25-فبراير-2023
الميليشيات ديالى اطفال العراق

تتكرر الجرائم في ديالى طوال السنوات السابقة (فرانس برس)

تشهد محافظة ديالى على فترات متقطعة ومتقاربة تكرارًا في حالات جرائم إرهابية وجنائية ونزاعات عشائرية على نحو أوسع ومختلف، مقارنة بالمحافظات الأخرى، خصوصًا تلك التي اجتاحتها تنظيمات إرهابية، ثم استقرت نسبيًا في وقت لاحق.

لم تستقر محافظة ديالى من الناحية الأمنية، على عكس المحافظات الأخرى التي سيطر الإرهاب فيها سابقًا

وطوال السنوات السابقة، كانت بعض محافظات شمالي وغربي العراق توصف بـ"الساخنة" نظرًا للعمليات المسلحة التي تستهدف القوات الأمنية هناك والعكس. وبعد ظهور تنظيم "داعش" ومن ثم تحرير هذه "المحافظات الساخنة، أصبحت معظمها أكثر استقرارًا من غيرها، إلا ديالى، التي لا يقتصر الأمر فيها على استمرار أعمال العنف فحسب، بل هيمنة "الغموض" حول هذه العمليات وعدم وضوح الصورة المتعلقة بالأحداث الساخنة التي تشهدها المحافظة بين الحين والآخر.

 

عمليات كثيرة، مختلفة، غامضة

وتشهد جميع المحافظات العراقية أعمال عنف تتمثل بعمليات اغتيال فردية أو حوادث جنائية أو نزاعات عشائرية واضحة، ولكن ما يحدث في ديالى مختلف، فعمليات الاغتيال والنزاعات العشائرية والحوادث الجنائية تكون ضحاياها أحيانًا بـ"الجملة"، وتأخذ عدة أيام حتى تتوضح، وغالبًا ما يبقى الغموض يلف معظم تفاصيلها حتى تنسى.

ومن بين الأحداث الأمنية الغامضة التي تشهدها ديالى، استهداف الأطباء في المحافظة، بوتيرة أشبه ما تكون بالعمليات "المنظمة"، وهو أمر تتضارب التفسيرات حوله، خصوصًا وأنه ليس بالجديد، وتشهده المحافظة طوال السنوات الماضية.

وخلال الأيام الخمسة الماضية فقط، شهدت محافظة ديالى نوعين من أعمال العنف "الغامضة"، لتزيد علامات الاستفهام ومحاولات البحث لإيجاد تفسيرات عمّا يحدث في هذه المحافظة.

 

هجومان متشابهان لقريتين متجاورتين

في 20 شباط/فبراير الجاري، قتل 9 أشخاص، 5 منهم من عائلة واحدة، بينهم امرأتان، حيث يقطن المقتولون التسعة في قرية الجيايلة في قضاء الخالص بمحافظة ديالى، وذلك في هجوم مسلح من قبل "مجهولين" قاموا بفتح النار على الضحايا أثناء العمل في مزارعهم، فضلًا عن اختطاف شخص تم قتله فيما بعد.

مشهد من مستشفى الخالص بعد هجوم قرية الجيايلة في محافظة ديالى
أهالي المقتولين في قرية الجيايلة أثناء التشييع (فيسبوك)

وتنوعت التفسيرات والروايات حول طبيعة الحادثة، إلا أن تصريحات عدّة أشارت إلى "ثأر عشائري" سابق مع قرية البوبالي، التي تقطنها عشائر الدليم وهم من "الشيعة"، بينما تبرز عشيرة العزّة في القرية المجاورة "الجيايلة" وهم من "أهل السُنة".

جرى تفسير الهجوم الأخير على قرية الجيايلة بأنه طائفي، بينما تقول المحافظة إن الدوافع إجرامية

واتهم نواب، ما أسموهم بـ"ميليشيات منفلتة" بالهجوم على قرية الجيايلة بـ"دوافع طائفية" تهدف إلى تهجير القرى ذات الأغلبية السنية، بينما قال مستشار محافظ ديالى إن الهجوم "فعل إجرامي مدان" لكنه "لا يحمل طابعًا طائفيًا"، على حد وصفه.

 

وقبل شهرين تقريبًا، وتحديدًا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شهدت قرية البوبالي هجومًا مسلحًا مشابهًا لما شهدته قرية الجيايلة وراح ضحيته حينها 8 أشخاص من أبناء القريّة، وتنوعت الروايات والاتهامات بين تورط تنظيم داعش بالحادثة، وبين تحميل قرية الجيايلة مسؤولية الهجوم كنزاع عشائري.

 

مسلحون "متضادون".. نزاعات عشائرية لا تشبه غيرها 

تكرار الجرائم والاغتيالات في ديالى يراها مراقبون مرتبطة بخلفيات طائفية وإن كانت تحمل طابعًا عشائريًا، حيث يتقاتل مسلحون منتمون لعشيرتين، سواء من تنظيم داعش أو الفصائل المسلحة.

وشهدت محافظة ديالى عمليات وحوادث مشابهة في قرى مختلفة خلال الأشهر والسنوات الماضية، وبقيت الروايات حولها متضاربة.

تختلف النزاعات العشائرية في ديالى بأنها تحدث أحيانًا على طريقة التنظيمات الإرهابية من خلال عمليات الاغتيال الجماعي

وعلى غير عادة النزاعات العشائرية في المحافظات الأخرى، فإن الوضع الأمني غير المستتب وتنوع انتماءات المسلحين في المحافظة وتواجد تنظيم "داعش"، جعل النزاعات العشائرية الانتقامية في المحافظة تنفذ على طريقة التنظيمات الإرهابية، بعمليات اغتيال جماعية ومباغتة، مستفيدين من التدهور الأمني في المحافظة وإمكانية تحميل تنظيم داعش مسؤولية الهجوم بسهولة، ما يتيح لمنفذيه الإفلات من العقاب.

 

استهداف مريب للأطباء

بموازاة أعمال العنف الغامضة وعلى طريقة "العمليات الإرهابية"، تعاني ديالى من أعمال عنف قد توصف بـ"المنظمة" ضد الأطباء في المحافظة، حيث تم اغتيال طبيب القلبية الشهير أحمد طلال المدفعي بعد خروجه من عيادته في شارع الطابو ببعقوبة، بعد يومين من "مجزرة الجيايلة"، وتأتي هذه الحادثة بعد شهر واحد من اختطاف الطبيب علي الحسيني، أخصائي النسائية في محافظة ديالى.

 

وتعرض 6 أطباء في ديالى لحوادث عنف خلال 6 أسابيع فقط، فما عدا اغتيال الطبيب أحمد المدفعي، أُختطف طبيب آخر وتم تهديد 4 أطباء، بحسب مدير إعلام صحة ديالى فارس العزاوي، الأمر الذي يوحي إلى أن اعمال العنف ضد الأطباء في محافظة ديالى "منظمة"، فالمخاوف من هجرة كفاءات ديالى إلى محافظات أخرى، أكدها مدير إعلام الصحة، محذرًا من تكرار أحداث 2007.

اغتيال الطبيب المدفعي في ديالى لم يكن الحادث الأول، بل سبقته 5 حوادث تهديد وخطف خلال شهر ونصف الشهر

حوادث العنف ضد الأطباء ليست بالجديدة على ديالى، فقد شهدت المحافظة في عام 2017 موجة مشابهة لأعمال العنف ضد الأطباء، وصلت لعشرات الحالات.

 

الداخلية.. لا إحصائية ولا تعليق

حتى الآن، لا توجد إحصائيات دقيقة عن حالات العنف ضد الأطباء في ديالى، وحاول "ألترا عراق" البحث عن إحصائيات تفصيلية عن حالات الاغتيال والقتل والحوادث الجنائية للمحافظات لمقارنة واستخراج نسبة أعمال العنف في ديالى بالإحصائية الكلية؛ لكن دون جدوى.

وتشير آخر إحصائية أعلنتها وزارة الداخلية إلى تسجيل 1077 جريمة خلال عام 2021، في عموم مناطق العراق، دون تفاصيل إضافية.

وحاول "ألترا عراق" مع المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا للحصول على إحصائيات جرائم القتل في العراق خلال 2022، أو نسبة الجرائم في ديالى، إلا أنه لم يُجِب على الاتصالات.

لم تعلن وزارة الداخلية أية إحصائيات خاصة حول الجرائم والاغتيالات في محافظة ديالى

الجرائم التي تأخذ طابع الغموض، والوتيرة المتصاعدة لها مقارنة بمحافظات العراق الأخرى، يطرح مؤشرات حول تعدد الجهات التي تحمل أسلحة، وتنوع خلفياتهم المذهبية وانتماءاتهم الحزبية والميليشياوية، في أجواء تبدو مهيئة لرمي التهم على الجهات المجهولة، وفي جغرافية مفتوحة تساعد الجهات الأمنية على تبرير "هروب المسلحين" بعد عملياتهم.