28-أبريل-2019

تعتمد البلاد على إيران لتوفير قدر كبير من الطاقة قد يؤدي فقدانها إلى أزمة كبيرة (Getty)

منذ السادس من أيار/مارس 2018 حين أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، واستئناف العقوبات الأميركية التي كانت قد توقفت تنفيذًا للاتفاق النووي، عكست العقوبات الأمريكية آثارًا فورية في العراق، وخلقت حالة استقطاب حاد بين من يؤيد الانخراط في هذه العقوبات تلافيًا لقرارات مماثلة، وبين الداعين إلى رفضها ودعم إيران بكل السبل.

يستورد العراق 4700 ميغا واط من الطاقة الإيرانية، من أصل 24 ألف ميغا واط تحتاجها البلاد خلال الصيف، ما يهدد بأزمة في حال فقدانها بفعل العقوبات الأمريكية

العقوبات خانقة.. صيف لاهب!

أخذ الجدل يتصاعد بمشاركة سياسيين وأعضاء برلمان ومواطنين، في وقت تضييق العقوبات الخناق على إيران، حتى وصلت ذروتها يوم الاثنين 22 نيسان/أبريل، مع قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنهاء الإعفاءات من العقوبات على الدول المستوردة للنفط من إيران، بحلول الثاني من أيار/مايو المقبل، لتضع حكومة عادل عبد المهدي، التي كانت حصل على استثناء لمواصلة التعامل من إيران في استيراد الغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية، في مأزق حقيقي مع اقتراب الصيف، موسم الاحتجاجات في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تحرق وزارة النفط غاز بقيمة 5 مليار دولار سنويًا؟

يستورد العراق من إيران، ما يقارب 28 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا، لتغذية عدد من محطات توليد الكهرباء لإنتاج ما يقارب 2800 ميغاواط، كما يشتري 1200 ميغا واط أخرى من الكهرباء الإيرانية، وفق تصريحات أدلى بها مؤخرًا المتحدث باسم وزارة الكهرباء مصعب المدرس، مشيرًا إلى أن الوزارة تأمل أن "ترتفع الكميات الغاز المستوردة من إيران، مع مطلع حزيران/يونيو المقبل، إلى 35 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، لترتفع الطاقة المنتجة إلى 3500 ميغاواط"، فيما بين أن إجمالي كمية الطاقة التي تستوردها بغداد من إيران تبلغ 4700 ميغاواط، وهو ما يساهم في التخفيف عن كاهل العراق في فصل الصيف.

أزمة في الأفق.. قد تكون مفيدة!

من جانبه أكد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الثلاثاء 23 نيسان/أبريل، أن قرار إدارة ترامب عدم تجديد اعفاء دول من العقوبات المفروضة على طهران يشمل "صادرات النفط فقط". لكن مختصين يرون غير ذلك، خاصة وأن واشنطن تسعى إلى "خنق" إيران يومًا بعد آخر.

يقول الخبير الاقتصادي، ملاذ المعين، إن "كمية التبادل التجاري بين العراق وإيران وصل في العام الماضي إلى ما يقارب الـ 16 مليار دولار، وتوضح هذه الكمية من الأموال الاعتماد العراقي الكبير على إيران، لكن الوضع الآن قد اختلف مع العقوبات الأمريكية، ويجب أن يتهيأ العراق للبحث عن بديل مناسب لتمشيه أموره الاقتصادية".

رفض عبد المهدي الحديث عن خطط حكومته لتعويض الطاقة الإيرانية أو استغلال حظرها في سوق النفط العالمية

أضاف المعين، في حديث لـ "ألترا عراق"، أن "العقوبات الأمريكية على إيران فرصة كبيرة لتنبيه العراق على ضرورة الاعتماد على نفسه وإمكانياته الداخلية لسد احتياجاته دون الاتجاه للاستيراد بشكل كبير"، داعيًا الحكومة إلى "التعلم من الدرس في حال عدم موافقة واشنطن على إعفاء العراق من العقوبات ومنعه من التعامل مع إيران".

كما توقع، أن "تشهد البلاد أزمة في الطاقة الكهربائية في موسم الصيف المقبل، مع إصرار الولايات المتحدة على محاصرة إيران، الأمر الذي سيؤثر على استيراد الغاز الطبيعي المشغل لمحطات الكهرباء"، لافتًا إلى أن "نوعية الغاز المستورد من إيران لتشغيل محطات الكهرباء موجود في حقل غاز المنصورية بمحافظة ديالى، لكن غياب التخطيط وعدم تحصين العراق صناعيًا، يحول الآن دون إدخال غاز ديالى لتشغيل محطات الطاقة". وعد أن هناك  "فرصة لانتعاش بعض القطاعات الصناعية والزراعية في العراق، بفعل العقوبات الأمريكية على إيران".

لاخطط.. ماذا عن كهرباء السعودية؟

بالعودة إلى عبد المهدي، فقد أكد أن فقدان العراق للطاقة الإيرانية التي يعتمد عليها هي "افتراضات وسيناريوهات بعيدة عن الواقع، لتعلق القرار الأمريكي بالصادرات النفطية فقط"، مشيرًا إلى أن "هناك بحث يومي مع واشنطن في كافة الشؤون بشكل تفصيلي"، رافضًا الكشف عن أي خطط بديلة لحكومته لتعويض الطاقة الإيرانية المحتمل خسارتها، حتى تحقق ذلك بشكل واقعي.

كما رفض عبد المهدي أيضًا، الحديث على خطط حكومته لتعويض النفط الإيراني في السوق العالمية، مبينًا أن "العراق من الدول المنتجة الكبيرة ولديه خطط طموحة في مجال الطاقة، حيث كان من المفترض أن يصل انتاجه النفطي إلى 6 ملايين برميل نفط يوميًا مع حلول 2020".

وأضاف، : "أسعار النفط تسير نحو صعود. يجب أن ننتظر ونرى، للعراق علاقة مباشرة بمثل هذه الأمور، لكن ما هي الأرقام وأين سنصل هذه أمور تتعلق بالظرف ويجب أن نرى الواقع"، مؤكدًا أن "سوق النفط سوق سريعة الحركة ويجب أن نساير هذه السرعة".

المباحثات التي تحدث عنها عبد المهدي مع واشنطن، تأتي لتجنب العقوبات المفروضة على إيران، وفق ما أشارت وكالة أنباء "بلاتس" الأميركية، حيث تحدثت عن "تحرك لبغداد لضمان استراتيجيات لتهدئة واشنطن وتجنب العقوبات، متمثلة بالتفاوض مع إيران وترتيب خطة تفضي لتسديد الأموال بالدينار العراقي بدلًا من الدولار، مع ضمان صرف المبلغ عبر مصرف عراقي داخل البلاد"، مبينة أن "هذه الاجراءات مهمة فنيًا لتحاشي خرق العقوبات الأمريكية".

رأى مختصون في العقوبات الأمريكية فرصة لتنبيه العراق إلى ضرورة الاعتماد على نفسه لسد احتياجاته ومحاولة تخفيف الاعتماد على الاستيراد وتعلم الدرس

ونقلت الوكالة الأميركية http://cutt.us.com/gaFLLI2 عن المتحدث باسم وزارة الكهرباء، مصعب المدرس قوله، إن "العراق ليس لديه أي خيار ثانٍ في الوقت الحاضر"، بشأن استيراد الكهرباء والغاز من إيران. وأضاف المدرس، أن "معدل الطلب على الطاقة الكهربائية في العراق خلال موسم الصيف يصل إلى 24 ألف ميغاواط، حتى لو صاحب ذلك خططًا حكومية لإغلاق مصانع تديرها الدولة ومحاولات أخرى لتقليص الاختناق الحاصل على معدل الاستهلاك".

وبشأن مذكرة التفاهم التي وقعها عبد المهدي مع السعودية، أوضح المدرس، أن "مذكرة التفاهم هي تمهيد لإعداد دراسة لإنشاء خطوط نقل تربط منظومة الكهرباء العراقية بالمنظومة السعودية"، لافتًا إلى أن "الوقت المستغرق لإعداد الدراسة لن يكون طويلًا حيث ستكتمل خلال شهر أو شهر ونصف، ولكن ربط خطوط النقل ما بين منظومة البلدين قد تستغرق من عشرة أشهر إلى سنة".

اقرأ/ي أيضًا: بلد المليون مولّد.. أزمة كهرباء "بلا انقطاع" في العراق!

كان العراق قد شهد الصيف الماضي، موجات احتجاجات غاضبة بدأت شرارتها عند انقطاع التيار الكهربائي في معظم محافظات الوسط والجنوب، ثم تطورت ودخل المحتجون بصدامات مع القوات الأمنية، مما تسبب بسقوط الضحايا من الطرفين، فيما أحرق محتجون غاضبون مقار عدد من الأحزاب الحاكمة إضافة إلى مبنى القنصلية الإيرانية في البصرة.

ماذا ستفعل إيران لو تبادلت الدور مع العراق؟

يقول الخبير الاقتصادي حسن الأسدي، إن "جيران العراق وجميع المشتركات التي تربطه معهم من دينية وقومية، محترمة جدًا، لكن الأولى وكما يفعل الجميع هي مصلحة البلاد"، مبينًا أن "العراق وخاصة في ملف العقوبات الأمريكية على إيران، حري به البحث عن مصلحته والابتعاد عن العقوبات، لأنه لا يستطيع الصمود بوجه الولايات المتحدة، وهو بلد ضعيف سياسيًا واقتصاديًا وحتى أمنيًا".

أضاف الأسدي، لـ "الترا عراق"، أن "مسألة العقوبات على الشعب الإيراني الجار التاريخي للعراق مرفوضة حتمًا، لكن الحكومة الإيرانية لو وضعت بمثل موقفنا ستبحث عن مصلحة شعبها أولًا وهي محقة جدًا في ذلك، ولكانت قد وجدت البديل لاستيراد الغاز والكهرباء تجنبًا للضرر منذ زمن طويل، وهذا ما كان على العراق فعله"، مبينًا أن "العراق قد يتجه إلى حل وسطي وهو الدفع بالدينار، أو التسديد حتى إشعار آخر، لأنه من المستحيل أن يتعامل مع إيران بالدولار الذي يخضع لشروط وزارة الخزانة الأمريكية".

قد يتجه العراق إلى حل وسطي لتجنب العقوبات الأمريكية، في ظل دعوات إلى تطوير قطاع الغاز في البلاد والبحث عن بديل خارجي للطاقة الإيرانية

كما أكد الخبير الاقتصادي، أن "البلاد تمتلك الغاز الطبيعي الذي تستورده من إيران، وكانت إمكانية العمل على تطوير قطاعه واستخدامه لتوليد الكهرباء، أو البحث عن بديل خارجي متاحة، قبل تفاقم الأمور ووصولها إلى هذه المرحلة الحرجة"، مشيرًا إلى أن "الحكومة ستقع بمأزق حقيقي في حال رفضت واشنطن إعفائها من التعامل مع إيران مع عدم وجود بديل للغاز".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فقدان السيادة والإفقار.. اقتصاد العراق يشهد على 16 عامًا من خراب الاحتلال

القطاع العام في العراق.. اسأل الكهرباء