؤولين مباشرة عن الفشل المستقبلي لحكومة علاوي كونهم ظهروا كداعميه الوحيدين.

على الصدريين أن يدركوا أن تحقيق هدفهم بالسيطرة على معظم مفاصل السلطة، لن يتحقق بمجرد إفراغ ساحات الاحتجاج من المحتجين الحقيقيين المطالبين "بوطن ودولة، وبإنهاء الفساد ومحاصصة المغانم"، بل أن ذلك سيضعهم تحت ضغط القوى السياسية المنافسة الأخرى ما سيعطل مكاسبها، وحينها فإن أي محاولة للصدريين لتصعيد الفعل الاحتجاجي، في الساحات الفارغة من المحتجين الحقيقيين وليس طلاب السلطة، ستجابه بحقيقة كونه احتجاج حزبي سياسي محدود وليس شعبي عام.

اقرأ/ي أيضًا: فصل جديد من كتاب المحنة.. خطاب إلى الأمة الصدرية

في النهاية يظل السؤال الكبير قائمًا: هل يمكن إنهاء الاحتجاجات بالقوة، وفق تجربة الأشهر الأربعة الماضية وبوجود جيل يثير الدهشة بمدى استعداده للموت دفاعًا عن شيء يؤمن به.

على الصدريين أن يدركوا أن تحقيق هدفهم بالسيطرة على معظم مفاصل السلطة لن يتحقق بمجرد إفراغ ساحات الاحتجاج من المحتجين الحقيقيين 

إضاءة: زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وجه في بيان حمل عنوان (ميثاق ثورة الإصلاح) ووقع باسم (خادم الإصلاح) بانسحاب القبعات الزرق من ساحات التظاهر وتسليم ملف حماية المتظاهرين إلى القوات الأمنية. البيان الذي حمل 18 نقطة، كتب بطريقة توحي بأنه "قائد السلطة والثورة معًا"، وتضمن جملة مسائل إشكالية وجدلية وبعضها مرفوض تحت سقف الحرية المدنية والاعتقاد الشخصي، لكنه ربما يعيد جزئيًا رسم العلاقة مع المحتجين الحقيقيين! وتظهر مفردات البيان (الميثاق) في عين الوقت أن الصدر لا يكاد يحاول الخروج من تناقض بسبب بيان له، حتى يقع في تناقض أكبر بسبب بيان جديد كمطالبته "بعدم تسييس التظاهرات لجهات حزبية" بينما يواصل منذ أربعة أشهر تسييس التظاهرات بتوجيهاته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حراك الصدر الأخير... قراءة في الأسباب والمآلات

مقتدى الصدر.. قبل نفاد الوقت