16-أبريل-2023
فائق زيدان الاسد

رئيس القضاء العراقي زار بشار الأسد (فيسبوك)

تنشغل عدّة دول عربية بما يسمى "عودة احتضان النظام السوري"، وسط مساعٍ تقودها دول خليجية لإعادته إلى الجامعة العربية، في تطور سياسي بدأ يتسارع خلال الأسابيع الماضية، بعد أكثر من عقد على قطع العلاقات العربية مع النظام السوري إثر الأحداث الدامية التي شهدتها سوريا في العقد الأخير، وهو ما رآه ناشطون يأتي ضمن مسار تجاهل معاناة الشعب السوري سواء كان في الداخل أو الشتات، في ظل بقاء هذا النظام. 

يتحرك النظام العراقي بشخصياته السياسية والتشريعية والقضائية في ملف تطبيع العلاقات العربية مع نظام بشار الأسد

في الوقت ذاته، تحاول شخصيات سياسية عراقية إيجاد مكان في هذا الحراك الطامح لتطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية عمومًا، ونظام بشار الأسد في سوريا.

وتطرح عدّة سيناريوهات لأسباب تسابق الشخصيات السياسية العراقية على إيجاد موضع قدم في ملف إعادة نظام الأسد إلى حضن الأنظمة العربية ولا سيما في الخليج، بين "محاولة استثمار" الساسة العراقيين لملفات الصلح الإقليمية كمنجز، بالإضافة إلى إكمال مسيرة النظام السياسي العراقي في تثبيت حكم نظام الأسد في سوريا، التي ساهمت بها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وصلت حتى لقتال ميليشيات عراقية إلى جانب قوات الأسد في عمليات البطش التي مورست بحق الشعب السوري لنحو 12 عامًا.

وتقدر نسبة الذين التحقوا من المليشيات العراقية المتورطة بالعنف ضد الشعب السوري خلال العام 2017 فقط، بـ3 آلاف مقاتل، انتقلوا بشكل علني وعبر مطارات العراق وعلى مرأى ومسمع من حكومة رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حيدر العبادي، وسائر قادة النظام السياسي في العراق. 
 

 

حراك عراقي نحو نظام الأسد

وخلال أقل من 48 ساعة، كان النظام السوري على رأس انشغالات 3 جهات في النظام العراقي، بأسبوع شهد توافدًا واهتمامًا تشريعيًا وقضائيًا وسياسيًا لزيارة الأسد. 

في 5 نيسان/أبريل كان رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان قد وصل إلى سوريا بدعوة من وزير العدل لدى النظام السوري، وأجرى زيدان خلال يومين جولة ولقاءات عديدة في المعهد القضائي ولقاء شخصيات حكومية مختلفة، من بينهم رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وخلال اللقاء، أشار الجانبان إلى أن الزيارة والاجتماعات هدفها التعاون القضائي بين العراق وسوريا، فيما أكد زيدان خلال لقائه بالأسد على ضرورة رفع مستوى التعاون إلى "أقصى درجاته" في مختلف المجالات، بين البلدين.

وفي ذات اليوم الذي التقى رئيس السلطة القضائية في العراق، بالأسد، كان الأخير يستقبل رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ويؤكد أن "سوريا تنظر إلى العراق كتوأم وليس كبلد شقيق فقط".

زار فائق زيدان وعمار الحكيم بشار الأسد في يوم واحد، فيما كان الحلبوسي في مصر يتحدث عن (استقرار سوريا)

قبل هذا النشاط السياسي والقضائي العراقي في سوريا، بثلاثة أيام فقط، كان رئيس السلطة التشريعية في العراق محمد الحلبوسي يتحدث عن استقرار سوريا كإحدى الملفات على طاولة نقاشه في مصر، خلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

البيان الصادر من مكتب الحلبوسي، جاء فيه أن "اللقاء بحث العلاقات الثنائية (..) وعددًا من المواضيع ذات الاهتمام المشترك، منها استقرار الوضع في سوريا الشقيقة".

وزار الحلبوسي مصر، بالتزامن مع تواجد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي وصل إلى مصر قبل يوم واحد، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 10 سنوات، عند اندلاع الثورة السورية.

 

هل ينضم الأسد إلى التحالف الثلاثي؟

الاهتمام بالنظام السوري وسيطرته على حراك الجهات التشريعية والقضائية والسياسية في العراق بوقت واحد ومتزامن، فتح باب التساؤلات عن أسباب "الاهتمام المكثّف" بالملف السوري، أو بالأحرى المساهمة بإعادة تطبيع العلاقات بين الحكومات العربية مع النظام السوري الذي يشهد عزلة لا يحبذ السوريون انقطاعها دون تغيير جذري بعد المسار الدموي الذي حصل.

وبينما تطرح تساؤلات عمّا إذا كانت السلطات العراقية الثلاث، مرتبطة بنوايا وخطط لجعل سوريا جزءًا من التحالف الثلاثي "العراقي المصري الأردني"، يسود في المقابل اعتقاد بأن التحركات العراقية، المتزامنة مع مؤشرات التقارب العربي والنظام السوري، هدفه صناعة موقف عن "إسهام عراقي" أو إسهام الشخصيات العراقية بأي صلح معلن وكبير بين الدول العربية ونظام الأسد، على غرار الإعلان السعودي - الإيراني، بحسبما يرى مراقبون. 

يصف الباحث غازي فيصل،  مدير المركز العراقي للدراسات، احتمال "اندماج" سوريا في "التحالف العراقي المصري الأردني"، بأنه "وارد جدًا".

يعتقد محللون أن النظام السوري سوف يجري دمجه في التفاهمات الثلاثية بين العراق ومصر والأردن

ويرى فيصل في حديث لـ"ألترا عراق" احتمالية "اندماج سوريا في القمة الثلاثية أمر وارد جدًا" لأنه "في أساس المشروع الثلاثي هو أن تندمج سوريا فيه لأهميتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي المهم".

 

تبرير للتدخلات العراقية في الأزمة السورية 

في المقابل، يرى الباحث في الشأن السياسي سيف البدراني، أن الساسة العراقيين يحاولون تعبيد الطريق والمساهمة بأي شيء لمساعدة النظام السوري وإخراجه من محنته، وإضفاء الشرعية عليه، بالرغم من الانقسام الكبير في سوريا تجاه النظام وما تسبب به من دماء وهجرة ملايين السوريين لبلدهم ومنازلهم.

ويرى البدراني، في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "النظام السياسي في العراق وما يرتبط به من مؤسسات عسكرية ومنظومات دينية واجتماعية، له مساهمة في تثبيت نظام الأسد في سوريا".

يرى باحثون أن النظام السياسي في العراق يحاول تبرير تدخلاته في الأزمة السورية من خلال السعي لتطبيع العلاقات العربية مع بشار الأسد

وعلى خلفية ذلك، يضيف البدراني، فإنّ "التغييرات الجيوسياسية الحالية في المنطقة والتي فرضت إعادة احتضان النظام السوري من قبل دول الخليج، يهيئ للنظام السياسي في العراق أن يُظهر أمام جيرانه من الأنظمة العربية والخليجية بأنه كان على صواب في موقفه الأول الداعم للنظام في سوريا، أو ما يمكن وصفه تبريرًا بأثر رجعي للتدخلات العراقية في الأزمة السورية وإنْ كانت بشكل غير رسمي صريح".

وتدخل القوات العراقية أيضًا - وليس الجماعات المسلحة فحسب - في القتال ضد تنظيم داعش، حيث أعلن رئيس الحكومة العراقية آنذاك حيدر العبادي، في العام 2017، حصول العراق على "موافقة سوريا لقصف مواقع الإرهابيين التي كانت ترسل لنا سيارات مفخخة".


 

النظام العراقي يبحث عن "منجزات خارجية"

وفي سياق الحديث عن حراك القوى والشخصيات السياسية العراقية في ملفات "الصلح" الإقليمية، يرى رئيس المركز الاسترالي للدراسات أحمد الياسري أن "هذه التحركات العراقية نحو سوريا، نابعة من محاولة قيادات الكتل العراقية لاستثمار أي ملف خارجي لتحويله إلى إنجاز داخلي".

ويقول الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "الحوار الإيراني - السعودي برعاية صينية، أعطى للعراق دورًا هامشيًا في هذا الحدث الاستثنائي، لذلك فإن الملف السوري ملف رائج، حيث تحاول قيادات هذه الكتل [السياسية العراقية] اللعب على المنجز الخارجي، والملف السوري هو الأسهل والأعمق بسبب علاقة العراق مع سوريا بكونها لا تمتلك مساحة علاقة مفتوحة مثلما تمتلك مع العراق".

ويعتقد الياسري أن التحركات العراقية المكثفة نحو النظام السوري، "محاولات للعب لعبة منتهية"، حيث أن تطبيع العلاقات مع النظام السوري "مكتمل تقريبًا، والاتفاق السعودي - الإيراني هو ضوء أخضر لهذه العودة"، لذلك فإن هذه القيادات العراقية بحسب الياسري "تحاول أن تبحث عن منجزات خارجية، عبر عمليات الصلح الإقليمية".