13-مارس-2019

يثير الراب الحسيني السخط والسخرية والتحريض على القتل، لماذا؟ (فيسبوك)

تحتل الشعائر الحسينية أهمية كبرى عند الشيعة الإمامية، وهي مجموعة من الممارسات يجري أغلبها في شهري محرم وصفر إضافة إلى مناسبات ولادات الأئمة الـ 12 ومناسبة مقتلهم أو وفاتهم. لا يعرف لتلك الشعائر تأريخ محدد إذ تباينت الآراء بشأن جذرها الأول، فمنهم من يرجعها إلى زمن النبي محمد، الذي بكى الإمامين الحسنين بعد أنْ تنبأ بمصيرهما المأساوي، والبعض الآخر يرجعها إلى زمن الإمام علي بن الحسين السجاد، الذي قام بدفن شهداء معركة كربلاء، وأقام عليهم مأتمًا، وبذلك تشكلت اللبنة الأولى لإقامة الشعائر الحسينية التي تحيي ذكرى واقعة كربلاء.

ظهرت في العراق مؤخرًا "شعيرة الراب الحسيني" تبناها أتباع المرجع الديني محمود الصرخي الحسيني، حيث تردد قصائد مع اللطم على إيقاع الراب، لجذب الشباب 

لم تقف تلك الشعائر على ممارسة واحدة كلطم الصدر والبكاء والمشي إلى كربلاء حيث الإمام الحسين وأخيه العباس، بل تطورت مع مرور الزمن وأدخل عليها الكثير من الممارسات المثيرة للجدل، من قبيل "التطيين، التنطيح، المشي على الجمر، التطبير، والشور"، قبل ظهور جماعة تطلق على نفسها "كلاب رقية أو كلاب العباس"، ثم آخرها شعيرة "الراب الحسيني"، التي تبناها في العراق أتباع المرجع الديني محمود الصرخي الحسني، المثير للجدل والذي طرح نفسه مرجعًا عقب مقتل المرجع الديني  محمد صادق الصدر، وسط عدم اعتراف أغلب أطراف الحوزة الدينية في النجف.

يعد المفكر الإسلامي الشيعي علي شريعتي، أول من وجه سهام انتقاده الى هذه الطقوس والشعائر، التي عدها من "تمخضات الدولة الصفوية" التي حكمت باسم التشيع، إذ يقول في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي": سوف ينهض هذا الشيعي ساخطًا على الجور والظلم وغصب الحق وسفك دم الحسين ويثور ويتأجج الغضب في روحه وكيانه ويسترخص نفسه ويشهر سيفه بيده عاليًا ليضرب بكل صلابة وعنف... رأسه!... كيف استطاعت الصفوية أن تنتج تشيعًا يشبه التشيّع في كل شيء وليس فيه شيء منه؟!.

اقرأ/ي أيضًا: التطبير باسم الحسين.. دعامة للجهل مرفوضة

يقول شريعتي أيضًا: إنّ هذه الشعائر والطقوس والمراسيم المذهبية لم يعهد لها سابقة في الشعائر الدينية الإسلامية.. ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث بوسع كل إنسان مطلع على تلك المراسيم أنْ يشخص أنّ هذه ليست سوى نسخة من تلك. 

جدل واسع وتحريض على القتل!

أثارت شعيرة "الراب الحسيني" جدلًا واسعًا وحادًا، في الواقع، وعلى الصفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدًا فيسبوك، وصلت مؤخرًا إلى وصف أتباع الصرخي بـ"الخوارج الذين يجب قتلهم بعد أنْ اساءوا إلى سمعة الدين والمذهب"، فيما طالب آخرون بتدخل مرجعية النجف واستخدام القوة لمنع هذه الشعيرة قبل أنْ تتطور وتصبح طقسًا دينيًا لا يمكن منعه. لكن آخرين رأوا فيها "مواكبة للتطور والزمن وعاملًا لجذب الشباب المسلم"، وسط تفاعل ساخر من كثيرين.

اذ كتب سليم الخليفاوي، وهو من المدافعين عن الصرخي في حسابه على الفيسبوك: "نعم راب مهدوي وبكل فخر اسميناه هذا الاسم.. وما هو الضير في أن نستخدم الراب في إيصال رسالة أخلاقية تربوية بأسلوب يحبه الشباب والأشبال"، منتقدًا المعترضين بالقول: "إذا أنتم تعترضون على الراب لأنه أمريكي أو غربي فالأجدر بكم أن تتركوا النت والموبايل والحاسوب فكلها اختراعات أمريكية وغربية".

لكن رجل الدين رشيد الحسيني، وفي برنامجه "فقه المصطفى" الذي تبثه فضائية الفرات التابعة لزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، قال: "إنّ الراب يعد مؤامرة على الدين وعلى الحوزة العلمية والمرجعية من خلال تلويث وتشويه رسالة الحسين"، موضحًا إنّ "الشعائر الحسينية لا تتطور فلا يجوز تقليد الآخرين من أجل استثارتهم وجذبهم إلى الدين بهذه الطريقة".

فيما رد المدون أحمد الملا، وهو من المؤيدين لشعيرة الراب، على الحسيني، مذكرًا إياه بحديث سابق لعمار الحكيم حين قال: "لا تستغرب إذا وجدت رجل دين معمم في البارات، لأنه موجود هناك يريد أن يهدي الشباب، وقدم إحصائية دقيقة بعدد البارات المتواجدة في المنطقة التي يسكنها وتلك البارات تحت حمايته ورعايته".

بدوره انتقد الكاتب والصحافي حسين علي، بشكل ساخر عبر حسابه اللطم مع الراب قائلًا: "أدري تلطمون وية الراب ليش؟ مو هيج الناس راح تضحك عليكم.. هسة هاي شلون أركعها إلكم يم 50 سنت؟". في حين رأى آخرون في تلك الممارسات " اجتهادًا مثل كثيرٍ من اجتهادات رجال دين سابقين والتي تمَارَسُ كالتطيين، التطبير والزحف وغيرها، حيث اكتسبت قدسيتها مع مرور الزمن".

أثارت شعيرة الراب الحسيني الجديدة جدلًا واسعًا في الواقع ومواقع التواصل، وصل حتى التهديد والتحريض على القتل

ولم يتوقف الأمر على الجدل والسخرية، بل وصل إلى التهديد والتحريض على القتل. إذ وصف عمار الشويلي وهو أحد رجال الدين المنتمين للتيار الصدري، أنصار الصرخي بـ"خوارج العصر والمرتدين و"الفئة الباغية"  بعد أن عد شعيرة الراب تشبه بالكفر والغرب"، دون تعليق حتى الآن من زعيم التيار مقتدى الصدر على تلك الآراء التي تعد "دعوة مبطنة للتكفير والقتل".

فيما أفتى المرجع كاظم الحائري، باعتبار كل عمل "يشوه سمعة الشيعة محرمًا"، في رد على استفتاء بشأن "الراب الحسيني"، متهمًا "أياد خفية بمحاولة تشويه العزاء الحسيني".

فتوى المرجع الحائري بشأن "الراب الحسيني"

المشكلة مع الراب؟.. أم مع الصرخي؟

مختصون من جانبهم رأوا في الشعيرة الجديدة، "أمرًا طبيعيًا"، لا يختلف عن توظيف ممارسات سابقة أخرى لطرح القضية الحسينية.

يقول الأستاذ في كلية الآداب في جامعة الديوانية حبيب الخزاعي، في حديث لـ "الترا عراق"، إنه لا يرى في "الراب الحسيني مشكلة"، وذلك أن "الشعائر بشكل عام بحاجة إلى التجديد والتطوير وتهذيبها لتتلاءم مع ما يدعوا له الإسلام، بعد أن عرفنا أن الأطوار السابقة لم تعد تجذب الشباب والأشبال"، فيما عزا الاعتراضات و"الهجمة الإعلامية" على متبنيه إلى "كونه طور جديد، حيث يواجه كل جديد من قبل البعض بشكل خاطئ".

لفت الخزاعي، إلى الكثير من الشعائر التي "تمثل إساءة صريحة" لمذهب أهل البيت والتي لم تشهد اعتراضات مماثلة، مثل: التطيين والمشي على الجمر وغيرها، مشيرًا إلى أن "أغلب رجال الدين ربما لديهم مشكلة شخصية مع الصرخي، فحاربوا هذا الطور نكاية به لمزاحمته إياهم على المرجعية، فربما لو صدر هذا الطور من مرجع آخر لغطته القنوات الدينية وشيدت  له المؤسسات".

أما الباحثة الاجتماعية إبتسام الشمري فتقول لـ "الترا عراق"، إنّ "توظيف الراب في القضية الحسينية لا يختلف عن توظيف السينما والمسرح، فالمهم هو الغاية وليست الوسيلة"، مبينة أنّ "الإساءة الحقيقة للمذهب تتأتى عن طريق استغلال الناس باسم الدين وسرقة أموال العتبات المقدسة والقتل على الهوية والسكوت عن السياسيين الفاسدين، فلو كان للصرخي كتلة سياسية فاسدة أو ميليشيات تقتل الناس، لقلت نعم إنه يسيء للمذهب والدين".

بدوره يرى التدريسي سيف أنور، أن هذا هو "التطور الطبيعي للدين، أو للحركات والاتجاهات داخل المذاهب"، وفق القراءة التاريخية. يقول لـ "الترا عراق"،: "كان محرّمًا صعود القطار، محرّم على الناس الطباعة بالحبر، وبفتاوى رسمية، حُرّم غسل الكلى ومات الكثير، وحرموا حتى لبس حمالة الصدر للنساء، وكله كان بفتاوى حقيقية ورسمية ويُقتل من يخالفها".

 يضيف: "الآن الراب سيكون مقدس، لأنه التطور الطبيعي للحياة وللأديان، مع العلم أني أعرف أنّ هذا الطور يستخدم منذ آمد طويل من قبل جماعات دينية خارج العراق، فهو يستخدم من قبل جماعة حزب الله وغيرهم".

يرى أساتذة جامعيون ومختصون أن "الراب الحسيني" حالة طبيعية لتطور الأديان أو الحركات والاتجاهات داخل المذاهب وتوظيفه لا يختلف عن توظيف السينما والمسرح 

ولم يصدر حتى الآن، بيان من قبل المؤسسة الدينية يحدد الموقف من الراب الحسيني، فيما لم تصدر أي فتوى تحرمه، وسط اختلاف الآراء بشأن أصول الراب، إذ عده البعض أمريكي الأصل انتشر في بداية السبعينات، لكن آخرين يرونه عربيًا،  كما يقول الفنان ومؤدي الراب المصري أحمد مكي على سبيل المثال.

يبين مكي، أن "العرب ابتدعوه بعد أن طوروا الشعر وأنشأوا علم يسمى علم العروض، وهو تقسيم الشعر إلى بحور حسب إيقاع الكلام، ومن قام بتأليف هذه البحور هو الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما كان يمشي في سوق الحدادين وسمع ضرب السيوف والحديد فابتكر الإيقاع، ووصلت هذه الأفكار إلى أفريقيا عن طريق التجارة، حيث الطبل والإيقاع جزء من ثقافة الأفارقة، فقالوا الشعر على إيقاع الموسيقى، وعندما اكتشف كولمبس أمريكا أخذوا الأمريكيين الكثير من الأفارقة معهم كعبيد، والذين كانو يتكلمون مشاكلهم ومشاكل الشارع عن طريق الإيقاع، فبدأ هذا الفن يظهر وسمي (راب)، لينسب إلى أمريكا، لكنه في الحقيقة عربي الأصل".

والراب (كما يُعرف أيضاً باسم الرايمينج أو السبيتنج)، هو نوع من أنواع الغناء وأحد فروع ثقافة الهيب هوب الرئيسية. وهو التحدث وترديد الأغنية بقافية معينة، وهو أيضًا تسليم القوافي والتلاعب بالألفاظ حتى تتماشى مع القافية دون الالتزام بلحن معين، حيث انتشر في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية السبعينات، في حي برونكس، ولاية نيويورك على أيدي الأمريكيين الأفارقة، كما أنتشر عالمياً منذ بداية التسعينات.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بغداد تتشح بالسواد

قانون قدسية كربلاء.. "لمدينة أحلى وأجمل" بلا حياة!